أفكار وآراء

مأزق وتداعيات أزمة انتخابات الرئاسة الأمريكية !

31 أكتوبر 2017
31 أكتوبر 2017

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

الانتخابات الأمريكية يترقبها العالم، ولا شك أن هناك مصالح للدول الكبري مع الولايات المتحدة، وإذا أثبتت التحقيقات الفيدرالية في نهاية المطاف أن هناك اختراقا روسيا قد حدث وغير شكل المعادلة الانتخابية فسوف تكون هناك نتائج كبيرة داخل المؤسسة السياسية والتشريعية والأمنية، وسوف تكون سابقة خطيرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية  الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في نوفمبر من العام الماضي والتي كانت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون هي المرشحة الأبرز للظفر بمقعد البيت الأبيض جاءت علي عكس توقعات وتحليلات مراكز قياس الرأي العام وكبار تعليقات الصحف والقنوات الإخبارية الأمريكية؛ حيث فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي اصبح الآن الرئيس الأمريكي.

وبعد انتهاء الصدمة الانتخابية داخل الولايات المتحدة وخارجها بدأت الأنظار تتجه إلى الإدارة الجديدة وأجندتها السياسية، وهناك أطراف بدأت بالبحث والتقصي حول الإجابة علي السؤال الأهم ماذا جري يوم الانتخابات ولماذا فاز ترامب وخسرت هيلاري ؟!.

الإعلام الأمريكي وفلسفة الإثارة

في تاريخ الولايات المتحدة البعيد منه والقريب هناك ميل شديد إلى الإثارة والبحث عن الفضائح السياسية والأخلاقية، ولعل قضية واترجيت التي كشفها الصحفي بوب وودورد وزميله في صحيفة واشنطن بوست ماثلة أمام تاريخ الإثارة في الولايات المتحدة حيث نتج عن قضية ووترجيت استقالة الرئيس الجمهوري نيكسون، وتوالت ظاهرة الإثارة الصحفية والإعلامية، حيث واجه الرئيس الأسبق بيل كلينتون قضية أخلاقية كادت أن تخرجه من البيت الأبيض بعد تحقيقات متواصلة داخل الكونجرس.

ومع تزايد المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة والهجوم الذي يشنه الرئيس ترامب علي الصحافة والتلفزة الأمريكية بدأت الخيوط تتضح من خلال التركيز علي التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية علي الصعيد التقني بشكل خاص، ولعل إقالة الرئيس ترامب لرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية أظهرت القضية الانتخابية بشكل واسع، وأصبحت الصحافة والإعلام الأمريكي مواصلا الحملة ضد الرئيس ترامب خاصة بعد أن سلم مدير حملته السابق نفسه لسلطات التحقيق في هذا الأسبوع، وهذا يعد تطورا مهما قد يعيد سيناريو ووترجيت، بشكل أو بآخر.

الرئيس الأمريكي يواجه معضلة صعبة، وهو لا يزال في عامه الأول في البيت الأبيض ولعل إشكالاته الداخلية تتمثل في تغيير مسؤولي البيت الأبيض والأمن القومي وعدد من مستشاريه، حيث أن ذلك يعطي مؤشرا علي عدم الاستقرار والانسجام في منظومة البيت الأبيض، ناهيك عن عدم الانسجام بين الرئاسة وبين توجهات وزارة الخارجية، خاصة خلال معالجة الأزمة الخليجية، ومن هنا فإن موضوع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية يعد موضوعا مثاليا بالنسبة للصحافة والإعلام الأمريكي، حيث بدأت حملة المقالات وافتتاحيات الصحف الكبري، مثل الواشنطن بوست، ونيويورك تايمز، ولوس أنجلوس تايمز، في التعليق علي قضية الانتخابات الرئاسية، خاصة موضوع تسليم مدير حملة ترامب نفسه للسلطات الأمنية وما يتردد عن إقراره بالاتهامات الموجهة إليه.

إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاء إلى البيت الأبيض وهو من خارج المؤسسة السياسية، باعتباره رجل أعمال وليس لديه الخبرة بدهاليز السياسة في واشنطن، وهو بذلك يواجه هذا الكم من الانتقادات حتي من داخل حزبه الجمهوري، من خلال عدد من أعضائه الذين أصبحوا ينتقدون خطواته في عدد من السياسات، عدا ما يحدث من انتقادات الحزب الديموقراطي، خاصة لخطوات ترامب لنسف إرث الرئيس الديموقراطي السابق بارك أوباما، لا سيما علي صعيد التلويح بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب والانسحاب من اتفاقية باريس حول الاحتباس الحراري، وأيضا الانسحاب من منظمة دولية ثقافية هامة وهي منظمة «اليونسكو» علاوة علي انتقاده الواضح لاتفاقية النافتا مع دول أمريكا الشمالية علاوة علي حربه الكلامية مع كل من كوريا الشمالية وإيران.

