1191868
1191868
الاقتصادية

الجمعية الاقتصادية تؤكد توافر الإرادة السياسية والشعبية للتحول إلى التنويع الاقتصادي

13 ديسمبر 2017
13 ديسمبر 2017

مناقشات حول مستقبل النفط في ظل التغيرات الإقليمية -

كتب - زكريا فكري -

أكدت ندوة (مستقبل النفط في ظل التغيرات الإقليمية) على وجود إرادة سياسية وشعبية وإصرار على تنويع مصادر الدخل العام وعدم الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر وحيد لإيرادات الدولة، وأن السلطنة أصبحت تتمتع بكوادر وطنية يمكنها إحداث هذا التحول وقد كشف برنامج تنفيذ ومؤتمر استشراف المستقبل عن حرص حكومي على إحداث مشاركة مجتمعية واسعة تسعى لإحداث هذا التحول بمسؤولية جمعية.

واتفق المتحدثون على الإدارة الجيدة لأزمة انخفاض أسعار النفط عالميا والحد من العجز وضمان تدفق الإيرادات والتقليل من المصروفات مما يساهم بشكل كبير في تماسك الاقتصاد وبالتالي تخطي هذه الإشكالية وقالوا إن شركات النفط الكبرى خططت جيدًا لهذه الأزمة وقللت بالفعل من الاستثمارات الإضافية والمشروعات غير الملحة ونجحت في تحقيق أرباح حقيقية دون أن تتأثر بتراجع الأسعار عالميا، وقالوا إن النفط سيظل لمدة 50 عاما قادمة هو المصدر الأول للطاقة في العالم في ظل وجود مستهلكين كبار مثل الصين والهند وهي دول ترتفع فيها معدلات التنمية بشكل كبير وملحوظ. وأن معدل إنتاج النفط عالميا في الوقت الحالي يبلغ 22 مليون برميل، وسيرتفع لاحقا تبعا لارتفاع معدلات الاستهلاك إلى 35 مليون برميل يوميا وربما يصل على مدار السنوات القادمة إلى 50 مليون برميل.

وقالوا: إن التوجه للطاقة المتجددة أصبح ظاهرة عالمية ويجب علينا التركيز على هذا المجال بل وتصنيع هذه التكنولوجيا خاصة في قطاع الطاقة الشمسية، وأن السلطنة سوف تتحول للاعتماد على إنتاج الطاقة من مصادر غير نفطية ومن المتأمل أن تنجح السلطنة خلال فترة تتراوح ما بين 10 و25 سنة في إنتاج نصف حاجتها من الطاقة عبر مصادر أخرى غير نفطية. وطالبوا بضرورة تقليل استهلاك المحروقات (الوقود) في السلطنة حيث تظل معدلات استهلاك المحروقات مرتفعة للغاية وتصل إلى 10 لترات يوميا، بينما المعدل اليومي لا يزيد عن لترين يوميا للفرد بل وتصل هذه المعدلات إلى ربع لتر يوميا للفرد في بعض الدول.

وكان النادي الثقافي قد نظم مساء أمس الأول حلقة نقاشية بعنوان (مستقبل النفط في ظل التغيرات الإقليمية)، شارك فيها مجموعة من المتخصصين، بحضور نخبة من المهتمين والباحثين في مجال الاقتصاد، والهندسة البترولية.

ركزت الحلقة على بحث مستقبل النفط من النواحي الاقتصادية والتنموية والتحديات التي ستواجه القيمة الاقتصادية له في ظل الموجات الاقتصادية العالمية والمتغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية.

شارك في الحلقة النقاشية والتي أدارها الإعلامي يعقوب الحارثي والدكتور حاتم بن بخيت الشنفري الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد والمالية بكلية التجارة والاقتصاد بجامعة السلطان قابوس، حيث تطرق الدكتور حاتم في حديثه إلى إسهامات قطاع النفط لأكثر من نصف قرن في إحداث نقلة هائلة في تنمية دول المنطقة وتطوير البنية الأساسية والبشرية، ونتج عن هذا التحول الكبير تحقيق مؤشرات أداء متقدمة على مستوى دول العالم. وأضاف: إنه بالرغم من سعي دول المنطقة إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي في النشاط الاقتصادي على مدى عقود من الزمن من خلال خطط خمسية ورؤى مستقبلية تسعى لهذا الهدف، فإن الاعتماد على النفط لا يزال مرتفعا.

الثورة التكنولوجية

وتطرق الشنفري في حديثه إلى التوقعات المستقبلية للنفط حيث قال: إن الدلائل تشير إلى استمرار الطلب على هذه السلعة الاستراتيجية لعقود قادمة، ولكن أسعار النفط قد تشهد استقرارا حول مستوياتها الحالية لفترات طويلة مع إمكانية أن تشهد ارتفاعا حادًا لفترات قصيرة نتيجة لأزمات مختلفة على مستوى المنطقة أو العالم. ومن العوامل التي ستلعب دورا أساسيا في استقرار أسعار النفط حول مستوياتها الحالية هو الثورة التكنولوجية والتحول إلى مصادر بديلة للطاقة مثل الطاقة المتجددة من الرياح والشمس.

وأكد على أن الثورة التكنولوجية ستساهم في زيادة إنتاج الطاقة من مصادرها التقليدية من النفط والغاز وتسرع التحول إلى الاستخدام المتزايد للسيارات الكهربائية وهذا بدوره سيقلل الاعتماد على النفط في وسائل النقل والتي تستهلك كميات كبيرة من هذه السلعة.

كما تطرق المحاضر إلى استخدام مصادر بديلة للنفط مثل الطاقة الشمسية المتجددة والتي تشهد كلفتها انخفاضا حادا ومستمرا مما يجعلها منافسة قوية للنفط وتحقق الاستدامة للبيئة، موضحا أن هذا العامل سيخفض الطلب على النفط ويساهم في الضغط على أسعاره في المستقبل.

بعد ذلك تحدث الدكتور سلمان بن محمد الشيدي مدير عام المديرية العامة لإدارة الاستثمارات البترولية بوزارة النفط والغاز عن أهمية الدور الذي مثَّله النفط في العالم منذ اكتشافه اقتصاديا وتنمويا، والسيناريوهات المتوقعة لهذا الدور على المستويين المتوسط والبعيد في مجال استشراف دوره في المستقبل القريب بعد انخفاض أسعاره، كما تطرق إلى مدى تأثر الدول المنتجة له والمعتمدة عليه، وتلك التوقعات التي يمكن أن تكون في حال استمرار أسعاره في الانخفاض أو الثبات أو الارتفاع.

الأسئلة والمداخلات

شهدت الندوة أمس حضورًا لافتًا، كما شهدت العديد من المداخلات والآراء، وقد تناولت العديد من المحاور حول دور صندوق الاحتياط العام للدولة ومساهمته في دعم الموازنة العامة وأهمية مشاركة القطاع الخاص بعد منحه طمأنات تزيل بعض المخاوف التي لدى هذا القطاع، وأهمية البحث العلمي ودوره في التنمية، وخلط البعض بين الرؤية والاستراتيجية والخطة. كذلك تطرقت المداخلات إلى تجارب الدول الأخرى التي نجحت في إحداث تطور هائل في اقتصادياتها دون الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد مثل النرويج، وتحويله إلى قيمة صناعية وإنتاجية كبيرة، وتوطين المعرفة والتكنولوجيا. كذلك تناولت المناقشات إمكانية تنويع مصادر الدخل من خلال النفط ذاته، وكيفية إعداد خريطة طريق تستثمر في العقول وتوطن المعرفة.

كفاءة صندوق الاحتياطي

وعقب الدكتور حاتم الشنفري على المناقشات والمداخلات موضحا أن صندوق الاحتياطي العام للدولة يتمتع بكوادر وكفاءات عالية وقد بلغ إجمالي مساهمته في الموازنة العامة ملياري ريال عماني حتى خلال عامين تقريبا.

وأضاف الشنفري: إن السلطنة لديها خبرات وعقول أثبتت كفاءتها من خلال أدائها الجيد سواء هنا في السلطنة أو في الخارج هذه الكفاءات ليست فقط في قطاع النفط وحسب وإنما أيضا في مجال الطاقة وبالتالي فإن مسؤولية التحول إلى الطاقة المتجددة ستكون ملقاة على على الشباب المؤهل في هذا القطاع، وقال: إن تنويع مصادر الدخل ليس بالأمر السهل ولكنه يحتاج إلى عمل مكثّف في كافة القطاعات ..

