أفكار وآراء

هل هناك انتعاش عالمي؟؟

16 ديسمبر 2017
16 ديسمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

يتوقع الكثير من دول العالم حصول انتعاش في الاقتصادي العالمي خلال السنوات في إطار تحسن أسعار النفط العالمية من جهة، والبيانات المالية الصادرة عن صندوق النقد الدولي فيما يهم النمو العالمي من جهة أخرى. ورغم الكثير من القيل والقال حول البيانات التي يصدرها صندوق النقد الدولي وعمل هذه المؤسسة وسياساتها وقراراتها فيما يهم الكثير من الدول واقتصاداتها، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن تلك البيانات في معرفة بعض الحقائق التي تهم العالم. فقبل شهر مضى أصدر الصندوق بعض التقارير تشير إلى أن الانتعاش الدوري العالمي لا يزال يكتسب قوة متزايدة منذ منتصف العام الماضي 2016، حيث كان الاقتصاد العالمي قبل تلك الفترة يواجه تباطؤا في النمو واضطرابات في الأسواق المالية، إلا أن الصورة الراهنة تبدو مختلفة للغاية مع تسارع النمو في أوروبا واليابان والصين والولايات المتحدة. كما لا تزال الأوضاع المالية قوية عبر بلدان العالم، حيث تتوقع الأسواق المالية قليل من الاضطرابات في الفترة القادمة، بينما يواصل الاحتياطي الفيدرالي استعادة الأوضاع النقدية العادية ويسير البنك المركزي الأوروبي بخطوات وطيدة في نفس الاتجاه.

ووفق آراء موريس أوبستفلد المستشار الاقتصادي بالصندوق فإن هذه التطورات الإيجابية تشكّل باعثا جيدا لمزيد من الثقة، ولكن لا ينبغي لصناع السياسات ولا الأسواق أن يركنوا إليها مؤثرين التراخي، ذلك أن النظرة المدققة تشير إلى احتمال أن يكون التعافي العالمي غير قابل للاستمرار - فالبلدان ليست جميعا مشاركة فيه، والتضخم لا يزال في الغالب أدنى من المستوى المستهدف مع ضعف نمو الأجور، والآفاق متوسطة الأجل لا تزال مخيبة للآمال في كثير من أنحاء العالم.

ورغم تفاؤل هذه المؤسسة تجاه التطورات الاقتصادية المقبلة في العالم، إلا أن التقارير الصادرة عنها تشير إلى أن هناك مخاطر كبيرة تهدد التعافي الجاري، ثم فإن الأسواق المالية التي تتجاهلها تتعرض لعمليات إعادة تسعير مربكة، وتبعث برسائل مضللة لصناع السياسات الذين بدورهم عليهم الاحتفاظ برؤية أطول أجلا واغتنام الفرص السانحة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية والمالية اللازمة بغية تعزيز الصلابة ورفع الإنتاجية والاستثمار. ومن هذا المنطلق فإنه من المهم اتباع هذا المسلك، حيث إن الحكومات كثيرا ما تنتظر وقوع بعض الأزمات لتدفعها إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، وهذه بنفسها تشكّل مصدرا للمخاطر التي تهدد آفاق الاقتصاد، وعائقا أمام تحقيق النمو المطلوب. فالتقدم الاقتصادي المحقق مؤخرا يمثّل بيئة عالمية مليئة بالفرص، وعلى صناع السياسات ألا يضيعوا الفرص السانحة لهم في هذا الشأن.

ويتطلب الأمر داخل البلدان بأن تغلق فيه فجوات الناتج السلبي في الاقتصادات المتقدمة، حيث يظل نمو الأجور الاسمية والحقيقية حاليا ضعيفا مقارنة بفترات التعافي السابقة وفق رؤية الصندوق، فيما يشكل ضعف نمو الأجور مصدرا للتضخم الضعيف والذي يعتبر بدوره باعثا على القلق، حيث أن ذلك يبقي أسعار الفائدة الاسمية المنخفضة ويزيد احتمالات وصولها إلى الحد الأدنى الفعلي، أي النقطة التي تنتهي عندها قدرة البنوك المركزية على إجراء مزيد من الخفض في أسعار الفائدة. وهذا الأمر يعزز من امتداد ركود الأجور الوسيطة إلى المدى الأطول، ويزيد من عدم المساواة في توزيع الدخل . وقد تسببت هذه التطورات في رد فعل شعبي كبير مضاد للعولمة - وهو بمثابة خطر كبير يهدد الاقتصاد العالمي - بالرغم من أن التطورات التكنولوجية والسياسات الحكومية قامت معا بدور أكبر في زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل. كما أن المخاوف من زيادة سرعة التحول إلى النظم الآلية تمثل باعثا على القلق في الوقت الراهن.

