مرايا

«ليدي بيرد» فيلم ذو طابع ساخر ومرح وواقعي

13 ديسمبر 2017
13 ديسمبر 2017

يتناول مرحلة الانتقال من المراهقة إلى البلوغ -

في فيلمها الأول ككاتبة ومخرجة، نجحت غريتا غرويغ في تقديم عملٍ درامي يدور حول الفتيات في سن المراهقة، ويتسم بأنه ذو طابع ساخر وتهكمي، ومرح وواقعي على نحوٍ مؤثر كذلك، كما تقول الناقدة كارين جيمس.

«يحدوني الأمل في الفرار من ساكرامنتو؛ هذه المنطقة الخاملة الواقعة في ولاية كاليفورنيا»، هكذا تقول ماكفرسون بطلة فيلم «ليدي بيرد» لأقرب صديقة لها، مُنهيةً إليها بذلك رغبتها في الالتحاق بكلية في نيويورك، وذلك في عام 2002، أي بعد عام واحد فقط من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وعندما تسألها صديقتها: «وماذا عن الإرهاب؟» تجيبها الفتاة بالقول: «لا تكوني جمهورية (نسبة للحزب الجمهوري)»، وذلك في لهجة واثقة ذات مسحة مضحكة طريفة، تلخص في عبارة سريعة، ما يصطبغ به الفيلم من فطنة وخفة روح ومستوى مرتفع كذلك.

ففي فيلمها الأول الرائع ككاتبة ومخرجة، تقدم غريتا غرويغ قصةً تتناول المرحلة العمرية التي ينتقل فيها المرء من طور المراهقة إلى البلوغ، وذلك في عملٍ يتسم بأنه ذو طابع ساخر وتهكمي، ومرح وواقعي على نحوٍ مؤثر كذلك.

كما أن شخصية البطلة «ليدي بيرد»، التي تُجسد بكل ما تتحلى به الممثلة سيرشا رونان من أسلوبٍ بسيط وتلقائي ومُحكم، تشكل تجسيداً مثالياً للروح المُبدعة التي تتميز بها غرويغ.

ولا يعد هذا الطابع الواعي والمُدرك والحساس غريباً على من شاهدوا أفلاماً مثل «فرانسيس ها» و«عشيقة أمريكا»، اللذين شاركت غرويغ في كتابتهما مع نواه بامباك، وأدت دور البطولة فيهما أيضاً.

لكن الفارق هو أن الروح التي تغمر «ليدي بيرد» خالصةٌ لـ«غريتا غرويغ» دون أن يشاركها فيها أحد؛ عبر جُمَلٍ حوارية ألمعية وذكية في بعض الأحيان، وحمقاء في أغلبها، ومشاهد ومؤثرات بصرية تُقدم بوضوحٍ نافذ ومتبصر وبألوانٍ زاهية ومفعمة بالقوة.

الخلاصة أن الفيلم يتسم إجمالاً بطابع عامٍ ذي نعومة وسلاسة شديدتين، بقدر يجعل العمل يلامس تجسيد وتصوير الحياة الواقعية بطريقة أخاذة ولافتة بشكل استثنائي.

وتلائم رونان - الممثلة التي أدت دور البطولة - على نحوٍ كامل ذاك المزيج من الصفات الغريبة والمعتادة في الوقت نفسه التي تشكل علامةً على شخصية غرويغ.

فالشخصية، التي تجسدها، تصر على أن تُنادى بـ«ليدي بيرد»، هذا الاسم العتيق على نحوٍ سخيف، بدلاً من اسم «كريستين» الذي تحمله في الفيلم من الأصل. ونراها في العمل بتصفيفة شعرٍ تؤطر وجهها بإحكام، بينما تنسدل خصلات من شعرها أحمر اللون بغير نظام على جبهتها، وهي ترتدي الزي الموحد الخاص بمدرستها الكاثوليكية للبنات، وتسير هذه الفتاة بشكلٍ أقرب لمشية عناصر العصابات، ولكن على نحوٍ رشيق ومتوازنٍ أيضاً.

وبينما تتتبع أحداث الفيلم مجريات العام الأخير لبطلته في مدرستها العليا، تقتنص البطلة رونان والكاتبة غرويغ تفاصيل مراحل حياة أي فتاة صغيرة في السن تبدو خالية البال والذهن، ما يعطيك انطباعاً بأنها تعيش على سجيتها وبشكل عفوي، لكن مسيرتها تعتمد في واقع الأمر على آلافٍ من الاختيارات التي تبنتها هي بفطنة وذكاء.