وقال الدكتور حاتم: إن شركات النفط أصبحت اكثر تحوطا وتستخدم آلية تدبر عالية، فلم تستمر في سياسة الإنفاق غير الضروري في ظل تراجع الأسعار وبالتالي أصبحت اليوم تحقق أرباحا اكبر مما كانت تحققها عندما كان سعر برميل النفط يتجاوز الـ100 دولار.

وقال: إن خارطة الطريق موجودة للتحول إلى اقتصاد متنوع فهناك برنامج تنفيذ وهو ليس مستقلا عن الخطة الخمسية التاسعة، كما أن الطاقة المتجددة مهمة جدا للسلطنة، واستغلال النفط الخام في صناعات متقدمة افضل وأرخص.

وقال الشنفري: إن هناك إيرادات سياسية واضحة في إحداث عملية التحول، وأن المسألة تحتاج إلى وقت على الرغم من أننا لم نستفد من الفرص السابقة.

القطار تحرك بالفعل

وقال الدكتور سلمان الشيدي: إن هذه المرة تختلف عن سابقتها وقد صارت تغييرات بالفعل تستهدف تنويع مصادر الدخل وقد تحرك القطار ولن يرجع للخلف، وأضاف: إن مؤتمر استشراف المستقبل عكس وجود إيرادات قوية للتغيير والاعتماد على مصادر أخرى .. وأكد أن الناس اصبح لديها اليوم إيراد لتحقيق هذا التغيير وليس الحكومة فقط، فالكل يجب أن يشارك... ودعا الشيدي إلى التوجه نحو الطاقة المتجددة بل وتصنيع الألواح الشمسية المستخدمة في مشاريع توليد الطاقة من الشمس ، واستغلال النفط في مشروعات بتروكيماوية أو التصنيع بصفة عامة، كما أن تنويع مصادر الدخل له وسائل كثيرة مثل تشجيع الابتكار. ورفض الشيدي ما يردده البعض أننا لم نستغل الفائض المتراكم وقت أن كانت أسعار النفط مرتفعة، وقال: إن هذه المقولة غير صحيحة فقد وظفنا الفائض في البنية الأساسية التي لولاها ما كانت لتقام أي مشروعات رأسمالية سواء كانت مطارات أو موانئ أو مناطق صناعية.

وقال الشيدي: إنه يجب إن نرشد من استهلاك الوقود في المواصلات ونعمل على تصديره للخارج فقد تساوينا في الاستهلاك مع الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح الفرد في السلطنة يستهلك معدلات عالية يوميا تتراوح ما بين 7 و10 لترات من البنزين، بينما المتوسط العالمي لا يتجاوز لترين يوميا.

وقال: إن مستقبل النفط مستقر لسنوات طويلة قادمة في ظل ارتفاع الطلب العالمي عليه من دول تشهد معدلات تنمية عالية مثل الصين والهند وغيرها وبالتالي يمكن أن يرتفع معدل الإنتاج اليومي حاليا من 22 مليون برميل يوميا إلى 35 مليون وعلى المدى البعيد قد يصل إلى 50 مليون برميل يوميا.

وقال الاقتصادي ورجل الأعمال عبدالقادر عسقلان: إن المرحلة الحالية تحتاج مشاركة قوية وفاعلة من قبل القطاع الخاص وهذا لن يتأتى إلا بوجود طمأنات حقيقية لهذا القطاع وإزالة أي تخوفات تحول بين قيام القطاع الخاص بدوره، فالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص هي مسألة مهمة للغاية ولا بد من تفعيلها بشكل واقعي وعبر حوار موسع ومستمر.

وقال سعادة الدكتور عبدالملك الهنائي: إن أهمية النفط تتآكل بفعل تطور الطاقة المتجددة إلا أن النفط تتغير استخداماته وعلينا الاهتمام بكوادرنا وبناء العقول وتشجيع الابتكار.

وتساءلت الدكتورة آن بنت سعيد الكندية نائبة رئيس اللجنة الوطنية للشباب والجمعية الاقتصادية العمانية هل ارتفاع أسعار النفط سيحل التحديات؟ ولماذا يتم الخلط بين الرؤية والاستراتيجية والخطة.. وهل هي إدارة أزمة مالية أم إدارة دورة اقتصادية؟