أفكار وآراء

بوتين .. والولاية الرابعة

13 ديسمبر 2017
13 ديسمبر 2017

عبد العزيز محمود -

لم تكن مفاجأة أن يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ترشحه لولاية رابعة، في الانتخابات المزمع إجراؤها على مرحلتين في مارس وإبريل المقبلين، كما أن فوزه في هذه الانتخابات يعتبر محسوما، بفضل الإنجازات التي حققها داخليا وخارجيا خلال ١٧ عاما قضاها في السلطة، وعدم وجود بديل ينافسه في الخبرة والشعبية.

إعلان بوتين خوضه الانتخابات، يعني أنه سوف يظل رئيسا للاتحاد الروسي حتى عام 2024، ليصبح الحاكم الأطول خدمة منذ جوزيف ستالين، وبعدها لن يكون بمقدوره الترشح مرة أخرى، في ظل نص دستوري يحظر الترشح لأكثر من مدتين متتاليتين.

في عام 2008 واجه بوتين هذه المعضلة، دون أن يعدل الدستور لتمديد فترة الرئاسة، وكلف ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء، بالترشح لمنصب الرئيس، وتولى هو رئاسة الحكومة، حتى عاد في عام 2012 للرئاسة من جديد.

هذا السيناريو من الوارد أن يتكرر في عام 2024، ما لم يلجأ الرئيس الروسي لتعديل الدستور، وقد يكتفي بشغل منصب رئيس الاتحاد الروسي، بهدف استمرار السيطرة على النظام السياسي، وعندها سوف يكون في الثامنة والسبعين من عمره.

على أية حال، من السابق لأوانه الحديث عن هذه المرحلة، بينما تتجه أنظار العالم إلى انتخابات عام 2018، والتي سوف تجرى على مرحلتين، الأولى في 18 مارس المقبل، وفيها يصعد المرشحون الفائزون بأكثر من نصف عدد الأصوات، والثانية في 8 ابريل المقبل لتحديد رئيس الاتحاد الروسي المقبل.

والمرجح أن ينافس بوتين في هذه الانتخابات كل من: جينادي زيوجانوف زعيم الحزب الشيوعي، وفيلاديمير جيرونفوسكي زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، واللذين نافساه في انتخابات سابقة، بالإضافة إلي سيرجي ميرونوف زعيم حزب روسيا فقط، وجريجوري يافلينسكي زعيم حزب يابلوكو الديمقراطي، الذي نافسه في انتخابات 2000.

كما يخوض الانتخابات ضده مرشحو الأحزاب غير الممثلة برلمانيا والمستقلون، دون أن تكون لديهم أية فرصة حقيقية، وأبرزهم سيرجي بابورين عن حزب الاتحاد الروسي لكل الناس، وروفينا شاجابوفا عن حزب الخضر، وديمتري روجوزين نائب رئيس الوزراء، بينما تم منع الناشط السياسي اليكسي نافالناي من الترشح.

يذكر أن في روسيا نظاما متعدد الأحزاب، حيث يوجد في الدوما (البرلمان الاتحادي) ستة أحزاب، أبرزها روسيا الموحدة ، وهو الحزب المهيمن الذي يدعم الرئيس والحكومة، يليه الحزب الشيوعي، والديمقراطي الليبرالي، وروسيا فقط، والأسرة، والمنبر المدني، بالإضافة إلى ٧١ حزبا آخرين.

ويسعي بوتين للفوز في الانتخابات المقبلة، معتمدا على إنجازاته، وأيضا سجل خدمته، بدءا من عمله في جهاز الكي جي بي (جهاز أمن الدولة) بين عامي 1975 و1991، ثم إدارته لجهاز الأمن الفيدرالي (اف اس بي) في عام 1998، الذي حل محل الكي جي بي، ثم رئاسته لمجلس الأمن الروسي في عام 1999، ثم رئاسة مجلس الوزراء، قبل أن يختاره الرئيس يلتسين لخلافته في ديسمبر 1999.

وخلال ولايته الأولى بين عامي 2000 و2004 كان هدف بوتين الأول، إعادة بناء روسيا، التي عصفت بها الاضطرابات السياسية والاقتصادية، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991، وهكذا أعطى الأولوية للإصلاح الاقتصادي ومشروعات التعليم والرعاية الصحية والإسكان والزراعة، وحقق نجاحات بفضل ارتفاع عائدات النفط، التي ساهمت في تحسين مستويات المعيشة.

وتبنى سياسة القبضة الحديدية، بتركيز السلطة بين يديه، وترويض الأقلية الحاكمة المتبقية من حقبة التسعينيات، وإنهاء التأثير الأمريكي على السياسة الروسية، وإحكام الرقابة على دولة هي الأكبر عالميا من حيث المساحة (نحو 17 مليون كلم مربع)، يعيش فيها أكثر من سبع مجموعات عرقية، والسماح بهامش ضئيل من المعارضة.

