randa2
randa2
أعمدة

عطر: السر سرهم

06 ديسمبر 2017
06 ديسمبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

“كل سر جاوز اثنين شاع” مقولة تربينا عليها، حتى ظننا أنها قانون ثابت لا جدال حوله، ولا يوجد أي كلام يناقضه، فمن المعروف أن السر هو أمر يجب كتمانه وعدم البوح به، وكلمة “سر”كلمة تتمتع بجاذبية خاصة كونها تملك عنصر الغموض الذي يثير الفضول ورغبة الآخر في تحريّه ومعرفة خباياه.

الأصل في السر أن يكون أمرا له أبعاده أو أضراره المعنوية والمادية والاجتماعية وأحيانا السياسية والاقتصادية، وعلى هذا الأساس يحاول الإنسان تجنيبه الأضواء، ومن السر الشخصي المسلكي، الى السر السياسي الخطير، الى أسرار الطبيعة، هناك مساحات من التفاصيل الصغيرة والطرق المختلفة والأهداف المختلفة.

ويبقى موضوعنا” السر الشخصي”، الذي يرتبط بهوية صاحبه وظروفه الخاصة، وقد نجد في حياة معظمنا أسرارا صغيرة تتناقض مع القيم المعاشة، يخجل المرء من التحدث عنها أو إيرادها في روايته عن ذاته أو طفولته أو مراهقته، وقد يصل به الأمر أن ينسى أنها حدثت بالفعل، فالإنسان غالبا يرغب بصورة نقية عن ذاته، من هنا تقوم ذاكرته بـ”فلترة” الحقيقة لتشكك بأن هذه الأمور حدثت حقا معه، والبعض يحجب أسراره عن شريك حياته، فلا يحدثه عن كل شيء ليس عامدا متعمدا فحسب، بل خوفا من ردة فعل الآخر نحو الحقائق المجردة الصادمة، وقد حدث في مدينتي ان قامت فتاة بكتم أمر مرض يهدد حياتها عن خطيبها الذي أصبح زوجها، وعندما اكتشف أمرها بعد زواجهما طلقها على قاعدة” ما بني على باطل فهو باطل”.

في الحقيقة الإنسان لا يمكنه ان يتجرد من خوفه ورهبته وقلقه وان يبوح بكل شيء عن ذاته، ليس المطلوب ان نقول كل شيء، بل المطلوب ان نقول ما نظن أنّه قد يؤذي علاقتنا بالآخر، فليس من المقبول في الحياة الزوجية ان تقوم الفتاة أو الشاب بعدم التصريح عن حالتهم المرضية، فهذا أمر خطير، على العكس قول الحقيقة قد يدفع بالشريك للوقوف الى جانب شريكه ويقدم له الدعم المعنوي اللازم لتخطي الأزمة، وفي حكاية اخرى شهد المجتمع اللبناني قصة تناولها الإعلام تتحدث عن فتاة سليمة تزوجت من شاب يعاني من فيروس الإيدز، ونجحا في انجاب أطفالا أصحاء، حيث كان صريحا معها وأخبرها عن مرضه ووضعها بأجوائه، فتمكنا من خفض نشاط الفيروس والتعايش معه عن طريق الوقاية الواعية، إذا الوعي أمر مهم في أي سر وتقدير نتائجه وتقييم تفاعل الآخر معه هو أمر استثنائي بالطبع.

هناك بعض الأسرار التي يجب كتمانها، وفي حِكم الأجداد وحكاياتهم الكثير من الأمثال التي تؤكد أن السر أمر يجب كتمانه وعدم البوح به، لكي لا يصبح” السر سرهم” وتصبح أمورك مشاعة بين الناس، يسلون وقتهم الضائع بأخبارك وتصبح سمعتك متداولة على موائد النميمة والتهام الغائب.

لعل في قول الإمام علي بن أبي طالب ما يختصر مقالنا هذا: “سرك أسيرك؛ فإن تكلمت به صِرتَ أسيره” وفي مكان آخر يقول” ولا تُفْشِ سرَّك إلا إليك، فإنَّ لكلِّ نصيح نصيحَا، فإني رأيتُ غُواةَ الرجالِ لا يتركون أديمًا صحيحَا”. إذا لا تمسك انت بالسكين وتحدد لهم مكان الطعن، وتصرخ فيما بعد طعنوني، الطعنة الأولى انت صاحبها، حين ضعفت نفسك وأفشت بخباياها: “إذا المرءُ أفشى سرَّه بلسانِه.. ولام عليه غيره فَهْوَ أحمق إذا ضاق صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسه.. فصدرُ الذي يستودع السِّرَّ أضيقُ” العالم ينتظر ضعفك ليتعاطف معك في البداية، ومن ثم حين تدور الدوائر يبدأ بتعرية صورتك وجلدك على قارعة الخبث البشري، فنحن اليوم في أزمة قيم وأزمة وعي تفرض علينا الحذر.