أفكار وآراء

آليات تفعيل ميثاق الشرف الصحفي

05 نوفمبر 2017
05 نوفمبر 2017

أ.د. حسني نصر -

نيابة عن جموع الصحفيين والإعلاميين في السلطنة، وقعت جمعية الصحفيين العمانية ورؤساء تحرير الصحف ومسؤولي القنوات الإذاعية والتلفزيونية، الأسبوع الماضي، على أول ميثاق شرف مهني للصحفيين والإعلاميين في السلطنة، وذلك على هامش المؤتمر العلمي الدولي الثاني لقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس الذي حمل عنوان «المجتمع العربي وشبكات التواصل الاجتماعي في عالم متغير».

التوقيع على هذا الميثاق يمثل- في تقديري- نقلة كبيرة في تاريخ العمل الصحفي والإعلامي في السلطنة، خاصة أنه يأتي استجابة لدعوات كثيرة من داخل المشهد الإعلامي وخارجه استمرت لسنوات، واستكمالا لشق التنظيم الذاتي للمهنة الذي يعمل جنبا إلى جنب مع شق التنظيم التشريعي والقانوني في إقرار حقوق الصحفيين وتحديد واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه المجتمع والدولة والمهنة الإعلامية، وذلك بعد أن استكمل الإعلام العماني أو كاد كافة متطلباته المادية منها والبشرية، محافظا على نهج التوازن والموضوعية الذي عرف به طوال تاريخه.

إن السؤال الذي واجهنا بعد الاحتفال الكبير بعملية التوقيع التي شهدها معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام، هو: وماذا بعد التوقيع الرسمي والإعلان عن صدور ميثاق الشرف الإعلامي؟ وهل ينتهي بذلك دور الجمعية والمؤسسات الإعلامية وكذلك المؤسسة الأكاديمية التي ساهمت في إنجازه وهي جامعة السلطان قابوس عند هذا الحد؟

وللإجابة عن هذين السؤالين نقول: إن مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية لا تصاغ لكي يتم التوقيع عليها فقط، ثم الاحتفاظ بها نصوصا باردة في ثلاجات الجمعيات والمؤسسات الصحفية والإعلامية، وإنما لكي تفعل بكل ما فيها من مبادئ وحقوق وواجبات. والواقع أن تفعيل هذا الميثاق هو الهدف الأسمي منه الذي يتمثل في ترسيخ المبادئ والقواعد والأخلاقيات المهنية وتعزيز استقلالية وموضوعية وسائل الإعلام وضمان قيامها بمسؤولياتها في بناء الوطن، وهو ما يجنبها القيود التي قد يتضمنها التنظيم القانوني، ويزيد بالتالي من مساحات الحرية التي تتمتع بها ويحسن مركزها في التصنيف العالمي.

كيف يتم هذا التفعيل؟ في تقديري أن مسؤولية تفعيل ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي تقع على عاتق الجهات الثلاثة التي شاركت في صنعه والتوقيع عليه، وهي جمعية الصحفيين، والمؤسسات الصحفية والإعلامية وجامعة السلطان قابوس. والخطوة الأولي يجب أن تأتي من الجمعية والمؤسسات الإعلامية وتتمثل في توقيع اتفاق واضح بينها يقضى بتوزيع نسخ معتمدة من الميثاق على كل المؤسسات الصحفية والإعلامية في السلطنة، وقيام هذه المؤسسات بالحصول على توقيع كل الصحفيين والإعلاميين العاملين بها، بالإضافة إلى الصحفيين والإعلاميين الجدد الذين ينضمون للعمل بها في المستقبل، والإقرار بالاطلاع عليه والالتزام بنصوصه، والاحتفاظ بنسخ من هذه الوثائق داخل المؤسسة وفي جمعية الصحفيين، لتكون بمثابة العقد الأخلاقي الملزم بين الأطراف الثلاثة: الصحفي والمؤسسة والجمعية.

ولما كان الميثاق يتضمن ثلاثة أجزاء، هي: المبادئ العامة، والحقوق المهنية، والمسؤوليات والواجبات المهنية، فان آليات تفعيله يجب أن تغطي هذه المستويات الثلاثة. وتتمثل هذه الآليات، من وجهة نظري، في نشر المبادئ العامة للميثاق بين جموع الصحفيين والإعلاميين، وضمان وفاء المؤسسات الرسمية والإعلامية بحصول الصحفيين والإعلاميين على الحقوق التي ينص عليها الميثاق، ثم الانتقال إلى متابعة التزام الصحفيين والإعلاميين بالواجبات والمسؤوليات المنصوص عليها في الميثاق.

