أفكار وآراء

الأسـواق المـاليـة ليسـت كــل الاقـتـصـاد !

03 نوفمبر 2017
03 نوفمبر 2017

فيليب كوجان - الإيكونومست -

ترجمة قاسم مكي -

دونالد ترامب مولع بالتنويه إلى أن سوق الأسهم سجلت عدة ارتفاعات قياسية في أثناء رئاسته. لكن هذا المعيار (سوق الأسهم) أكثر تقلبا من أن يكون مدعاة للتباهي. وقد لا يعكس تماما هموم من صوتوا له. فهؤلاء ربما أكثر اهتماما بالنمو الحقيقي للأجور. ونحن إذا نظرنا إلى نسبة «رسملة» سوق الأسهم إلى الناتج المحلي الإجمالي سنجد أنها توشك أن تشهد ارتفاعا قياسيا. دفعني ذلك إلى التأمل في جملة كنت قد كتبتُها قبل أعوام قليلة. الجملة هي «نحن أفضل في إيجاد مطالب جديدة على الثروة من إيجاد الثروة نفسها» وكتبتُها في سياق الارتفاع الهائل في الديون خلال الأعوام الأربعين السابقة لأزمة العام 2008 وتكاثر الأدوات المالية الملتبسة قبل حلولها. لقد عكست تلك الجملة التضخم الكبير لدور القطاع المالي في الاقتصاد ولأجور أولئك الذين يعملون فيه. ولكنها أيضا تتعلق بالطريقة التي ساعدت بها السلطات الاقتصادات على التعافي من الأزمة.

كان التيسير الكمي إحدى تلك الأدوات الرئيسية العديدة. وهو يعني إيجاد أموال (أو مطالب جديدة على الثروة) لشراء أصول. لقد كان الدافع للتيسير الكمي مفهوما تماما. فالضغط المالي على البنوك جعلها تقلص موازناتها وبالتالي الائتمان المقدَّم لباقي الاقتصاد. وحين حدث ذلك في أعوام الثلاثينات كانت النتيجة «الركود العظيم». ولكن نتج عن الجولات العديدة للتيسير الكمي، بجانب ما رافقها من أشكال التحفيز الاقتصادي الأخرى، ارتفاعٌ شديد في قيمة الأصول وأسعارُ فائدة بالغة التَّدَنِّي. وما كان قد تم الترويج له في البداية كإجراء ذرائعي لمواجهة أزمة قصيرة الأجل يبدو أنه سيستمر لأكثر من عقد. ولم تنخفض مستويات إجمالي الدين في الاقتصاد. فقد تم ترحيل الدين بعيدا عن القطاع المالي إلى الحكومة (ثم من خلال التيسير الكمي إلى حسابات البنوك المركزية.) وطالما ظل في سجلات البنوك المركزية سيكون النظام أكثر استقرارا. ولكن إذا حدث تفكيك للتيسير الكمي سيكون هذا النظام بنفس خطورته في السابق. إن إيجاد (خلق) النقود حل لمشكلة معينة هي نقص الطلب. ومن الصعب التعلُّل بنقص الطلب في الوقت الحاضر حيث ظلت الاقتصادات تنمو لفترة ليست قصيرة. كما أن معدل البحث عن الوظائف في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أقل من 4.5%. في عام 2013 كان محافظ بنك انجلترا ميرفِن كينج قد حذر من أن هنالك حدودا «لقدرة السياسة النقدية المحلية على زيادة الطلب الحقيقي في مواجهة الحاجة إلى إجراء تغييرات في التوازن الحقيقي للاقتصاد .»