وخلال ولايته الثانية بين عامي 2004 و2008، كان التغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية احد أهم أهدافه، حيث حقق الاقتصاد الروسي نموا ملحوظا، وأحكمت الدولة سيطرتها على 70٪ من الاقتصاد، وتم تسريع عمليات تحديث القوات المسلحة، وضخ استثمارات في الصناعات العسكرية والنووية، واستمر التدخل العسكري في الشيشان، والذي بدأ في عام 1999، حتى تم حسمه عسكريا في عام 2009.

وبانتهاء فترته الرئاسية في عام 2008 تولى بوتين رئاسة الحكومة ورئاسة حزب روسيا الموحدة، بينما شغل ديمتري مديفيديف رئاسة الدولة، لمدة أربع سنوات، كان بوتين خلالها الحاكم الفعلي لروسيا.

وفي مطلع ولايته الثالثة بين عامي 2012و 2018 تمكن الرئيس الروسي من تجاوز أكبر احتجاجات شعبية اندلعت اثر انتخابات برلمانية شابتها تجاوزات، ثم بدأ الاقتصاد الروسي يعاني نتيجة تراجع أسعار النفط، وبدا واضحا أن بوتين لم يجهز بلاده لهذه الحقبة، ولم تتمكن صادرات الحبوب من تعويض الخسائر الناجمة عن تراجع أسعار النفط.

ومع الركود الاقتصادي تأثرت إلى حد ما شعبية بوتين، لكنه واصل تركيزه على استعادة نفوذ بلاده دوليا، وفي عام 2014 قرر ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ثم تدخل عسكريا في شرق أوكرانيا، وفي عام 2015 تدخل عسكريا في سوريا، وفي عام 2016 اتهمته المخابرات الأمريكية بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية ضد هيلاري كلينتون، لكنه نفى هذه الاتهامات.

كان واضحا أن بوتين يسعى لوضع نهاية للحقبة الأمريكية عالميا، وبفضل تركيزه علي تطوير القدرات العسكرية لبلاده، وسع عملياته العسكرية في الخارج، وكانت إستراتيجيته محسوبة، لدرجة أن خسائر الجيش في كل الجبهات لم تتجاوز 3500 قتيلا بين عامي 2012 و2016، مقابل 15 ألف قتيل خلال الحرب في أفغانستان بين عامي 1979 و1989.

ومع توسيع روسيا لأنشطتها العسكرية والاستخباراتية في الخارج، توترت علاقتها بالغرب، خاصة بعد قيام الولايات المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات عليها، ووصلت العلاقات الروسية الأمريكية إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة.

وفي المقابل واصل الرئيس الروسي تطوير علاقات بلاده مع الصين، بهدف زعزعة أسس النظام العالمي، والتحول إلى نظام متعدد الأقطاب، وأدى تدخله في الشرق الأوسط، عبر تطوير علاقاته مع إيران، وتدخله العسكري في سوريا، وتطوير علاقته مع تركيا ، الى تمزيق تحالف تركيا مع الغرب بدرجة غير قليلة ، ودفع السعودية ودول الخليج لإقامة علاقات افضل مع بلاده.

من جهة أخرى أجاد الرئيس الروسي توظيف تقنيات الحرب الرقمية والانترنت، لصالح السياسة الروسية، على العكس من الولايات المتحدة، التي استخدمت شركاتها الكبرى هذه التقنيات لأغراض تجارية.

والآن يمكن القول بأن روسيا تستعيد نفوذها العالمي، لكن اقتصادها مازال يعاني، بسبب تراجع أسعار النفط والعقوبات الامريكية والاوروبية المفروضة عليها ، وهو ما أثر على شعبية الرئيس الروسي نسبيا ، حيث يتهمه معارضوه ، بان اهتمامه بالداخل لم يكن على نفس مستوى اهتمامه بالخارج، فالإدارة بحاجة إلى تطوير، وكذلك جهود مكافحة الفساد.

وطبقا لاستطلاعات الرأي الروسية فإن نحو 42 ٪ من الناخبين الروس لن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لافتقادهم الأمل في المستقبل، وهو ما قد يدفع بوتين خلال ولايته الرابعة لوضع سياسة داخلية أكثر نجاحا وتماسكا، في إطار التزامه بسياسات قومية متحفظة أقرب لليمين الشعبوي، تؤمن بضرورة واهمية التفاعل بين الاقتصاد والسياسة والمجتمع وتفهم متطلباته .

وأيا كان الوضع، فإن فوز بوتين في الانتخابات المقبلة محسوم، حيث يتوقع مع بدء ولايته الرابعة في مايو المقبل، أن يرفع شعار الاستمرار، وعدم إجراء تغييرات جذرية، لكن من المرجح أن يتوسع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأوروبا.