1160847
1160847
المنوعات

شخصيات فقهية وسياسية خرجت من بهلا ولعبت دورا في بنية التاريخ العماني

11 نوفمبر 2017
11 نوفمبر 2017

محاضرة في مكتبة الندوة حول التاريخ الحضاري لمدينة بهلا -

نزوى – محمد الحضرمي:-

ألقى الكاتب خميس بن راشد العدوي مساء أمس الأول محاضرة ثقافية في مكتبة الندوة الأهلية بولاية بهلا بمحافظة الداخلية، تحدث فيها حول «الدور الحضاري لبهلا خلال القرون الخمسة الهجرية الأولى»، كشف فيها عن الكثير من التفاصيل التي حدثت خلال تلك القرون، والدور الحضاري الذي لعبته شخصيات ثقافية وسياسية خرجت من بهلا.

ابتدأ الباحث العدوي حديثه بتقديم ملمح عن طبيعة الدور الحضاري لمدينة بهلا العريقة والموغلة في القدم، مقدما حديثه بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية والأبعاد التاريخية لمدينة بهلا، حيث قال: كان هذا التساؤل يليح علي كثيرا هو: ماذا يقف خلف هذه المدينة العريقة؟ وأمام هذا التساؤل لا يمكن للمرء أن يصمد، إلا أن يحاول البحث والتنقيب والقراءة في كل ما هو موجود لديه، سواء أكان عبر المواد العلمية المنقولة، والمدونة في الكتب والمخطوطات والوثائق، أو عبر الجدر والحوائط والصخور وغيرها، وحين تتضافر كل هذه الأشياء مع بعضها البعض، فإنها بلا شك يمكن أن يعاد تفكيك موادها، لتصاغ صياغة جديدة، ويمكن لأجيالنا القادمة أن تقرأها.

التاريخ معرفة متحركة

وقال في حديثه أيضا: إن التاريخ بشكل عام هو معرفة متحركة وغير ثابتة، بمعنى أنه تظهر كل يوم وثيقة ومعلومة جديدة، ومعها تتجدد مناهج المعرفة، بحيث أننا في كل مرة نعاود فيها قراءة التاريخ، فإننا سنقرأه من زاوية جديدة، وبطريقة تضفي أبعادا جديدة، أو تصحح لنا الكثير من المعلومات.

وقال العدوي في محاضرته: إننا ما زلنا في بداية التنقيب والبحث لقراءة هذا التاريخ المتحرك، مثال على ذلك؛ شخصية الإمام الفقيه أحمد بن النظر، فهذا العالم الكبير لا تزال حياته الشخصية في هذا الوجود متحركة بين ثلاثة قرون تقريبا، بدءا من القرن الرابع وحتى القرن السابع الهجري، هناك نظريات تقول: إنه عاش في القرن الرابع، وبعضهم يقول: إنه عاش في الخامس، وهناك من يقول: إنه عاش في السادس أو السابع. وهذا يدل على التغير في حركة التاريخ لهذه الشخصية.

ومن مدينة بهلا ضرب العدوي مثلا على حركة التأريخ، وتغيره المستمر بسبب تضارب المعلومات، والحصول على معلومات جديدة تدحض السابقة أو تعيد لها بناء جديدا، من ذلك والحديث للعدوي، ما نقرأ عن حادثة الإمام بلعرب بن سلطان وأخيه الإمام سيف بن سلطان، حيث يروي التاريخ المكتوب والمتناقل: إنه توفي في عام 1104هـ، بينما الوثائق المدونة عبر الصخور تقول: إنه في عام 1105 حصلت المعركة بينه وبين أخيه، وتقول تلك المدونات الصخرية أنه بعد أن تم عزله، وأنه عاش إلى 15 سنة، وهذه التفاصيل الدقيقة في التاريخ العماني بحاجة إلى بحث استقصائي من جديد.

وأضاف العدوي: إنه قبل عامين من الآن، ألقيت محاضرة عن مدينة بهلا، تتناول دورها الحضاري ما قبل الإسلام، كمقدمة لحضارة سلوت، في ذلك الوقت تجددت لدي الكثير من المعارف، بحيث أنني كتبت الورقة، وأعدت صياغة البحث وبناءه ثلاث مرات، فقد ألغيته ثلاث مرات، وهو ليس إلغاء بالكامل، ولكن بسبب الإضافات والتفاصيل والاستنتاجات اضطررت إلى أن أعيد الصياغة في بنيته الداخلية وتجديد المعلومات فيه، وهذا يؤكد أن ثمة تفاصيل في تاريخنا الإسلامي بحاجة إلى أن نعيد قراءتها والقراءة حولها من جديد وباستمرار دائم، ذلك أن التاريخ بطبيعته متحرك، وكل يوم تظهر للباحث معلومات جديدة من خلال الوثائق الورقية أو الصخرية او الاستقراءات والاستنتاجات البحثية.

