الملف السياسي

ثلاثة معايير أساسية لاضطلاع الشركات بالمسؤولية الاجتماعية

27 نوفمبر 2017
27 نوفمبر 2017

بشير عبد الفتاح -

,, تعني المسؤولية الاجتماعية للشركات في أبسط معانيها، مسؤولية الفرد عن الجماعة التي ينتمي إليها، فيما ينصرف مفهومها الموسع إلى كل ما تقوم به الشركات، أياً كان حجمها أو مجال عملها,,

حتى ثمانينات القرن الماضي، ظلت النظرة إلى مسؤولية الشركات منحصرة في فحوى المقولة التقليدية التي تذهب إلى أن الشركات التجارية والمؤسسات الاقتصادية ليست مسؤولة إلا أمام أصحابها فقط، وهي النظرة التي أوجزها بعض الاقتصاديين أمثال ميلتون فريدمان في سبعينات القرن الماضي، في وجهة النظر الكلاسيكية بشأن مفهوم المسؤولية الاجتماعية، والتي ترى أن مسؤولية الشركة تتحقق فقط من خلال سداد الأجور للعاملين مقابل العمل الذي يقومون به، وتقديم السلع والخدمات للمستهلكين مقابل ما يدفعونه من أموال، وسداد الضرائب للحكومات التي تقوم بتوفير الخدمات العامة للمواطنين، واحترام سيادة القانون عن طريق احترام العقود المبرمة، وأن تبني الشركة لفلسفة المسؤولية الاجتماعية من شأنه أن يقلل أرباحها ويزيد تكاليف العمل، كما من شأنه إعطاء قوة اجتماعية للأعمال بشكل أكثر من اللازم.

ولقد لعب الفكر الاقتصادي التقليدي دورا بارزا في ترسيخ هذه النظرة التقليدية المبتسرة لدور الشركات من خلال تحديد طبيعة أهداف تلك الشركات، حيث حصر تلك الأهداف في مقصد تعظيم الربح من خلال تحقيق أكبر عائد ممكن للمستثمرين، وأن تحقيق ذلك الربح سوف يتبعه بالضرورة تحقيق أهداف المجتمع ككل بصورة تلقائية.

غير أن التطورات التي اعترت العالم على مختلف الأصعدة خلال العقود الأربعة المنقضية قد نالت من صدقية ومكانة تلك النظرة التقليدية الاختزالية لمسؤولية الشركات. ففي عالم اليوم أضحت الشركات تعنى بما هو أكثر من مجرد تقديم السلع والخدمات للمستهلكين وسداد حصة عادلة من الضرائب. ورغم أن الدور الذي تلعبه الشركات في التنمية والحوكمة الرشيدة قد تطور على نحو جذري خلال العقود القليلة الماضية، تشي التوقعات بأن هذا الدور سيشهد المزيد من التطور في المستقبل،كما تشير الدراسات إلى تنامي اهتمام المستهلكين بالسلوك الأخلاقي للشركات.

فلقد استقر في مخيلة العاملين أنه إذا كان من حق الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى أن تبحث عن الربح والمنفعة، فإن من واجبها،في ذات الوقت، عدم إغفال دورها الاجتماعي والتنموي، في إطار ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية لتلك الشركات والمؤسسات تجاه المحيط المجتمعي الذي تعمل في رحابة. وفي هذا السياق، يرى الاقتصادي الشهير بول صامويل، أن «مفهوم المسؤولية الاجتماعية يشمل البعدين الاقتصادي والاجتماعي معاً، كما يجب على الشركات في عالم اليوم ألا تكتفي بالارتباط بالمسؤولية الاجتماعية، بل يجب أن تغوص في أعماقها، وأن تسعى نحو الإبداع في تبنيها».

وتعنى المسؤولية الاجتماعية للشركات في أبسط معانيها، مسؤولية الفرد عن الجماعة التي ينتمي إليها، فيما ينصرف مفهومها الموسع إلى كل ما تقوم به الشركات، أياً كان حجمها أو مجال عملها، طواعيةً من أجل تعظيم قيمتها المضافة للمجتمع ككل. والمسؤولية الاجتماعية هي مسؤولية كل شخص بالشركة وليست مسؤولية إدارة واحدة أو مدير بعينه. وتبدأ المسؤولية الاجتماعية للشركات من التزامها بالقوانين المختلفة خاصةً ما يتعلق منها بحقوق العاملين، والحفاظ على البيئة، وتنمية المجتمع. ومن جانبه، عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية على أنها الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم والمجتمع المحلي، بل والمجتمع ككل. ولذا، فإن هناك أهمية قصوى للشركات في القيام بدورها المنشود فيما يتعلق بضرورة التزامها بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية والبيئية على الوجه الأكمل!!

