أفكار وآراء

التحويلات المالية للمنطقة

04 نوفمبر 2017
04 نوفمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

رغم الصعوبات الناجمة عن تراجع أسعار النفط في الدول الخليجية النفطية، إلا أن حجم القوى العاملة الوافدة لم يتراجع بتلك الصورة إن لم يكن قد سجل زيادة في بعض الدول. ووفق أحدث تقرير للبنك الدولي في طبعته الأخيرة تحت عنوان «موجز الهجرة والتنمية» فإن التحويلات المالية إلى الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في طريقها إلى التعافي هذا العام بعد عامين متتاليين من الانخفاض. ومن هذا المنطلق فان توقعات التحويلات المالية المتدفقة من دول المنطقة والعالم إلى الدول الآسيوية والإفريقية النامية سوف تزداد خلال السنوات المقبلة.

وحسب تقديرات البنك الدولي فإنه من المتوقع أن تنمو التحويلات المسجلة رسميا إلى الدول النامية بنسبة 4.8% لتصل إلى 450 مليار دولار أمريكي خلال العام الحالي 2017م، كما من المتوقع أن تنمو التحويلات إلى الدول المرتفعة الدخل بنسبة 3.9% لتصل إلى 596 مليار دولار أمريكي. ويعزى الانتعاش في تدفقات التحويلات إلى نمو أقوى نسبيا في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، فإن المناطق التي يرجح أن تشهد أقوى نمو في تدفقات التحويلات المالية هذا العام هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وفي دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه من المتوقع أن تؤدي الإجراءات الاحترازية لترشيد الإنفاق نتيجة لانخفاض أسعار النفط إلى جانب سياسات توطين الوظائف إلى الحد من تدفقات التحويلات إلى شرق وجنوب آسيا. ومن بين المتلقين الرئيسيين للتحويلات، تحتل الهند الصدارة، حيث يتوقع أن تصل التحويلات المالية إليها إلى 65 مليار دولار أمريكي هذا العام، تليها الصين بقيمة 61 مليار دولار أمريكي ثم الفلبين بقيمة 33 مليار دولار أمريكي والمكسيك برقم قياسي قدره 31 مليار دولار أمريكي ونيجيريا بقيمة 22 مليار دولار أمريكي ثم الدول الأخرى. ومع تحسن الاقتصاد العالمي، فانه من المتوقع أن تنمو التحويلات إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنسبة متواضعة تصل إلى 3.5% في عام 2018م، أو بقيمة 466 مليار دولار أمريكي. وسوف تنمو التحويلات العالمية بنسبة 3.4% لتصل إلى 616 مليار دولار في العام المقبل 2018م.

وبالنسبة للسلطنة، فقد أشارت بيانات التقرير السنوي الصادر عن البنك المركزي العماني إلى أن قيمة التحويلات المالية للعاملين من السلطنة إلى العالم الخارجي بلغت في عام 2016 نحو 3.952 مليار ريال عماني (10.2 مليار دولار أمريكي)، وهو مبلغ ضخم يتم تحويله سنويا من السلطنة. ويتساءل البعض إن كانت هذه المبالغ المحولة من القوى العاملة الوافدة نظيفة أو تشمل الأموال القذرة التي تم جمعها من قبلهم من مهن غير مشروعة أو معاملات مالية وتجارية وضيعة ومخلة بالقوانين أومن مناقصات تم تنفيذها من أسفل الطاولة، وهذا ما يجب متابعته من قبل القائمين على هذا الأمر.

وهناك اليوم مؤسسات وشركات في عدة دول آسيوية وإفريقية مهمتها تدريب وتأهيل القوى العاملة لإرسالها وتشغيلها لأغراض معروفة وغير معروفة، خاصة إلى دول المنطقة التي تحتاج إلى الاستعانة بتلك القوى العاملة في أعمالها التجارية والاقتصادية والمنزلية. فالتحويلات تعتبر شريان الحياة لتك الدول والدول النامية الأخرى، خاصة في فترات معينة عندما تتعرض تلك الدول للكوارث الطبيعية مثل الزلازل الأخيرة التي ضربت في المكسيك والعواصف التي دمرت منطقة البحر الكاريبي. وترى بعض المؤسسات العالمية أنه من الضروري أن يخفض المجتمع العالمي تكلفة تحويل الأموال عن طريق إلغاء عقود الحصرية، ولا سيما في دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ذات الدخل المرتفع. كما يرون أن هناك حاجة ملحة للتصدي لسلوك المخاطرة من جانب البنوك العالمية وفق ما يشير إليه بعض المهتمين بهذه القضايا في مجال الهجرة والتنمية.