ويقول إنه لا يؤمن «بأن المشاكل الحالية في المملكة المتحدة تنبع فقط من صدمة سلبية كبيرة تعرض لها الطلب الكلي. (الصدمة السلبية حادثة فجائية تقلص الطلب على السلع أو الخدمات وتؤثر سلبا على أسعارها - المترجم.) وكان ميرفن كينج يرى أن «مشاكلنا، كما هي الحال مع بلدان عديدة أخرى، تعكس أيضا الحاجة الضمنية لإعادة التوازن لاقتصادنا وهو ما يتطلب إعادة تخصيص الموارد داخل البلدان وفيما بينها. فالمسألة ليست ببساطة تعزيز الطلب الكلي ولكن المساعدة على تحقيق انتقال إلى توازن جديد». لقد كان التباطؤ في نمو الإنتاجية في البلدان الغربية أحد الألغاز الاقتصادية الكبيرة في الأعوام الأخيرة. وثمة تفسيرات عديدة محتملة لذلك منها استمرار بقاء الشركات المتعسرة أو التي هي على وشك الإفلاس في عصر يشهد معدل فائدة منخفض. ومنها أيضا سوء تقدير المكاسب المتحققة من التقنية. وتفضيل الشركات استخدام أيد عاملة إضافية حين تكون الأجور منخفضة. وكذلك اضمحلال أهمية التقنية الجديدة قياسا بالابتكارات الأقدم منها كما في أطروحة روبرت جوردون. (يرى جوردون أن ثورة تقنية المعلومات أقل أهمية من أي من الاختراعات الخمسة التي حركت النمو الاقتصادي في الفترة من 1870 إلى 1970 وهي الكهرباء والإصحاح البيئي في المدن والكيماويات والأدوية الصيدلانية ومحرك الاحتراق الداخلي والاتصالات الحديثة – المترجم). وهكذا فبدون نمو الإنتاجية سيكون نمو الاقتصاد في الأجل الطويل ضعيفا، خصوصا بالنظر إلى شيخوخة سكان الغرب. ليس واضحا كيف يمكن أن تساعد السياسة النقدية في هذا الصدد. نفس الشيء ينطبق على النشاط المسعور للقطاع المالي. لهذا القطاع أربع وظائف هامة هي تشغيل نظام المدفوعات ونقل الأموال من المدخرين إلى قطاع الشركات وتقديم السيولة للسوق بشراء وبيع الأصول ومساعدة باقي المجتمع على إدارة المخاطر المالية منها وغير المالية. لذلك يمكن تبرير كل نشاط القطاع (التكاثر الذي لا ينتهي للصناديق والأدوات المالية أو التداول المكثف للأوراق النقدية) على هذا الأساس. من الممكن أن تخفِّض أسواقُ الأصول الأكثر سيولة تكلفةَ رأس المال. فإيجاد أدوات مالية من شاكلة المشتقات يسمح بتخصيص المخاطر بطريقة أكثر كفاءة لأولئك الذين لديهم الرغبة (والموازنات) للتعامل معها. ولكن تصعب المَحاجَّة بذلك في أعقاب أزمة 2008. فقد اتضح أن البنوك لم تبعد المخاطر عن موازناتها وأن سيولة العديد من الأصول كانت وهما.

وفي أعقاب الأزمة دعمت البنوك موازناتها جزئيا بخفض رأس المال الذي تخصصه لأنشطة تداول الأوراق المالية مما سيترتب عن ذلك في حالة نشوء أزمة أن تكون الأسواق أقل سيولة مما في السابق. نحن نعلم أنه كلما تم تداول أصل مالي يستقطع أحدهم نصيبا له (إما عمولة أو رسما أو الفرق بين سعري العرض والطلب.) من الصعب أن نتأكد حسابيا من أن المكاسب التي يحققها باقي المجتمع من ناحية خفض تكلفة رأس المال الخ... أقل أو أكثر مما يستقطعه القطاع المالي. وسيشير العديدون في صناعة المال إلى هبوط تكلفة التداول. ولكن ذلك يقابله عدد المرات التي يتم فيها تداول الأصل. فقد وجدت دراسة أجراها (الاقتصادي الفرنسي) توماس فيليبون أن نسبة الاستقطاع التي يحصل عليها الوسطاء الماليون مساوية لحجمها في القرن التاسع عشر. وربما أن الكثيرين سيكونون أكثر سعادة إذا كانت الأسواق المالية أقل انتعاشا ومتوسط مستوى المعيشة أكثر ازدهارا.