صورة بهلا في زمن النبوة!

وفي سياق محاضرته قدم خميس العدوي تصورا عاما لمدينة بهلا في زمن النبوة، كما تناول في حديثه عن وضعها الحضاري المعرفي من خلال الشخصيات التي عاشت في بهلا وخرجت منها، من بينهم: أبوعبيدة عبدالله بن قاسم البسيوي والمشهور بأبي عبيدة الصغير، وأبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي، وأبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي، وأبو سعيد محمد بن سعيد الكدمي، وأبو الحسن علي بن محمد البسيوي، رضوان الله عليهم جميعا.

كما تناول في حديثه عن شخصيات سياسية، كالإمام راشد بن الوليد الكندي، وابنه حفص بن راشد بن الوليد الكندي، ثم الإمام الخليل بن شاذان الجد، والإمام الخليل بن شاذان الحفيد، وهؤلاء الأئمة الأربعة خرجوا من بهلا أيضا، هذه الشخصيات التاريخية تركت تأثيرا حضاريا عميقا، وأثرت كثيرا في تشكيل العقل العماني في مختلف مراحل نموه، كما أن تأثيرهم خرج من نطاق بهلا وإلى خارج عمان، سواء إلى المناطق التي تتمسك بالمذهب الإباضي او بغيره، كما سنرى في إحدى هذه المحطات، وهذه المواضيع بحاجة إلى دراسة وافية.

وقال العدوي: كانت بهلا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مدينة حضارية متكاملة، وبإمكاننا أن نرى فيها السور والحصن والسوق المجاور، ولكن لا أدري في أي بقعة يكون بالضبط، حيث يصعب تحديد مكانه، وكذلك بالإمكان أن نرى الحوائر القديمة المسورة. إذ أن بهلا تعتبر لدى الباحثين الآثاريين مكتملة البناء كمدينة، منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، أما بنيتها الحضارية فترجع إلى الألفية الرابعة، معنى ذلك أن عمرها الزمني الآن يبلغ ستة آلاف سنة.

بهلا قبل الاسلام بين يهودية ومسيحية

كما يوجد بها نظام الفلج، والتقسيمات الزراعية تشهد على ذلك، والذي يتبين من خلال البحث والاستقصاء، أنه خلال ذلك الوقت يوجد في بهلا دينان أو شريعتان، وهما: اليهودية والمسيحية، ولا يمنع من وجود جيوب وثنية، بل لا يعدم من انتشار الوثنية بين أرجاءها، ولكن كما يذهب الشيخ سالم بن حمد الحارثي في كتابه العقود الفضية، أن دين أهل عمان كان الدين المسيحي على المذهب النسطوري، وبهلا جزء من المحيط، وهو مذهب يختلف عن المذهب الكاثوليكي الذي يقول بأن الله ثالث ثلاثة، هو أقرب إلى عقيدة التوحيد التي جاء به الدين الإسلامي بعد ذلك.

تقع ولاية بهلا على سفح الجبل الأخضر، ضمن أحد الخطوط الثلاثة الكبرى من الأودية، وادي بهلا يمتد من الجبل الأخضر ويمر بكدم، ووادي نزوى يتحدر من وادي الهجري، ووادي حلفين من جهة الشرق، أما مدينة بهلا ذاتها فتشبه طائرا له صدر وجناحان قويان، جناح من جهة الشمال وهو مدينة كدم، وجناح جوبي وهو مدينة سلوت، أما مركز المدينة فهو الصدر، كما تعتبر بهلا حارسة للجوف العماني من الجهة الغربية.

