أفكار وآراء

التحضير لحروب جديدة تزيد المشهد العربي بؤسا

04 نوفمبر 2017
04 نوفمبر 2017

د. عبدالعاطى محمد -

إذا اتفقنا على أن الحرب على الإرهاب أصبحت هما للجميع في المنطقة العربية يجري التصدي لها على قدم وساق، فإن ذلك لا يجب أن يجعلنا نتغافل عن مخاطر جديدة تصل إلى حد الحروب هي في إطار التحضير، بما يزيد المشهد العربي بؤسا على ما فيه من ترد وهوان، خصوصا مع حالة الاستسلام لتغييب العمل العربي المشترك.

فما كادت الحرب على تنظيم «داعش» في العراق وسوريا تحرز تقدما ينبئ عن نهاية باتت وشيكة له، اندلعت أزمة بين إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد على خلفية الاستفتاء باستقلال الإقليم، ثم تزامن معها امتداد التوتر بين الجانبين إلى المناطق المتنازع عليها وأبرزها كركوك الغنية بالنفط. وبرغم أهمية الخلاف السياسي بين الجانبين حول هاتين القضيتين، فقد ظهر جليا أن المسألة الأهم التي فجرت الأزمة هي إعادة ترسيم الحدود لحسم المصالح الاقتصادية والاعتبارات الأمنية سواء بالنسبة للإقليم أو المركز، وذلك فيما يندرج تحت مفهوم المشكلات الجيوسياسية أي التغييرات الإستراتيجية التي تترتب على تغييرات تحدث في نطاق الجغرافيا. وقد حسم تقدم القوات العراقية في الشمال محاولات قيادة الإقليم فرض فيدرالية الأمر الواقع، فباتت هذه القيادة في موقف صعب خصوصا مع انحياز السليمانية لموقف المركز في بغداد واتجاهها إلى تشكيل تحالف جديد يضمها مع حلبجة وكركوك، بما يعني أن الوسط الكردي في العراق بات على شفا الانقسام. ومع أن لغة الحوار هدأت نسبيا من التوتر وعكست تفاؤلا بإمكانية التوصل إلى حلول وسط، وظهر ذلك من إعلان قيادة الإقليم استعدادها لتجميد نتيجة الاستفتاء مقابل الدخول في مفاوضات مع المركز، إلا أن العرض قوبل بالرفض وخصوصا من الحشد الشعبي بدعوى أن الموافقة على فكرة التجميد تعني ضمنيا الموافقة على الاستفتاء الذي هو مرفوض من الأصل. وفي ظل هذه المستجدات لم تعد الأزمة تتعلق بحقوق سياسية حول تقرير المصير بقدر ما تعكس خلافا حادا حول الاعتبارات الاقتصادية والأمنية سواء بالنسبة للإقليم أو للمركز من شأنه أن يتطور إلى حد المواجهات المسلحة أو بالأحرى اندلاع الحرب بين الطرفين. وتأكدت هذه المخاوف مع تلاقى موقف الحكومة المركزية مع مواقف كل من إيران وتركيا اللتين تشاركتا معها في أن المسألة لن تقف عند حق تقرير المصير بل إنها تفتح بابا للصراع بين القوى الإقليمية والدولية مرشح للتحول إلى حرب طالما لم يتم الاتفاق بعد على المصالح النفطية والترتيبات الأمنية في شمال البلاد بعد القضاء على «داعش». خصوصا أن عملية إعادة التعمير في المنطقة وثيقة الصلة بهذا وذاك.

وبالنسبة لما ينتظر لبنان من تهديدات تصل إلى حد الحرب لوحظ أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب وعلى غير عادة الرؤساء السابقين فتحت مجددا ملف مقتل قوات المارينز في بيروت عام 1983 وذلك بمناسبة مرور 34 عاما على وقوعها وربطته بتهديدات جديدة لحزب الله بوصفه المتهم الرئيس في هذه المجزرة التي راح ضحيتها 241 من قوات البحرية الأمريكية كانوا ضمن قوات لحفظ السلام في بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. وكان من المفترض ألا تقف هذه الإدارة عند هذه الذكرى، ولكنها وجدتها مناسبة للتأكيد على أن هناك تربصا بالحزب من الجانب الأمريكي ينذر بأن ما تردد في الأوساط الإسرائيلية على مدى الأسابيع الماضية حول الاستعداد لخوض حرب جديدة ضد الحزب هو أمر جدي ويجب التعامل معه على أنه تهديد محتمل بحرب جديدة ليست على الحزب وحده وإنما على لبنان ككل. وفي هذا الصدد شن ترامب حملة على الحزب واعتبره خطرا على لبنان وإسرائيل والشرق الأوسط كله. وكانت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي قد شنت هجوما على الحزب في يوليو الماضي واستنكرت ألا يهتم مجلس الأمن بتهديدات الحزب لأمن الشرق الأوسط في الوقت الذي يتحامل فيه على إسرائيل على حد تعبيرها. ومن الصحيح أن الحملة الأمريكية مرتبطة بموقف إدارة ترامب المتشدد تجاه طهران وإصراره على ضرورة إلغاء الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما من قبل ومن ثم فإنه اختار مواجهة إيران من خلال التهديد والوعيد لحزب الله. وقد وافق مجلس النواب الأمريكي على عقوبات جديدة ضد الحزب الذي تنظر له واشنطن على أنه منظمة إرهابية. ولكن هذا الموقف الأمريكي الجديد تزامن مع التقارير التي خرجت من إسرائيل مؤخرا وتفيد بأن الوسط السياسي الإسرائيلي مشغول اليوم بموضوع الحرب المقبلة على لبنان وحزب الله (مجلة فورين بولسي) حيث تنظر إسرائيل بقلق إلى قيام حزب الله بتحريك ترسانته وصواريخه الحديثة إلى الحدود الجنوبية المحاذية لإسرائيل، وتعتبر ذلك الشرارة التي تطلق الحرب الجديدة (كان الحزب قد خاض حربا مع إسرائيل في عامي 2000 و 2006). وبما أن الموقف الأمريكي ضعيف لافتقاره لإستراتيجية واضحة في الشرق الأوسط، فإنه لن يستطيع إيقاف هذه الحرب. وإذا أخذنا في الاعتبار المناورات العسكرية التي أجرتها إسرائيل منذ بضعة شهور قليلة كمحاكاة للتصدي لهجوم من قوات الحزب على شمال البلاد، فإن التحضير لحرب جديدة على الحزب تصبح له شواهده الدالة عليه. وبالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين الحزب والرئيس عون تزداد احتمالات أن يتسع نطاق الحرب هذه المرة ليشمل لبنان ككل حيث يتوقع أن يشارك الجيش اللبناني فيها جنبا إلى جنب مع قوات حزب الله.