أما عبر البلدان الصاعدة ومنخفضة الدخل المصدرة للسلع الأولية، وخاصة المصدرة للطاقة، فيرى الكاتب انها لا تزال تعاني ومثلها عدة بلدان أخرى تمر بقلاقل أهلية واضطرابات سياسية، معظمها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب صحراء إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكثير من هذه البلدان ذاتها هي الأشد تعرضا أيضا للآثار السلبية المترتبة على تغير المناخ - والتي نلمسها بالفعل من خلال زيادة تواتر الأحداث الجوية المتطرفة في بعض المناطق، مثل موجات الحر والأمطار الغزيرة. وهذه الأوضاع تمثل تكاليف اقتصادية كبيرة للدول بسب تغير المناخ والحاجة إلى توجيه استثمارات لسبل التكيّف مع تلك الظروف خاصة في البلدان منخفضة الدخل. ويشير تقرير الصندوق في هذا الشأن أيضا إلى أن الاقتصادات المتقدمة أيضا لن تكون محصنة من التطورات المناخية القادمة - سواء من خلال الآثار المباشرة في بعض المناطق المتقدمة، مثل المناطق الساحلية في الولايات المتحدة، أو تداعيات الهجرات الجماعية وعدم الاستقرار الجغرافي-السياسي الناشئين في البلدان الأفقر.

وخلال الفترة المقبلة، يتوقع الصندوق أن يسجل نصيب الفرد من معدلات هذا النمو الاتجاهي الأطول أجلا في كثير من الاقتصادات مستوى أقل من معدلات النمو السابقة سواء في الدول المتقدمة أو الصين، حيث يمثل تراجع النمو طويل الأجل في الصين نتيجة طبيعية لاستعادة توازن النمو وتحقيق التقارب المستهدف. وبالنسبة للاقتصادات الصاعدة المصدرة للسلع الأولية، التي استفادت من سرعة نمو قطاع التصنيع الصيني في الأعوام السابقة، يتعين استحداث نماذج جديدة للنمو في مواجهة الانخفاض الدائم في أسعار الصادرات. أما بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، فهناك دور كبير يقوم به فيما يتعلق ببطء نمو الإنتاجية المتوقع وشيخوخة القوى العاملة. ويؤكد الصندوق في تقريره على أن انخفاض معدلات النمو الاتجاهي للفرد يمكن أن تمثل مشكلة لعدة أسباب منها أنها تزيد من صعوبة رفع المستويات المعيشية للفقراء، وتشكل مشقة لإعادة توزيع الموارد في مواجهة التغيرات الاقتصادية، كما تردع الاستثمارات المعززة للإنتاجية، وتضر باستمرارية شبكات الأمان الاجتماعي الممولة حكوميا، وتغذي الشعور بالسخط السياسي لكونها تطيح بالآمال في المستقبل وتضعف الإيمان بعدالة النتائج الاقتصادية. وبدورها، يمكن أن تؤدي هذه العوامل إلى الانحراف عن مسار التنبؤات الأساسية.

وعموما يرى المستشار الاقتصادي بصندوق النقد الدولي أن فجوات التعافي السابقة تفرض تحديا أمام صناع السياسات يدفعهم إلى اتخاذ إجراءات لمواجهته وفق إجراءات يجب أن تتم الآن، فيما هناك الفرص مواتية، مشيرا إلى أن الإصلاحات الهيكلية المطلوبة تختلف باختلاف البلدان، ولكن كل الدول أمامها متسع كبير لاتخاذ إجراءات تعزز الصلابة الاقتصادية إلى جانب النمو الممكن. وأخيرا يوضح الكاتب إلى أنه بالنسبة لبعض البلدان التي أغلقت فجوات الناتج بالفعل، فقد حان الوقت للتفكير في تنفيذ الضبط المالي تدريجيا، لتخفيض مستويات الدين العام المتضخمة وخلق هوامش وقائية يمكن الاستعانة بها في فترة الركود القادمة، حيث أنه يمكن لهذه الإجراءات أن تتمخض عن تداعيات سلبية في الخارج، ولكن على البلدان التي تمتلك حيزا ماليا أكبر يمكن أن تعوِّض انخفاض الطلب العالمي - بأن تقوم، على سبيل المثال، باستثمارات ضرورية في البنية التحتية المنتجة أو الإنفاق المالي لدعم الإصلاحات الهيكلية، حيث إن ذلك يمكن أن تساعد هذه الحزمة المالية العالمية أيضا على تخفيض الاختلالات العالمية المفرطة.