1189972
1189972
إشراقات

تحقيق الأمن المجتمعي ضرورة

14 ديسمبر 2017
14 ديسمبر 2017

المواطنة في الإسلام (8) -

إعداد – نادر أبو الفتوح -

أكد الشيخ محمود الإبيدى من علماء وزارة الأوقاف المصرية خلال حوارنا معه أن الشريعة الإسلامية أعلت من قيمة تحقيق الأمن للأوطان؛ لأنه بدون الأمن والاستقرار لن يتمكن أي من أفراد المجتمع من أداء رسالته في الحياة، فالأمن من أكثر النعم التي تتطلب الشكر، كما تتطلب أن يقوم كل مواطن بدوره، في الحفاظ على الأمن المجتمعي؛ لأن ذلك من الواجبات التي تتطلبها المواطنة في الإسلام، كذلك يجب أن يحافظ الجميع على حالة الاستقرار؛ لأن ذلك من شأنه أن ينهض بالمجتمع، ويجعل كل أبنائه يعيشون في سلام، والنبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- جعل أمن المجتمع في مكانة عالية بين النعم التي ينعم بها الله- عز وجل- علي عباده، ووضح النبي الكريم هذا المعني في الحديث الشريف: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)، وهذا دليل على أن نعمة الأمن، من النعم التي تستحق أن يتعاون على تحقيقها كل أبناء المجتمع.

موضحا أن الأمن والأمان، من أعظم نعم الله- عز وجل- على الناس، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، وهذه الآية الكريمة تعني أن الأمن نعمة عظيمة، ففي غياب الأمن والاستقرار لن يتمكن الناس من العمل، وكذلك لن يتمكن أحد من أداء العبادات على الوجه الأكمل، فبدون الأمن لن تستقر المجتمعات والشعوب، ولذلك فقد جعلت الشريعة الإسلامية، الحفاظ على أمن الوطن من أهم صور المواطنة في الإسلام، وتحقيق هذه القيمة مسؤولية جميع أبناء المجتمع، مسلمين وغير مسلمين، ويجب أن يتعاون الجميع معا، لتحقيق هذه القيمة العظيمة، لأن الروابط الإنسانية والوطنية تتطلب تعاون الجميع معا، لتحقيق الأمن، بغض النظر عن أي اختلافات أخرى.

ويشير الشيخ الابيدي إلى أن الأمن هو مطلب كل أبناء المجتمع في كل الأوقات والأزمان وسيدنا إبراهيم عليه السلام قال كما ورد في القرآن الكريم: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وهذه الآية الكريمة توضح أن الحياة لا تستقيم بدون أمن وأمان، والعبادة تتحقق في ظل إحساس الناس بهذه النعمة العظيمة، وقد قال الله عز وجل في القرآن الكريم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)، وهذه الآية دليل على أن الأمن شرط لتتحقق العبادة في صورتها الصحيحة، كما أن الله عز وجل بشر النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم- بدخول المسجد الحرام آمنين، وذلك في قول الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا).

ويضيف أنه من كل هذه المعاني والمفاهيم، التي حملتها لنا الشريعة الإسلامية، حول قيمة الأمن والاستقرار، ندرك أن تحقيق هذه القيمة مسؤولية كل أبناء المجتمع، وأن المواطنة الحقيقية تعني أن يبذل كل إنسان الجهد والعرق؛ لتحقيق الأمن للمجتمع الذي يعيش فيه، وأن أي تقصير في هذا الأمر سوف يُحاسب عليه الإنسان، وأن جميع أبناء المجتمع عليهم القيام بهذه الأمور، سواء المسلمين أو غير المسلمين، وأن يتعاون الكل معا، لتحقيق ذلك، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو أي اختلافات أخرى، لأن تحقيق مصلحة البلاد والعباد، أمر له أهمية كبرى في الإسلام، والمواطنة في الإسلام تعني وجود مجتمع، يعيش في أمن واستقرار، ويحصل فيه الجميع على حقوق وواجبات متساوية، تسوده القيم والمبادئ، التي تؤدي للترابط والوحدة، وكل ذلك لن يتحقق بدون استقرار وأمن وأمان.

ويؤكد الشيخ الإبيدي أن النبي الكريم- صلى الله عيه وسلم- حذر من كل صور الخروج على أمن المجتمع، فقال الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنّا)؛ لأن مبادئ الشريعة الإسلامية تقوم على حفظ النفس البشرية، وتحذر من ترويع الآمنين، والمتأمل في قواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية التي هي حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض، يجد أن هذه المبادئ التي تقوم عليها الشريعة، تتحقق في ظل الأمن والأمان والاستقرار، ويصعب تحقيقها في ظل انهيار المجتمعات، وهذا دليل على أن استقرار المجتمعات والحفاظ على الأمن فيها، يعد من صور المواطنة في الإسلام، وهذه المسؤولية الوطنية والمجتمعية يتحملها كل أبناء الوطن، مسلمين وغير مسلمين؛ لأنها ترتبط بالجميع، وليست فقط ضرورة دينية، بل ضرورة وطنية ومجتمعية، لأنه إذا شعر كل فرد من أبناء المجتمع بالأمن، سوف ينعكس ذلك بالإيجاب على الجميع، وهذا سيؤدي لمزيد من التقدم والرفاهية للمجتمع.