1186272
1186272
المنوعات

دراسة فنية حديثة ترصد القيم التشكيلية للرسوم الجدارية الشعبية في جنوب مصر

07 ديسمبر 2017
07 ديسمبر 2017

الأقصر- «د.ب.أ»: قالت دراسة مصرية حديثة، إن الفنون الشعبية، بأبعادها المختلفة، تؤكد على عمق علاقة الإنسان المصري الحميمة، بالفن، وذلك بما تحمله الذاكرة الإنسانية، من خبرات جمالية، بأشكال التعبير الفني المختلفة، عبر متغيرات ثقافية أثٌرَتٌ التجربة الإنسانية للمصريين، منذ عصور الفراعنة، وحتى اليوم. و توضح الدراسة أن العلاقة بين المصري، وبيئته، صارت علاقة تفاعلية وتبادلية بمعناها العام، فهي علاقة بين الفرد والمحيط الناشئ فيه، لتبقى البيئة - عبر الزمان - هي الإطار غير المحدود، و الوعاء الذي يحتوى على ما يحيط بالمجتمعات المصرية، ماديا وروحيا، وكان هذا التأثير المتبادل، والذي تأكدت أصوله منذ أولى القواعد الفنية التي وضعها المصري القديم، أساسا أقام عليه حضارته. وبحسب الدراسة الأكاديمية، التي نال بها، عبدالرحيم حاكم حسن حاكم، الباحث بكلية الفنون الجميلة في مدينة الأقصر بجنوب مصر، درجة الدكتوراه مؤخرا، وحملت عنوان «القيم التشكيلية للرسوم الجدارية الشعبية في جنوب مصر -مدخل لإحياء رسوم القرية- دراسة ميدانية»، فإنه مع عمق علاقة المصري ببيئته، ظل التصوير الجداري، على الأسطح والواجهات الخارجية للمعابد والمنازل، منذ عصر ما قبل التاريخ، وحتى العصر الحديث، يتنوع في أشكاله وأساليبه تبعا لاختلاف المتطلبات الحضارية، والطرز المعمارية لكل عصر. وحفلت الحضارة المصرية القديمة بآثار فنية متنوعة، واتسمت في مجملها بالرقي الفني والثراء الحضاري، حيث نجد المحاولات الأولى للفنان المصري القديم لتسجيل وتدوين تفاصيل حياته اليومية على جدران المعابد غاية في الروعة، ووظّف الفنان المصري القديم، تلك الرسوم برؤية جمالية تخدم في النهاية أهدافه الدينية والعقائدية، مما يؤكد أن التصوير المصري القديم كان مرآة تعكس وتصور العقائد الدينية والحياة اليومية. وبحسب الباحث، فقد عرفت مصر عددًا من المدارس الفنية عبر تاريخها، مثل المدرسة الفرعونية، والمدرسة القبطية، والمدرسة الإسلامية، وتركت المدرسة الفنية القبطية تراثا فنيا غنيا بصور تبرز مصر الشعبية، ونشأ الفنان القبطي المصري، متأثرًا جدًا ببدايات ظهور الدين المسيحي بمصر، وكان أول ظهور للفن القبطي، في الكهوف والسراديب، التي كانوا يحفرونها سرًا تحت الأرض، هربا من الاضطهاد الروماني لأقباط مصر، وازدهر الفن القبطي في مصر، في القرن السابع الميلادي، حاملًا معه الصفات والمؤثرات المصرية القديمة، وكان من أهم سماته الالتزام بالبساطة، حيث كان فنًا شعبيًا نبت من وحي الشعب ولأجل الشعب. وبحسب الدراسة، فقد تدرج الفن الشعبي عبر العصور التاريخية، وظل التصوير الجداري على الأسطح والواجهات الخارجية يتنوع في أشكاله وأساليبه تبعا لاختلاف المتطلبات الحضارية، والطرز المعمارية لكل عصر. وتقوم التأثيرات الفنية على البيئة في صعيد مصر، في الماضي والحاضر، على سمات زمانية ومكانية، متأثرة باللوحات الجدارية، وتراكمات ثقافية، وتراث وعادات وتقاليد، مما ساعد على انفراد الشخصية المصرية بسمات خاصة في مختلف مراحل الفن المصري عبر عصوره ومدارسه المختلفة. وقد تعددت اللوحات الجدارية التي توضح مدى سيطرة الفنان المصري على التصميم، ونجاحه في تشكيل تكوينات فنية فريدة، تحمل من القيم الجمالية، ما يجعل من التصميم عنصرًا جماليًا معبرًا عن الأفكار والأساليب الفنية المختلفة. و يشير الباحث عبدالرحيم حاكم، في دراسته، إلى أن جنوب مصر يزخر بتراث فني متفرد، يبدأ من الرسوم الجدارية التي ارتبطت بمناسبة الحج إلى بيت الله الحرام، وانحصرت في معظم الدراسات بطقوس الرحلة المقدسة، مثل رسم المراكب، أو الكعبة المشرفة، أو الهلال وغيره من تلك الرموز العامة.

