المنوعات

رسالة إلى صديق مات من وطأة الشرف

05 ديسمبر 2017
05 ديسمبر 2017

عادل محمود -

«تسعة مواطنين من أصل عشرة يكرهونني. وما أهمية ذلك إذا كان العاشر معي ومسلحاً».

«من أقوال المعلّم ميكيافيللي».

هكذا يقول أي ديكتاتور. وعندما دخل المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة وخطب في الجامع

الأزهر بادئا بإخراج حفنة من الذهب من جيبه ونثرها على الناس وقال: هذا حسبي. ثم أخرج

السيف من غمده وقال: هذا نسبي. هكذا الحاكم العربي لا يقدم تعريفاً لنفسه ولبرنامجه. بل يعطي فكرته عن الذين يحكمهم، ملخصا نوازع الرغبة والرهبة بالسيف والذهب. إن الطغاة يسيرون على المبدأ التالي: إن الناس جميعا يريدون الإطاحة به. غير أن الأصدقاء وحدهم يستطيعون ذلك. وعليه فيجب أن تنعدم الثقة في الأصدقاء قبل غيرهم. ويلجأ الطاغية أيضاً إلى تشجيع التأثير الأنثوي في الأسرة على أن تقوم الزوجات بالإبلاغ عن أزواجهن.

ثمة وسيلة أخرى للطاغية هي إفقار رعاياه حتى لا يكلفه حَرَسُه كثيراً. وحتى ينشغل المواطنون من

جهة أخرى بالبحث عن قوت يومهم فلا يجدون وقتاً للتفكير بأحوالهم أو بالتآمر عليه. إن الغاية النهائية للطاغية، لكي يحتفظ بعرشه، هي تدمير روح المواطنين، وزرع الشك، وانعدام الثقة فيما بينهم. كذلك تعويد الناس الخسّة والضعة والعيش بلا كرامة، بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان، ثم لا بد من القضاء على البارزين من الرجال وأصحاب العقول الناضجة... واستئصال التفوق الفردي. وهي طريقة أطلق عليها أفلاطون طريقة «التطهير». ثم هناك منع التنوير والثقافة والاجتماع والنوادي والعشاءات الجماعية، مما يؤدي إلى تبادل الرأي وتعزيز الشجاعة الجماعية والثقة بالنفس، وإشاعة حس المواطنة والارتباط المشترك بالوطن. ثم هناك افتعال الأزمات وشن الحروب لكي ينشغل الناس بالموت على الأبواب وكي يكونوا بحاجة إلى قائد يؤمن مطالبهم في ظروف الحرب.

هذا الذي أسوقه إليك من كلام أرسطو. وكأنه يعيش بيننا الآن مختبراً إعادة الطغيان الذي عرفه عصره.

وهو الذي هرب من أثينا بعد موت الاسكندر قائلاً جملته الشهيرة: «إنني لن أسمح لأثينا أن ترتكب الجريمة نفسها مرتين في حق الفلسفة». مشيراً إلى إعدام الديمقراطية الأثينية لشيخ فلاسفة أثينا «سقراط».

لقد تحركت رغبتي في إطلاعك على بعض هذه النصوص لأن تلك الليالي الطويلة في أقبية التعذيب

ما تزال ترن، كصمت ما قبل الجلسات المرعبة التي كان بين أهدافها، ليس انتزاع الاعترافات بل

تحطيم الكرامة بتعريض الجسد الإنساني إلى مذلة فقدان الصبر (بتزكية الفقدان وانعدام الشرف).