وتقع «ليدي بيرد» في حب فتييّن، لا يلائمها أيٌ منهما، ولكن أُحْسِنَ اختيارهما وأبليا في العمل بلاءً حسناً ما يمتعنا نحن كمشاهدين. أولهما داني (لوكاس هيدجِز الذي سبقت له المشاركة في فيلم «مانشستر على البحر») وهو فتى متواضعٌ وحالم. أما الثاني فهو كايل (تيموثي تشالاميت الذي بدا اكتشافاً سينمائياً حينما شارك في فيلم «نادني باسمك»)، وهو فتى وسيم ذو شخصية متمردة.

وإذا ما تأملنا طبيعة العلاقة بين البطلة وكلٍ منهما، سنجد مثلاً أن الطريقة التي تُحرك بها «ليدي بيرد» رأسها وتبتسم عندما ترى «كايل»، تجسد - دون كلمة واحدة - شخصية فتاة لم تزل تتعلم الحب والغزل، وذلك على نحوٍ أفصح من أن يُكرس لذلك آلاف الكلمات.

كما نرى أن «ليدي بيرد» تعكف - كما تفعل المراهقات الذكيات اللواتي يتحلين بالحساسية - على قراءة كتابٍ يطالعه الفتى الذي يروق لها، وهو في حالتنا هذه «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة»، ذلك العمل ذو النزعة اليسارية للكاتب الراحل هوارد زين.

ورغم أن هذه المعلومة تُقدم لنا دون تعقيب، باعتبار أن ذلك لا يعد سوى تفصيلة صغيرة ودعامة بسيطة من دعائم القصة، فإن النهج الحاذق الذي تتبعه غرويغ يتيح أمامنا الفرصة لأن نلحظ الكتاب، ونتعرف على شخصية البطلة بشكلٍ أفضل.

أما عن الكوميديا في الفيلم، فتنبع في غالبيتها من المشاهد التي تدور في مدرسة «ليدي بيرد». وفي هذا الصدد، تسترعي الانتباه شخصية الراهبة «لويس سميث»، التي رُسِمت ملامحها على نحوٍ جعلها متفردة ومبتكرة بشكلٍ كامل، فلم تُشيطن ولم تُظهر على نحوٍ وديعٍ بإفراط في الوقت ذاته، وهو ما جعلها تتفادى الأنماط التقليدية المعتادة في هذا الشأن.

وعندما تلتحق «ليدي بيرد» بصفٍ دراسيٍ للتمثيل الدرامي، نرى في المشاهد التالية لذلك، تلك التناقضات والتباينات الممتعة والمسلية، التي تنجم عن تجسيد ممثلين في طور المراهقة أدوار أشخاص في منتصف العمر في عمل موسيقي يحمل اسم «ميرلي وي رول ألونغ» للموسيقي الأمريكي ستيفن ساندهايم.

بل إننا نجد مدرباً لكرة القدم، وقد اختير مسؤولاً عن الصف الدراسي الخاص بتعليم التمثيل. لكن تحت هذه اللمسات الرشيقة المازحة التي تضفيها غرويغ على العمل، يكمن اهتمامٌ فطن ومتبصر بتفاصيل العلاقات بداخل الأسرة وآلياتها وطبيعتها، وتصويرٌ واقعي ودقيق لطبقة اجتماعية يندر أن تظهر شخصيات تنتمي إليها في الأفلام الكوميدية ذات الإنتاج الكبير والطابع الجماهيري.

وهنا يؤدي كلٌ من تريسي ليتس ولوري ميتكاف دوريّ والديّ البطلة، على نحوٍ بارع ومؤثر بشكلٍ واضح، إذ يجسدان شخصيتيّ أب وأم من الطبقة الوسطى بامتياز، يعيشان وسط جيرانٍ من الشريحة الأعلى من الطبقة الاجتماعية ذاتها.

وتسخر «ليدي بيرد» من نفسها عبر القول لأحد الفتييّن اللذين يغرمان بها، إنها «من الجزء الفقير من المدينة»، دون أن تعي مدى الجرح الذي يصيب والديها جراء تفوهها بمثل هذه الكلمات. (بي بي سي)