وأوضحت الدراسة أنّ ظاهرة رسوم الجداريات الشعبية ،التي اقترنت بصفة عامة برحلة الحج تعتبر إرثًا مصريًا خالصًا، ربما لم يتكرر في المجتمعات العربية أو المسلمة الأخرى، وأن الرسوم والجداريات الشعبية، لم ترتبط ببيوت حجاج بيت الله الحرام فقط، وإنما تظهر تلك الرسوم والجداريات علي واجهات البيوت النوبية وجدران المقامات -أي مقابر الأولياء المحليين- وغيرها، وعند دراستها يتبين ارتباطها الوثيق بروح الجماعة المصرية، وما تحمله من خبرة جمالية مستمرة، تشكلت عبر تاريخ طويل تمتد جذوره إلى عصور ما قبل التاريخ، وتتأكد تلك الخبرة عبر تراث عيني زاخر بتنوع هائل من الأشكال الفنية، وأساليب التعبير الفني، الذي يؤكد ما لدى المصريين من وعي تاريخي بأهمية الصورة ودورها في الحياة الإنسانية معنوياَ ومادياَ. وفرقَ الباحث في دراسته، بين فن التصوير الفطري، والفن الشعبي، حيث وصف التصوير الفطري، بأنه هو الذي يقوم عليه النشاط الابداعي الفردي، من منطلق دافع ذاتي، للتعبير عن مشاعر خاصة، ورؤية فنية لا تتبع منهجًا تعليميًا أو مفهومًا أكاديميًا، متحررة من كل المعايير الفنية المتعارف عليها بين دراسي الفنون. كما عرف الفن الشعبي، بأنه يُعد مستودع الخبرات التاريخية المتراكمة لشعب أو دولة ما، وبأنه يمثل الحوار الدائم بين الحضارات المتعاقبة، والفن الذي يجمع بين حكمة الشعب ومكنون إبداعه ومهارته ورموزه وأفكاره التشكيلية، وأن الفنان الشعبي هو المتمسك بالقواعد والتقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة في وطنه، بينما قد يخرج الفنان الفطري عن تلك التقاليد، بل ويثور عليها بسبب أن منطقه الإبداعي يعتمد على الفردية، ومن البديهي أن يصبح فن التصوير الفطري معتمدًا على التجربة الفردية التي تعد هي المحك والفيصل في النتاج الفني، بعكس التجارب التراكمية التي يقوم فيها الموروث الشعبي بدور هام في العملية الابداعية. وأشارت الدراسة إلى أنّ حركة الفن الحديثة في مصر قد أولت اهتمامها بالفنون الشعبية والفطرية، كروافد خصبة للفن الحديث، وأنه مع تصاعد الروح الوطنية في مصر بدأ الاهتمام بالفن الشعبي، والفن الفطري، اللذَيْن كان لهما دور مهم في إثراء الإبداع الفني وتطوره، وأن وعى الحركة التشكيلية في مصر، بإبداعات الفنانين الفطريين المصريين، تبلورت ملامحها في منتصف القرن العشرين، إلا أن النظرة إلى هذا النوع من الفن، لم تكن بالعمق المطلوب والجدية الكافية، وذلك لأنّ معظم الفنانين الفطريين كانوا من صعيد مصر، و ويقدمون إبداعاتهم من الصور والجداريات، بعيدًا عن الأنظار في قرى الريف. وأكد الباحث على أن فن التصوير الشعبي، يتفرد ببعض السمات المغايرة، التي لا تتطابق مع سمات الفن الفطري، فنجد -وبحسب الدراسة- أن فن التصوير الشعبي، يحمل بعض الخصائص العامة المتعارف عليها في الثقافة الشعبية، ويحمل في جوانبه مميزات خاصة لكل بيئة، لكونه فنا يخضع لتقاليد متوارثة عبر الأجيال، خطوطه وألوانه وأشكاله مرسومة بخامات بيئية غنية بالرموز والدلالات، وهو فن يعبر عن روح الجماعة، ويتماشى مع ذوقها ويتأثر بتغيراتها الحضارية والحياتية، بينما قد يخرج الفنان الفطري عن تلك التقاليد ويثور عليها؛ لأن منطقه الإبداعي منطق شخصي وفردي بعيد عن أي التزام بالقوانين الفنية. ويشير الباحث، إلى أنه برغم ذلك، فإن هناك علاقةً وثيقةً بين خصائص التصوير الشعبي، والرسوم الفطرية، من حيث اشتراك الرسّام الفطري والرسّام الشعبي، حيث تعبر الرسوم الفطرية وتصف مشاهد من الحياة اليومية، داخل المجتمع وصفًا دقيقًا، والرسوم الشعبية أيضا ترتبط بالاستخدام الشعبي، فهي ملك الجماعة تعبر -بشكل ما من التلقائية- عن المناسبات الشعبية المختلفة: كالأعياد الدينية، مثل عرائس المولد النبوي، والفرسان والدمى المصنوعة من الحلوى في ملابس مزركشة جميلة، ومشاهد من البيئة الشعبية، وغيرها من الصور التي سجلها الفنان الشعبي من خلال الحياة اليومية، التي تفيض بالحيوية على جدران المنازل وداخلها. كما رصدت الدراسة ملامح التصوير الشعبي في ثلاث محافظات بصعيد مصر، هي الأقصر وقنا وأسوان، وبخاصة فن التصوير الجداري الذي تشتهر به هذه المحافظات.