أفكار وآراء

أمريكا تتخلى عن الزعامة الاقتصادية للصين

16 ديسمبر 2017
16 ديسمبر 2017

كيفن رود- واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

تُلْقِي رحلةُ الرئيس دونالد ترامب الأخيرة إلى آسيا المزيد من ظلال الشك حول موقف الولايات المتحدة والتزامها في الأجل الطويل تجاه المنطقة. فخطاب «أمريكا أولا» في قمة آبيك في فيتنام قلل من جدوى استعداد أمريكا للتعاون مع الحلفاء الآسيويين. لكن ترامب يستحق أن يُحمد له حضوره على الأقل. فزيارته إلى طوكيو كانت إيجابية. وكذلك رحلته إلى سول. كما أكد خطابه القوي أمام الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية على التضامن مع حليفٍ وليس التحذير من صراع مسلح وشيك. فقنوات التواصل بين واشنطن وبيجينج حول كوريا الشمالية مفتوحة.

وكان اللقاء الثنائي المباشر في هانوي هَامَّا، مثلما كان كذلك حضور ترامب قمة آيبك في«دانانج» التي أتاحت له بناء بعض العلاقات الشخصية التي كانت قليلة في السابق. كذلك فإن تطبيع العلاقات مع الفلبين، رغم سماح الرئيس رودريجو بأعمال القتل خارج القضاء، يعزز تحالفات أمريكا في المنطقة. لكن مستقبل الارتباط الاقتصادي الأمريكي يبدو كئيبا. ففشل كل من الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا في تبني «شراكة عبر المحيط الهادي» يشكل مأساة للولايات المتحدة. فهذه الشراكة في مقدورها تعزيز المصالح التجارية والاستثمارية للولايات المتحدة في منطقة اقتصادية تنمو بسرعة وتبسط هيمنتها باطراد في العالم. لكن ما يضاعف المأساة عدم وجود أي شيء حتى الآن للحلول محل هذه الشراكة. وتماثل الإدارة الأمريكية الغامضة حول «منطقة هندو- باسيفيكية حرة ومفتوحة» الشعار الذي يفتقر إلى محتوى. فهي عبارة صِيغَت على عجل عشية هذه الزيارة. فهذا ليس بديلا عن «شراكة عبر المحيط الهادي» التي كانت نتاج ستة أعوام من العمل بين أكثر من عشر حكومات بها أنظمة تجارية واستثمارية واقتصادية تختلف فيما بينها اختلافا واسعا. وبدلا عن ذلك تنازلت الولايات المتحدة عن الزعامة الاقتصادية في المنطقة للصين واليابان، كل منهما على حدة، وذلك في المستقبل المنظور على الأقل. فقد قادت اليابان جهود المفاوضات من أجل تماسك ما يسمى «شراكة عبر المحيط الهادي 11». ويشير الرقم المذكور إلى عدد البلدان التي تخلّت عنها الولايات المتحدة. وهي بلدان لاتزال تقاتل من أجل اتفاق تجاري إقليمي، ربما بأمل انضمام حكومة أمريكية إليه في المستقبل. وتواصل الصين دعمها لشراكة اقتصادية شاملة في المنطقة أقل طموحا (على الأقل من ناحية التحرير الاقتصادي إن لم يكن من الجانب الجيو- سياسي). وفي كلا الحالين، دخلت الولايات المتحدة في حالة هجوع استراتيجي وهي التي كانت تدافع عن التحرير الاقتصادي لآسيا منذ نهاية حرب فيتنام. لقد بدأنا الآن نشهد نتائج الانسحاب الأمريكي عن الزعامة بالنسبة للمنطقة. فأثر الصين الجيو- اقتصادي بدأ يطغى في آسيا والحقيقة غير المريحة هي أن جنوب شرق آسيا يتجه نحو الدوران في فلك الصين الاستراتيجي.

ويعني النفوذ الصيني المتضخم في المنطقة أن بيجينج في أغلب الأحيان هي التي ستقرر « قواعد المرور » بالنسبة للتكامل الاقتصادي الإقليمي. والنتيجة هي أننا يمكننا جدا بمرور الوقت أن نرى أمريكا وهي تتحول إلى « قوة عظمى غير متوازنة» لها وجود عسكري إقليمي قوي في آسيا ولكن بدور ثانوي في المستقبل الاقتصادي الذي يزدهر بسرعة في المنطقة. وفيما يخص الأمن الإقليمي لاتزال المعضلة النووية في كوريا الشمالية بدون حل وشيك. ويظل الزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون متمسكا ببرامجه الصاروخية والنووية التي يعتبرها ضرورية لبقاء نظامه. ويرى ترامب أن هذه البرامج تتخطى خَطّا أحمر أمريكيا.

وفي الأثناء ربما أن الصين تعمل على إقناع الشمال الكوري بإبطاء وتيرة اختباراته. وكان آخرها في منتصف سبتمبر. ويبدو أن الصين تحاول منع كوريا الشمالية من تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات يمكن أن يهدد أراضي الولايات المتحدة وذلك في تزامن مع محاولتها حث الولايات المتحدة للسماح لبيونج يانج الاحتفاظ بقدراتها الصاروخية القصيرة والمتوسطة المدى. لكن هل ستكون مثل هذه الصفقة مقبولة لواشنطن أو حلفائها الآسيويين؟ فهذه الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى يمكن أن تصل إلى كوريا الجنوبية واليابان وربما حتى إلى جزيرة جوام (الأمريكية.) لكن هنالك شيء واحد واضح. فمخاطر نشوب نزاع مسلح في شبه الجزيرة الكورية تظل عالية بقدر غير مقبول. وبخلاف كوريا الشمالية هنالك أيضا موضوع كيفية التعامل مع تَفَرُّع (انقسام) المنطقة إلى مجالين للنفوذ الصيني والأمريكي.

فمثل هذا العملية تنطوي لُزوما على تقويض الاستقرار. وبالفعل تشعر الحكومات في المنطقة بضغوط تفرض عليها الاختيار (بين أمريكا والصين.) ثمة مقاربة أفضل وهي تشكيل هيكل أمني إقليمي أكثر مرونة ويمكنه التخلص من الخيارات الاستراتيجية الثنائية والهشة. لنأخذ قمة شرق آسيا مثالا. فهي يلزم أن تتطور بمرور الوقت إلى منبر أمني إقليمي للمستقبل. ويمكن لمثل هذا المنبر أن يبني بالتدريج الثقة بين كل دول المنطقة (بما فيها الصين والولايات المتحدة) ويؤسس لشفافية عسكرية أكبر وتعاون أوسع حول تحديات «الأمن الناعم». كما يمكنه في الوقت الملائم تطوير عادات وإجراءات لحل التوترات الإقليمية سلميا. هذا لن يحل كل هذه التوترات بالطبع. لكنه قد يخفف من احتدامها في وقت يشهد انتشار بُؤَرِ التوتر التي تشكل خطرا على مستقبل المنطقة.

• الكاتب رئيس الوزراء الأسترالي السادس والعشرون. يتولى حاليا رئاسة معهد «جمعية آسيا» للسياسات