وتتكون المسؤولية الاجتماعية من عناصر ثلاثة : أولها، الاهتمام أو الارتباط العاطفي بالجماعة التي ينتمي إليها الفرد، اهتماماً يحيطه الحرص على استمرار الجماعة وتقدمها وتماسكها وبلوغها أهدافها، والخوف من أن تُصاب بأي عامل أو ظرف يؤدي إلى إضعافها أو تفككها. أما ثاني العناصر فيتمثل في الفهم، أي فهم الشركات لكل ما يدور حولها وسعيها لبلورة الأفكار والخطط التي تعينها على التأقلم الناجح والبناء معه. وأما ثالثها، فيتجلى في المشاركة، التي تعني تعبيرا عن الاهتمام والفهم، وإذا كان الاهتمام حركة الوجدان، والفهم حركة الفكر، فالمشاركة ترجمان الوجدان والفكر معاً.

والمشاركة هي اشتراك الفرد مع الآخرين في عمل ما يُوليه الاهتمام ويتطلبه الفهم من أعمالٍ تساعد الجماعة في إشباع حاجاتها، وحل مشكلاتها، والوصول إلى أهدافها، وتحقيق رفاهيتها والمحافظة على استمرارها.

ويعتمد نجاح الشركات في الاضطلاع بمسؤوليتها الاجتماعية على التزامها بثلاثة معايير أساسية تتمثل في: الاحترام والمسؤولية تجاه العاملين وأفراد المجتمع، دعم الشركات التي تلتزم بتلك المعايير، وتبني شعار الزهرة لكي ترسخ الصورة في المجتمع ومساندته، حماية البيئة سواء من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تنتجه مع الظروف البيئية في المجتمع ومعالجة المشاكل البيئية المختلفة. ومن هذا توافق ما تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة. وقد تبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية متكاملة بهذا الصدد، كما أصدر حزمة قوانين تزاوج ما بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة والتنمية المستدامة، إلى جانب تنوير الزبون لكي يساعد الشركات في أذهان السكان . وتم تشجيع الشركات على الالتزام بالمبادئ العشر للميثاق العالمي للأمم المتحدة والتي يجب مراعاتها بشكل يومي عند اتخاذ كافة القرارات ووضع الاستراتيجيات، كما حض تلك الشركات كذلك على الامتناع عن عقد صفقات تجارية مع الشركات التي لا تحترم كل أو بعض هذه المعايير.

لقد كانت المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، ومازالت، تمثل المنطلق الاستراتيجي لأنشطة العديد من المنظمات في المجتمعات المتطورة، حيث أصبحت توجهات المؤسسة نحو خدمة المجتمع هاجسا مهما مثله مثل المنافسة، المحافظة على الزبائن، الجودة ...إلخ، فلم يعد ينظر إلى المؤسسات على أنها وحدة إنتاج ذات دور اقتصادي قائم على تقديم منتجات بجودة عالية و بأسعار مقبولة و بأساليب ترويجية مبهرة فحسب، بل أصبحت المؤسسات و خصوصا في ظل الفضائح المالية و الأزمات الاقتصادية ينظر إليها على أساس أنها مفتاح الحل الذي يساعد أفراد المجتمع المحلي على حد سواء في العيش في رفاهية ضمن بيئة صحية و نظيفة. وبناء عليه، كان لزاما على المؤسسات تبني فلسفة المسؤولية الاجتماعية القائمة على النهج الاقتصادي-الاجتماعي التي تعتبر المؤسسة وفقه مواطنا صالحا ومشاركا في عملية التنمية.

ولا تعتبر شركات اليوم كيانات اقتصادية فحسب، بل كيانات ترتبط كذلك بالوطن الذي تعمل فيه. فهي تعمل في بيئة اجتماعية واقتصادية معقدة، تتعرض فيها لضغوط من أجل تحقيق الكفاية الاقتصادية من جانب أصحاب هذه الشركات، ولضغوط من أجل تحمل مسؤولياتها سواء كانت تلك الضغوط من جانب الحكومة أو المجتمع المدني أو المستهلكين . ورغم أن الجدل الدائر بشأن المسؤولية الاجتماعية للشركات أمر ليس بجديد، فقد حظي باهتمام أكبر في السنوات الأخيرة، نتيجة للتطورات في الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وظهور الحركات المناهضة للعولمة وفضائح الفساد في الشركات واستمرار الظروف السيئة التي تعاني منها الكثير من الدول النامية.