عمان اليوم

تراجع واضح في نسبة الرضاعة الطبيعية خلال الستة أشهر الأولى

10 نوفمبر 2017
10 نوفمبر 2017

تبنت وزارة الصحة السياسة الوطنية في السلطنة لتغذية الرضع وصغار الأطفال؛ وهي التي تتمثل في تشجيع الأم على تغذية طفلها رضاعة طبيعية خالصة حليب الأم فقط من غير إضافة ماء أو عصير أو غيره مدة الأشهر الستة الأولى من حياته، والاستمرار بالرضاعة الطبيعية لمدة سنتين مع إدخال الأطعمة المكملة تدريجيا في نهاية الشهر السادس، حيث تشكل الرضاعة الطبيعية مصدرا مهما لتغذية الطفل حتى بلوغه عامين من العمر.

وقالت الدكتورة سلوى جبار الشهابي اختصاصية في طب المجتمع بدائرة صحة المرأة والطفل في المديرية العامة للرعاية الصحية الأولية: بالرغم من الجهود التي تبذل في توعية المجتمع في السلطنة لأهمية الرضاعة الطبيعية خلال العام الأول والثاني من حياة الطفل إلا أن إحصائيات وزارة الصحة تشير إلى تراجع واضح بشكل تدريجي لنسبة الرضع الذين اعتمدوا على حليب الأم فقط (أي رضاعة طبيعية خالصة) خلال الأشهر الستة الأولى من أعمارهم، حيث بلغت هذه النسبة 31.3% في عام 2005م، وتراجعت إلى حوالي 10% في عام 2016م. وقد أشارت إحصائيات بلدان إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط إلى أن معدلات الإرضاع المقتصر على الثدي منخفضة، حيث لا يرضع سوى 40% أو أقل من الرضع تحت عمر ستة أشهر في بلدان الإقليم.

وأضافت: لا بد من الإشارة إلى أن القرآن الكريم حدد مدة الرضاعة التامة لكل مولود ذكرا كان أم أنثى لمدة عامين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة؛ لما تحمله عملية الرضاعة الطبيعية من فوائد نفسية وبيولوجية يعود أثرها على الطفل، حيث تم تحديد هذه المدة بأسلوب بلغ الغاية في الدقة والإيضاح.

وهنا سنتناول دور الرضاعة الطبيعية في التأثير بشكل إيجابي على الحالة النفسية للطفل، حيث يشير العلماء إلى أن إشباع الاحتياجات النفسية للطفل منذ بدايات مرحلة الطفولة المبكرة (التي تمتد من الميلاد حتى ست سنوات) من عدمه يؤثر على شخصية الإنسان في المستقبل، حيث إن كثيرا من الاضطرابات الشخصية ومشاكل الإنسان في حياته وعلاقاته وعمله تعود بشكل كبير إلى فترة مبكرة جدا من حياته. ففي بداية هذه المرحلة يتعرض الطفل إلى صدمة الميلاد، حيث ينتقل من الرحم إلى الدنيا، من مكان هادئ مستقر كانت فيه احتياجاته تلبىَ بدون أن يطلب إلى مكان مليء بالصخب يشعر فيه بالجوع والعطش والبرد والحر والألم والقبول والرفض.

والاحتياج النفسي الأساسي للطفل في هذه المرحلة هو القبول غير المشروط، أي أن يقبل رغم ضعفه وعجزه عن فعل أي شيء، ويتم تلبية هذا الاحتياج من خلال توفير جو هادئ في المنزل، واحتضان الطفل والتربيت عليه، وليس هناك أفضل من احتضان الأم لطفلها أثناء الرضاعة الطبيعية في هذه الفترة الحرجة من حياته، والاستمرار بها لغاية العامين من عمره.

فإذا حصل الطفل على الحنان وشعر بالقبول فإن ذلك سيدعم ثقته بنفسه، وتعزيز مهاراته في استكشاف المحيط الذي حوله، وإقامة علاقات إيجابية مع الآخرين، كما سيعطيه بإذن الله القدرة في المستقبل على تحمل غياب الأمان في البيئة الخارجية، وسيكون أكثر قدرة على تحمل إحباطات الحياة والتفاؤل بأن الأمور ستكون أفضل.

ان إرضاع الأم لولدها ليس بمجرد تقديم غذاء «مادي» للطفل، بل إنه عملية تفاعل روحي بين الأم والطفل، وهو أيضا ترابط من الجانب الإنساني الذي يتجسد في تكريم هذه المرأة من قبل طفلها التي أرضعته وغذته بلبنها، وتكون جسمه من جسمها، وتكونت مبادئ شخصيته الإنسانية الأولى من شخصيتها بعد ارتباطه عاطفيا بها، أي أنه جزء منها في الجانبين الجسدي والنفسي، كما أنه جزء من أمه التي حملته.

وأوضحت الاختصاصية: لكي تستطيع الأسرة تلبية هذه الاحتياجات المهمة للطفل فإن على المرأة والرجل التفكير بشكل سليم وعملي؛ من أجل ضمان حق الطفل في الحصول على ما يجعله عنصرا نافعا داخل الأسرة والمجتمع.

ويعتبر التخطيط الأسري من خلال استخدام إحدى وسائل مباعدة الأحمال الآمنة لمدة عامين مهم جدا؛ لأنه يتيح للمرأة الفرصة لإتمام فترة الرضاعة الطبيعية، كما يعطي الزوجين الوقت الكافي للإشراف على تربية الطفل في هذه المرحلة المهمة من حياته.

ولا بد من التنويه إلى أن الرضاعة الطبيعية هي إحدى الوسائل الطبيعية لمنع الحمل، ولكن نجاحها يعتمد على أن يكون الطفل أقل من 6 أشهر، وأن ترضع الأم طفلها حسب رغبته بما لا يقل عن 10-12 مرة خلال الأسابيع الأولى من ولادته، ومن ثم 8-10 مرات يوميا، وكذلك عدم إدخال أي من الأطعمة المكملة كغذاء للطفل خلال هذه المدة بما فيها السوائل. ومن المهم أن المرأة لا تستعيد دورتها الشهرية خلال هذه الأشهر الستة.

ولهذا ننصح باستخدام إحدى الوسائل التي تناسب الوضع الصحي والنفسي للمرأة، فيمكن أن تستشير زوجها ليكون القرار مشتركا بين الزوجين في الحفاظ على صحة الطفل والأم المرضع في آن واحد. إن إنجاح الرضاعة الطبيعة لا يعتمد على الأم فقط بل هو مسؤولية الزوج والأهل وكل أفراد المجتمع بمختلف المستويات؛ لأن الرضاعة الطبيعية في النهاية ستسهم في إنشاء جيل صحيح الجسد والعقل، ولتكون الحياة جميلة لنساعد الإنسان في بداية حياته أن يتمتع بحقه في جو عائلي مستقر ورعاية طيبة وغذاء أمثل ولا أفضل مما رزقه الله في حليب أمه.