المشهد في ليبيا يقدم صورة مغايرة لما هو ظاهر على السطح، فبجانب الجهود التي يبذلها المبعوث الدولي الجديد غسان سلامة للتوصل إلى حل سلمي والتقدم الحاصل في مسألة تعديل اتفاق الصخيرات، هناك ظهور جديد لتنظيم «داعش» في الأراضي الليبية حيث نجح التنظيم في مهاجمة أحد تركزات قوات الجيش التي يتزعمها الجنرال حفتر وأوقع بها خسائر مادية وبشرية. وقالت المصادر الموالية لحفتر إن عناصر من التنظيم انتقلت حديثا من العراق وسوريا إلى ليبيا. مثل هذا التطور يهدد بإفشال مهمة المبعوث الدولي لأنه سيوجه الاهتمام إلى كيفية مواجهة الانتشار الجديد للتنظيم في الأراضي الليبية وليس إلى التركيز الجاري حاليا على الحل السلمي. وبما أن حسم مسألة القيادة العسكرية للبلاد لم يتحقق بعد حتى في ظل التوافق على تعديل المجلس الرئاسي، وأمام الصعود الجديد لداعش، فإن الصراع بين الميليشيات المسلحة على توجيه المسار السياسي للبلاد سيشتد وبالتالي ازدياد وتيرة تدهور الأوضاع الأمنية داخليا وإقليميا (الدول المحيطة)، كما تزداد مخاطر الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا. وليس مستبعدا في هذه الحالة أن يحدث تدخل عسكري دولي بما يزيد الأمور تعقيدا بالنظر إلى كراهية الليبيين لهذا التدخل.

ومع أن المشهد الفلسطيني شهد حراكا في اتجاه المصالحة بين فتح وحماس، إلا أن هناك عقبة قائمة لن تؤدي فقط إلى العودة للوراء مجددا، وإنما إلى تدخل الجانب الإسرائيلي في شكل عدوان جديد على غزة بدعوى ضرب القدرة المسلحة لحماس. والمعروف أن إسرائيل قابلت الحراك الجديد للمصالحة بالرفض استنادا إلى موقفها العدائي المسبق من حماس التي تعتبرها هي والولايات المتحدة منظمة إرهابية، فهي ترفض التفاوض مع أي سلطة فلسطينية تضم حماس، كما أنها تصر على أن تعترف الحركة بها قبل أي حديث عن التفاوض وهو بالطبع ما لا تقبله الحركة برغم المرونة التي أبدتها مؤخرا بالنسبة لقبولها بدولة فلسطينية على حدود 67. وقد تزامن هذا الموقف الإسرائيلي مع إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن تكون هناك سلطة واحدة وحكومة واحدة وجيش واحد في إشارة لرفضه دمج قوات حماس في قوات السلطة باعتبار أنه يرفض وجود ميليشيات على حد تعبيره. ومن الوارد جدا في هذه الأجواء أن يبقى موضوع السلاح عقبة تهدد أية مصالحات سياسية وكرد فعل يعبر عن هذا الرفض تستطيع عناصر من حماس والجماعات الجهادية الأخرى القيام ببعض العمليات ضد إسرائيل لإثبات الوجود بما يعطى مبررا لها بإعادة شن العدوان على القطاع. وهناك أجنحة إسرائيلية يمينية متطرفة تدفع في اتجاه استمرار التدخل الإسرائيلي.

الغريب أن هذه المخاطر المحتملة التي تصل إلى حد الحروب لها شواهدها ومرأى العين أمام كل من يرصد المستجدات على الساحة العربية، ولكن باتت مسؤولية التصدي لها من شأن أصحابها المباشرين لا من مسؤولية العمل الجماعي العربي أو المشترك، وهو عامل إضافي يؤكد أنها باتت حقيقية وليست مجرد افتراضات أو تخيلات، وتغييب هذا العمل المشترك يوسع مجال الحركة أمام وقوع مثل هذه المخاطر. لن يكون مفاجئا في هذه الحالة أن يزداد المشهد العربي بؤسا على كل ما فيه من تدهور.