على المستوى الأول، يبدو من الضروري أن تعمل جمعية الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بالتعاون مع الجهات المعنية بالعمل الصحفي والإعلامي في السلطنة الرسمية والأكاديمية، على تنظيم ملتقيات مع الصحفيين والإعلاميين داخل مؤسساتهم أو في مقر الجمعية، لشرح الميثاق وتفسير المبادئ العامة الواردة فيه والتي تحتاج إلى توضيح كاف، مثل حماية حق المجتمع في المعرفة، والدفاع عن حرية التعبير ، ودعم مبادئ سيادة القانون، وحماية الآداب العامة، واحترام التراث الثقافي للمجتمع، واحترام القيم العالمية، وترسيخ السلام العالمي، وغيرها من المبادئ التي تمثل مرتكزات أساسية للميثاق يجب أن يستوعبها الصحفيون والإعلاميون جيدا قبل أن يتم مطالبتهم بأداء واجبات محددة أو التمتع بحقوقهم المهنية. ويمكن أن تمثل هذه الملتقيات عملا مستمرا ودوريا تقوم به الجمعية من خلال لجنتي التدريب والحريات بها، وبالتعاون مع المؤسسات الإعلامية والأكاديميين الذين شاركوا في صياغة الميثاق.

وعلى المستوى الثاني، فإن ضمان الوفاء بالحقوق المهنية الواردة بالميثاق يمثل في الواقع تحديا كبيرا يجب أن تعمل الجمعية لمواجهته، باعتبار أن هذه الحقوق هي المقابل للمسؤوليات والواجبات التي سوف تطالب أعضاءها بالالتزام بأدائها. ويمكن أن يتم ذلك من خلال التواصل مع المباشر مع المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الرسمية، لوضع اتفاقات واضحة لضمان هذه الحقوق المهمة، مثل حق الصحفي والإعلامي في الحصول على المعلومات والاطلاع على الوثائق غير المحظورة، والحق في تغطية الأحداث وحضور الاجتماعات العامة، وحقه في الحماية المادية والقانونية أثناء مزاولة عمله، واحترام كرامته وضمان سلامته الشخصية، وحقه في المشاركة في صنع السياسة التحريرية للمؤسسة، وحقه في الترقي إلى المناصب التحريرية الأعلى والحصول على التدريب والتأهيل المستمر، وغيرها من الحقوق الواردة في الميثاق والتي لا يمكن ضمانها إلا من خلال الجهات الرسمية من جانب والمؤسسات الإعلامية من جانب أخر.

وعلى مستوى الواجبات والمسؤوليات فإن على جمعية الصحفيين أن تعمل على وضع آلية علمية واضحة لمتابعة الأداء الصحفي والإعلامي متابعة دقيقة وموضوعية وشفافة، تمكنها من رصد المخالفات التي قد يقع فيها الصحفيون ولا تتفق مع ما ورد في الميثاق من واجبات ومسؤوليات، مثل الخلط بين المادة التحريرية وبين المادة الإعلانية، وعدم تمييز الإعلانات التحريرية، وعدم الفصل بين العمل الصحفي والإعلامي وعمل العلاقات العامة، وخلط الخبر بالرأي، وعدم توخي الدقة في عرض المعلومات، وتجهيل مصادر الأخبار، ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة متى ما كان ذلك متاحا، والانتحال وعدم نسبة المادة الصحفية إلى غير أصحابها، ونشر أو بث شائعات أو أخبار أو معلومات مضللة، وعدم ضمان التنوع في عرض وجهات النظر، والتحيز، واستهداف التأثير في مجرى تحقيقات قضائية أو محاكمات، وتضليل العدالة، ونشر أسماء أو صور المتهمين أو المحتجزين على ذمة التحقيق، وعدم احترام الخصوصية وحق الأفراد في الحفاظ على سرية حياتهم الخاصة، وإلقاء التهم جزافا ودون سند، وعدم احترام حقوق الزمالة، وعدم ضمان حق الأفراد والمؤسسات في الرد وتصحيح ما ينشر عنهم، وغيرها من الواجبات الواردة في الميثاق. ويمكن أن تستحدث الجمعية لجنة لمتابعة الأداء المهني تعمل بالتعاون مع قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس على تحليل مضمون وسائل الإعلام وفق قواعد علمية واضحة وإصدار تقارير ربع سنوية بعدد ونوعية المخالفات المهنية تلتزم الصحف ووسائل الإعلام بنشرها.

من خلال هذه الآليات العملية التي لا يجب أن يتأخر تفعيلها، يمكن أن ينتقل ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي من دائرة الأقوال والنصوص إلى دائرة الفعل، وهو ما يفتح أفقا جديدا أمام تطور كبير في الإعلام العماني، يستند إلى تقديم أداء إعلامي مهني وأخلاقي راق، يخدم المجتمع ويتناغم معه، ويحافظ على دعم الجمهور، وفي الوقت نفسه يحافظ على كوادره البشرية ويضمن حقوقها.