إن قضية الانتخابات رغم أنها في مراحها الأولية، ولكن علي ضوء تاريخ القضايا والإثارة الإعلامية داخل المجتمع الأمريكي، فإن المؤشرات تقول إنها قضية مثالية ليتم تصعيدها إعلاميا، من قبل خصوم ترامب، وهذا سوف يجعل الرئيس ترامب في موقف دفاع دائم في ظل المشكلات الاقتصادية، وملفات الصراعات الخارجية، والعقوبات ضد روسيا الاتحادية علاوة علي الأوضاع المتدهورة أساسا منذ سنوات في سوريا واليمن والعراق وليبيا، ومن هنا فإن الإعلام الأمريكي سوف يجد قضية واسعة الجدل وهو يتوق إلى الدخول في موضوع يجد المتابعة والتحليل والتعليق من كبار المحللين في القنوات الإخبارية خاصة «سي أن أن».

إن خيوط قضية الانتخابات والتدخل الروسي فيها تزداد تعمقا خاصة أن شهادة رئيس حملة ترامب الانتخابية، قد يكشف عن تطورات مثيرة، تغير المشهد السياسي داخل الولايات المتحدة، وعلي ضوء الخبرة التراكمية، فإن مثل هذه القضايا تأخذ وقتا وجدلا طويلا، إلا إذا حدث مستجد كبير، يجعل من أمر التحقيق مع الرئيس أمر لا مفر منه، وهنا سوف تدخل الولايات المتحدة في صراع سياسي، سواء بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي والمؤسسات التنفيذية والأمنية، مما يجعل الرئيس ترامب في وضع صعب ومعقد خاصة أن هناك اتصالات تمت بين بعض مستشاري حملة الرئيس ترامب وإحدى المحاميات الروسيات التي لن تكون بعيدة عن المؤسسة الرسمية السياسية أو الأمنية وفي ظل إعجاب متبادل أثناء الحملة الانتخابية، بين ترامب وبوتين حيث صرح الرئيس الأمريكي أثناء حملته الانتخابية بأنه معجب بالرئيس الروسي بوتين وأنه سوف يقيم مع روسيا علاقات متوازنة.

اللقاءات مع روسيا

لقد تم رصد بعض اللقاءات بين بعض مستشاري ترامب والمحامية الروسية وهناك اتصالات أخرى كشفها مكتب التحقيقات الفيدرالية، ولعل ما سوف يكشف عنه مدير الحملة الانتخابية للرئيس ترامب سوف يكون تطورا مهما في تفاصيل هذه القضية المثيرة التي تشغل بال الرأي العام الأمريكي، وحتي جزء من اهتمام العالم علي اعتبار أن أمريكا دولة مهمة لكل دول العالم وهناك مصالح متشابكة معها.

الانتخابات الأمريكية يترقبها العالم ولا شك أن هناك مصالح للدول الكبري مع الولايات المتحدة، وإذا أثبتت التحقيقات الفيدرالية في نهاية المطاف أن هناك اختراقا روسيا قد حدث وغير شكل المعادلة الانتخابية فسوف تكون هناك نتائج كبيرة داخل المؤسسة السياسية والتشريعية والأمنية، وسوف تكون سابقة خطيرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومن هنا تكمن أهمية القضية وبداية خطوطها الأولية المثارة الآن من الإعلام والصحافة الأمريكية الذي رأى بعضها علي الأقل أنها فرصة سانحة للرد علي الهجوم المتكرر من الرئيس الأمريكي علي الصحافة الأمريكية والتلفزة الأمريكية.

المجتمعات الغربية عموما تستجيب لمثل هذه القضايا ذات الإثارة، والصحافة الغربية تجدها فرصه للإثارة والتوزيع وزيادة نسب المشاهدة والتسويق، خاصة في مجتمع استهلاكي كبير كالمجتمع الأمريكي، ومن هنا فإن قضية الانتخابات الأمريكية وتداعياتها سوف تتواصل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تظهر تطورات جديدة تضع الرئيس الأمريكي وإدارته في مأزق حقيقي خاصة أن الصحافة الأمريكية سوف تواصل إثارتها الإخبارية وقصصها المختلفة، وأيضا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي مما يرشح هذه القضية لأن تكون من القضايا الشائكة في ظل ما سوف يفصح عنه مدير حملة الرئيس الأمريكي الانتخابية من معلومات سرية، ومن لقاءات وهل تم استخدام التقنية في التأثير علي الناخب الأمريكي، وبالتالي حدث التحول الدراماتيكي الذي حدث أمام أنظار العالم ومن خلالها فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة؟ وهو يواجه الآن تبعات ذلك الانتصار غير المتوقع، والأيام القادمة سوف تكشف عن تطورات إحدى القضايا المثارة التي تذكر الشعب الأمريكي بقضايا مشابهة لا يزال التاريخ الأمريكي القريب يتذكرها ولم تمح من ذاكرته.