ومن الطبيعي أن تتأثر التحويلات النقدية للأيدي العاملة الوافدة العاملة في الدول النفطية خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة لتراجع أسعار النفط العالمية، بالرغم من أن التقديرات المُعدَّلة الصادرة للبنك الدولي تشير بأن قيمة هذه التحويلات المالية إلى الدول النامية بلغت خلال العام الماضي 2016 نحو 516 مليار دولار. ومع ارتفاع أسعار النفط العالمية، فان هذه التحويلات ستشهد أيضا ارتفاعا مماثلا، خاصة وأن تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 أدى إلى استمرار تداول الأسعار من بين 40 إلى 45 دولارا للبرميل، بينما الأسعار قاربت اليوم في حدود 60 دولارا للبرميل. ومع ذلك التراجع، شهدت المنطقة تراجعا في تلك التحويلات على صعيد دول المنطقة خاصة وأن معظم تلك التحويلات المالية النقدية تأتي من دول السعودية والإمارات وقطر.

ويعزى ارتفاع تحويلات الوافدين بالمنطقة لعدة أسباب من ضمنها أن الأسواق الخليجية لا تزال تعتمد بشكل كبير في تسيير أعمالها على القوى العاملة الوافدة، حيث يعيش في المنطقة حوالي 25 مليون وافد مع أفراد أسرهم، ويوازي عددهم إجمالي عدد المواطنين الخليجيين. ووفقاً لبيانات البنك الدولي، فإن أعداد القوى العاملة الوافدة كبيرة جدا في المنطقة حيث تتصدر دولة قطر دول العالم من حيث عددها وتصل نسبة الوافدين 91% من إجمالي عدد السكان مقابل 88% في دولة الإمارات العربية المتحدة و72% في دولة الكويت و45% في السلطنة. وخلال السنوات القليلة الماضية، الحالي فان تدفقات هذه التحويلات لم تتوقف من دول مجلس التعاون نتيجة لاستخدامها للاحتياطات المالية الكبيرة من الصناديق بهدف الحفاظ على مستويات الإنفاق، كما تقوم بالسحب من أصولها لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط. إن استمرار الأزمات المالية في المنطقة تؤدي بها اليوم إلى اتخاذ خطوات أخرى منها تأهيل وتدريب القوى العاملة الوطنية لإحلالها محل القوى العاملة الوافدة، والحد من التوظيف أو إعادة القوى العاملة الوافدة إلى دولها. ويرى بعض الخبراء فرض ضريبة مالية على هذه التحويلات للحد منها من جهة، ودعم العجز الذي تعاني منه دول المنطقة بسبب تراجع الإيرادات السنوية من جهة أخرى، بينما هناك عدة مبادرات أخرى تم طرحها في هذا الشأن، بأن يتوجب على الدول ضرورة إيجاد حلول عملية لاستثمار مليارات الدولارات التي يرسلها العمال الأجانب إلى بلادهم كل عام، بدلاً من التفكير بفرض رسوم أو ضرائب على تحويلاتهم المالية، وتوفير فرص الاستثمار لهم لإبقاء السيولة في المنطقة، والسماح للوافد باستثمار مدخراته في السندات الوطنية وفي الصناديق الاستثمارية وصناديق التأمين والعقارات وفي الأسواق المالية وغيرها من قنوات الادخار الأخرى، مع ضرورة إصلاح الأمور المتعلقة بإقامة هؤلاء الوافدين في المنطقة. وقد سبق لبعض جمعيات المحللين الماليين المعتمدين بدول المجلس أن قدمت عدة مقترحات لتخفيض معدلات نمو التحويلات المالية من دول مجلس التعاون الخليجي وتدفقها إلى الخارج، تمثلت في استحداث الوظائف لأبناء دول المجلس لتخفيض البطالة، وتحفيز الاستثمارات المحلية لمواطني دول المجلس، وفتح أسواق دول التعاون أمام المستثمرين الأجانب بما فيهم القوى العاملة الوافدة، وتحسين البنى الأساسية والإلكترونية. ويرى البعض ضرورة تسهيل معاملات المواطنين في المنطقة، وقتل البيروقراطية ليتمكنوا من تأسيس مؤسساتهم وشركاتهم لإدارة مختلف الأعمال التجارية والخدمية واللوجستية، وعدم إضاعة الفرص الاستثمارية المتاحة لهم سواء بشكل فردى أو الشراكة مع الوافدين، بالرغم من أن بعض الأسواق الخليجية قد انفتحت على المستثمرين الأجانب. ونتيجة لعدم وجود أي ضريبة دخل على الرواتب التي يتقاضاها الوافدون في دول المجلس، فإن ذلك يشكل حافزاً كبيراً لهم بالاستثمار في المنطقة، حيث أن غياب ضرائب الدخل يشجع بشكل كبير تحويل الأموال إلى خارج دول مجلس التعاون الخليجين، وهذا الأمر محل النقاش في المجتمعات الخليجية أيضا.