وأول ذكر لبهلا ورد في زمن الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة رحمه الله، وذلك عند عقد الإمامة للإمام الجلندى بن مسعود رحمه الله، حيث حصلت مناوشات، تصدى لها الوالي أبو صالح الوضاح، واستطاع أن يسيطر ويعتقل القائمين على الفتنة، وأمنهم بحيث يخرج بهم إلى صحار ليسلمهم للإمام الجلندى، وكان الإمام الجلندى قد بعث بسرية للقضاء على تلك الفتنة، فالتقى بمن تم اعتقالهم في بهلا، وتم قتل المعتقلين، وحصل نزاع فقهي بين الفقهاء، على اعتبار أن هؤلاء مأمونون، ومن المفترض أن يتم توصيلهم إلى الإمام، وهو من سيحكم فيهم، فرفعت القضية إلى الإمام أبو عبيدة التميمي، وإلى أبي مودود حاجب الطائي، فصدر الأمر بأن القضية تتعلق بالإمام، وتسد هذه القضية ولا تثار، فكان هذا أول ذكر لمدينة بهلا في القرن الثاني الهجري.

والمعروف أن القرن الثاني الهجري هو قرن الجمع العلمي، أما القرنين الثالث والرابع فهما قرن تفتق العلوم التي وجدت لها صدى في بهلا، من خلال الشخصيات الفقهية والسياسية التي خرجت منها.

شخصيات فقهية وسياسية من بهلا

وفي محاضرته تناول الباحث خميس العدوي الدور التي لعبته الشخصيات التي خرجت من بهلا خلال القرون الخمسة الأولى، ووضع كل شخصية في محلها الصحيح، محللا ما حدث إبان تلك الفترة، كالدور الذي لعبه أبو عبيدة الصغير عبدالله بن قاسم البسيوي، وهذه الشخصية تخلط بينها وبين عبدالله الصحاري، الذي جاء متأخرا، ونعلم أن أبا عبيدة الصغيرة كان يرحل إلى الصين، ولكنه مجرد كلام عاطف غير خاضع للوثائق، لأن العلاقة بين الصين وعمان علاقة قديمة كشفت عنها الآثار عن وجود لقى فخارية، وكان أبوعبيدة يمثل الدعوة الإباضية في الشرق الآسيوي، بداية من خراسان وحتى الصين.

واستطاع أن يخرج مجموعة من التلاميذ، أشهرهم أبو غانم بشر بن غانم الخراساني، وكان أبوعبيدة الصغير حيا إلى عام 171هـ، وأبوغانم توفي في عام 220هـ، وأشهر عملين لأبي غانم هو المدونة والديوان، عبارة عن كتب مجمعة لفقهاء عصره، أما المدونة فهي عبارة عن مسائل فقهية جمعها في أبواب، مختلفة، للفقهاء الذين سبقوه، وهم تلاميذ الإمام جابر بن زيد وتلميذه أبوعبيدة التميمي، وقد وصلتنا المدونة ناقصة في باب الحج، إلا من وجود مسألتين فقط، وأمر الطبيعي أن يكو الإباضية حينذاك الوقت مهتمين بمسال الحج، وكان هذا الأمر يشغل ذهني، فتمكنت ولله الحمد من جمع مسائل كثيرة لشيوخ أبي غانم الخراساني، حتى بلغت مسائل الحج أكثر من بقية المسائل في الأبواب الأخرى من المدونة، وأسميته كتاب الحج الأول، وطبع ضمن الكتاب الذي حققه الدكتور مصطفى باجو.

هل تأثر المالكية

بمدونة الخراساني؟

وقال العدوي أيضا: ما أريد أن أشير إليه، هو أنني وجدت من خلال المقارنة النصية أن كثيرا من الفقه المالكي موجود حرفيا في مدونة أبي غانم الخراساني، وأنا أريد لا استبق الأحداث، ولكني التشابه في صلاة بين المذهبين الإباضي والمالكي خاصة في مسألة عدم رفع اليدين، لا أستبعد أن يكون هذا بسبب تأثر المالكية بمدونة أبي غانم الخراساني، لأن المدونة متقدمة على أعمال تلامذة الإمام مالك الذين رووا عنه مثل سحنون وغيره.

وعلى هذا المنوال، أخذ الباحث خميس العدوي في تقديم تفكيكه للأحداث التاريخية، والتي كان يقف وراءها شخصيات فقهية وسياسية، كالأحداث التي حصلت خلال إمامة الصلت بن مالك الخروصي، ونشوء المدرستين الفكريتين: الرستاقية والنزوية، ودور الفقهاء في تلك الفترة كالفقيه موسى بن موسى الأزكوي.

جدير بالذكر أن المحاضرة أقيمت في قاعة «منهل المعرفة» داخل مكتبة الندوة، أدارها سالم بن عبدالله الهميمي، وحضرها عدد من المهمتين والطلبة الدارسين والباحثين.