أفكار وآراء

الشراكة عبر المحيط الهادئ .. خلافات ومعالجات

15 نوفمبر 2017
15 نوفمبر 2017

عبد العزيز محمود -

لم يكن بيان الدول الـ11 الأعضاء في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ الذي صدر في ختام أعمال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ بفيتنام يوم 11 نوفمبر الجاري بمواصلة التفاوض حول الاتفاقية إلا تعبيرا عن رغبة جماعية في الاستمرار لإقامة منطقة تجارة حرة رغم انسحاب الولايات المتحدة.

صحيح أن وزراء تجارة الدول الـ 11 الأعضاء لم يتوصلوا خلال مباحثاتهم على هامش منتدى التعاون الاقتصادي التي استمرت يومين لاتفاق بشأن القضايا محل الخلاف لكن هناك إجماع على أهمية إنجاز الاتفاق النهائي بحيث يكون جاهزا للتصديق عليه بحلول فبراير عام 2018

وكان لليابان الدور البارز في إنقاذ الاتفاقية المعروفة باسم ( تي بي بي -11) من الانهيار عبر طرح مبادرة لتعليق عشرين بندا محل جدل استجابة لطلب كندا ودول أخرى لمزيد من التشاور وهو ما وافق عليه الشركاء ال11 الذين يشكلون 40٪ من الاقتصاد العالمي.

ومن المتوقع استمرار المفاوضات حول هذه البنود حتى مطلع العام المقبل، تمهيدا للاتفاق حول الصيغة النهائية للاتفاقية، بحيث تصبح سارية المفعول فور التصديق عليها من جانب 6 دول على الأقل من بين الدول الموقعة عليها.

وبهذه المبادرة تمكنت اليابان من حسم الخلافات التي تهدد بانهيار الاتفاقية، وقدمت طرحا جديا عبر التعديلات المقترحة، بهدف إقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن انسحابها، خاصة وأن هذه التعديلات فور إقرارها سوف تلحق خسائر بالصادرات الأمريكية.

لكن إدارة الرئيس ترامب لم تبد أية إشارة لإمكانية التراجع عن موقفها، وهو ما بدا واضحا في الخطاب الانعزالي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، والذي تمسك فيه بسياسة (أمريكا أولا).

وكان ترامب واضحا أمام المنتدى، الذي شارك فيه 21 من قادة آسيا والمحيط الهادئ، حين أكد رفض بلاده اتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف، وتفضيلها لاتفاقيات التجارة الحرة الثنائية، وعزمها إعادة التفاوض حول اتفاق أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (نافتا) والمبرم مع كندا والمكسيك.

ورغم هذا الموقف الأمريكي الواضح، فإن اليابان وشركائها في اتفاقية (تي بي بي -11) يعتقدون أن التعديلات المقترحة لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، سوف تخلق وضعا يدفع إدارة ترامب لتغيير موقفها، إذا أرادت الحصول علي شروط مواتية لصادراتها لأسواق بلدان المحيط الهادئ.

ولا شك أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في 23 يناير الماضي، والذي جاء لتجنب آثارها السلبية علي الصادرات الزراعية وصناعة السيارات وشركات التكنولوجيا الأمريكية، قد فجر الخلافات بين الأعضاء الـ11 الآخرين، بعد فقدانهم حق الدخول إلى السوق الأمريكي.

ومع تراجع الفوائد الاقتصادية المتوقعة للاتفاقية، طالبت كندا ودول أخرى بإعادة التفاوض حول البنود محل الخلاف وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالملكية الفكرية والخدمات والزراعة والاستثمارات وحق المستثمرين في مقاضاة الحكومات والسماح باستيراد قطع غيار السيارات من بلدان خارج الاتفاقية.

وخلال الأشهر التسعة الماضية بدا أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ على وشك الانهيار، وهو ما يعني ضياع الهدف الجيوسياسي لها والذي يتمثل في تقليل الاعتماد على الصين مقابل الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة، وتشكيل منطقة اقتصادية تمتلك 44٪ من تجارة العالم و40 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونحو 40٪ من تعداد سكان العالم.

وهي نتيجة تثير بالتأكيد ارتياحا لدى الصين التي رأت أنها المستهدف الأساسي من هذه الاتفاقية، وهذا ما دفعها في عام 2013 لمحاولة الانضمام إليها، لكن طلبها رفض، مما دفعها لمحاولة إقامة منطقة تجارة حرة منافسة متعددة الأطراف تضم بلدان آسيا والمحيط الهادي.

وتحاول الصين عبر تقديم حزمة من الإغراءات الاقتصادية والتجارية إقناع زعماء بلدان آسيا والمحيط الهادئ بالتفاوض حول شراكة اقتصادية إقليمية شاملة معها، سواء مع أو بغض النظر عن انضمامهم لاتفاقية (تي بي بي -11).

هذا الموقف دفع وزراء تجارة بلدان اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، خلال مباحثاتهم التي جرت على هامش أعمال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ ، لاتخاذ موقف موحد بشأن وضع إطار يضمن تسوية الخلافات حول العناصر الأساسية للاتفاقية، وبما يحقق المصالح التجارية لكل دولة، وحقها في تحديد أولوياتها التشريعية والتنظيمية.

يذكر أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ وقعت بين 12 دولة في فبراير عام 2016، باعتبارها امتدادا لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر الباسيفيكي التي وقعتها بروناي وتشيلي ونيوزيلندا وسنغافورة في عام 2005 ثم انضمت إليها اعتبارا من عام 2008 استراليا وكندا واليابان وماليزيا والمكسيك وبيرو والولايات المتحدة وفيتنام.

واستهدفت الاتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة بين بلدانها عبر تخفيض التعريفات الجمركية لتصل إلى الصفر وإزالة الحواجز أمام السلع والخدمات ووضع آلية لتسوية المنازعات بين المستثمرين والدول، إلى جانب آلية تسمح للشركات بمقاضاة الحكومات إذا انتهكت بنود الاتفاقية.

كما استهدفت حماية وتحرير التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت والتزام الدول الأعضاء بمكافحة الفساد وتقليل تضارب المصالح وحماية العمالة وحظر الاتجار بالبشر واستغلال عمالة الأطفال، بحيث تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ فور التصديق النهائي عليها من قبل ست دول على الأقل قبل 4 فبراير عام 2018 .

ووفقا لتقديرات البنك الدولي فإن هذه الاتفاقية سوف تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 3٪ وزيادة التجارة بنسبة 16% في البلدان المشاركة فيها بحلول عام 2030، رغم الانتقادات التي تحذر من آثارها السلبية علي المنتجات والخدمات، وتهديدها لقوانين الملكية الفكرية، وسماحها للمستثمرين بمقاضاة الحكومات دون منح هذا الحق للحكومات في مواجهة المستثمرين.

ونظرا للمزايا الاقتصادية للشراكة عبر المحيط الهادئ، طلبت كولومبيا والفلبين وتايلاند وتايوان وكوريا الجنوبية والهند الانضمام إليها، وهو ما تم تأجيله لحين الانتهاء من المفاوضات التي بدأت في عام 2008 لحسم الخلافات حول قضايا الملكية الفكرية والخدمات والزراعة والاستثمارات.

ومع تصميم دول اتفاقية (تي بي بي -11) على الاستمرار في الشراكة عبر المحيط الهادئ بدون الولايات المتحدة، يبقى السؤال هل يتم التصديق على الاتفاقية بشكلها النهائي في الموعد المحدد، قبل 4 فبراير المقبل، أم أن القضايا محل الخلاف سوف تؤجل ذلك لموعد لاحق؟