أفكار وآراء

متطلبات تطوير الإعلام الأمني العربي.. دروس مستفادة

31 أكتوبر 2017
31 أكتوبر 2017

د.أشرف محمد كشك -

مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية -

في ظل التحديات الأمنية غير المسبوقة التي يشهدها العالم العربي في الوقت الراهن خاصة ظاهرة التطرف والإرهاب يثار الجدل بشأن الدور المنوط بوسائل الإعلام المختلفة لمواجهة تلك التحديات خاصة في ظل لجوء الجماعات المتطرفة لتوظيف تلك الآلة على نحو يتيح لها بناء شبكات افتراضية من مختلف أنحاء العالم، ولا يقصد بذلك الدور مجرد نقل الأخبار أو حتى تحليلها على غرار ما تقوم به العديد من القنوات الفضائية التي تستضيف أفرادا لإلقاء الضوء على حدث ما حيث تتسم تلك التحليلات بالتوصيف والتبرير، وإنما ما يسمى «الإعلام الأمني» وهو الدور المنوط بالإعلام إبان الأزمات، وانطلاقا من كون مواجهة التطرف والإرهاب عملية طويلة المدى فثمة مهام جسيمة تقع على عاتق جهاز الإعلام في هذا الشأن، وهو ما أولته الدول العربية اهتماما ملحوظا سواء على المستوى الفردي من خلال تأسيس إدارات للإعلام الأمني وتتبع وزارات الداخلية أو تعيين ما يسمى «بالمتحدث الأمني» الذي يضطلع بدور مهم للغاية في ظل تنافس وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية على نشر الأخبار دون تدقيق الأمر الذي من شأنه إتاحة الفرصة للشائعات والتأويل، أو على المستوى الجماعي، ومنها المؤتمر السنوي لرؤساء أجهزة الإعلام الأمني بالدول العربية إذ عقد المؤتمر الثاني عشر بمقر الأمانة العامة لمجالس وزراء الداخلية العرب في تونس يوليو2017 وأسفر عن توصية مهمة بشأن الاستفادة من تجربة «الخطاب البديل ومكافحة الإرهاب في تونس»، فضلا عن العديد من ورش العمل والدورات التدريبية التي تعقد لهذا الغرض.

وتأسيسا على ما سبق يثار تساؤل مؤداه: هل تعد تلك الجهود كافية ضمن دور الإعلام الأمني في مواجهة التحديات الأمنية الراهنة؟ وواقع الأمر أن تطور وسائل الإعلام على نحو مذهل وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم توظيفها لنقل فيديوهات مصورة تجد صداها خاصة في ظل ارتفاع نسبة الأمية في العالم العربي، حيث بلغت 45 مليونا عام 2015 وفقا لتقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بل إن ذلك العدد مرشح للزيادة، ومع أهمية دور الإعلام الأمني ضمن معركة الأفكار الراهنة فإن هناك ضرورة لمراعاة التوازن بين متطلبات العمل الإعلامي ورغبة وسائل الإعلام في تحقيق السبق والتميز، وبين متطلبات الأمن القومي للدولة، ويقدم حادث الواحات البحرية الذي شهدته مصر في 21 أكتوبر2017م، وراح ضحيته 16 من قوات الأمن المصرية مثالا على ذلك حيث لوحظ سعي وسائل الإعلام لما يمكن أن نطلق عليه «استجواب» الخبراء والمحللين وهم مسؤولون أمنيون حاليون وسابقون في محاولة لمعرفة أين الثغرة التي أتاحت للجماعات الإرهابية الإيقاع بهذا العدد من الضحايا؟ صحيح أن الرأي العام يجب أن يكون على دراية بالوقائع إلا أنه في مثل تلك الحالات فإن الكشف عن كافة الخطط والتكتيكات سيكون بمثابة هدية مجانية لتلك الجماعات، وتعيد تلك الحادثة إلى الأذهان حادث مانشستر الإرهابي الذي شهدته بريطانيا في مايو2017 إذ إن سرعة نشر وسائل الإعلام الأمريكية لتفاصيل الحادث قبل نظيرتها البريطانية كان له أثر كبير في تقويض التحقيقات البريطانية بشأن الحادث وهو ما أحدث استياء لدى بريطانيا التي أعلنت وقف تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة.

ولا يقتصر دور الإعلام الأمني على التحديات الداخلية فقط بل يعد آلية مهمة للغاية ضمن الأزمات الخارجية التي تواجهها الدولة في الوقت ذاته، ويقدم التاريخ دروسا مستفادة حول دور الإعلام في كسب أو خسارة المعارك عموما، ففي مداخلة له أمام مؤتمر التحالفات العسكرية في الشرق الأوسط الذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة بالمنامة في أكتوبر 2017 قال الجنرال ويسلي كلارك القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي: «إن الولايات المتحدة خسرت الحرب في فيتنام ليس بسبب عتادها العسكري، وإنما بسبب تفوق الخطاب الفيتنامي الذي صور الحرب بأنها حرب تحرير وطنية، وأنها حرب دينية، البوذيون يحاربون الكاثوليك»، وربما أن الولايات المتحدة استفادت من دروس فيتنام لتطوير عمل وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأزمات اللاحقة، فقد كان للضوابط التي وضعتها الإدارة الأمريكية بشأن محتوى الرسالة الإعلامية خلال حرب تحرير الكويت عام 1991 أثر بالغ في إيجاد تأييد الرأي العام الأمريكي لخوض تلك الحرب آنذاك.

وثمة خطوات ثلاث أراها مطلوبة لتطوير أداء الإعلام الأمني العربي أولها: الاهتمام باختيار أفضل العناصر البشرية للقيام بمهمة المتحدث الإعلامي إذ يجب أن يكون لديه إلمام كامل بالقضايا وتطوراتها، بالإضافة إلى القدرة على الإقناع والتحلي بالهدوء والمرونة عند مواجهة أسئلة غير متوقعة.

وثانيها: الاهتمام بمضمون الإعلام الأمني انطلاقا من كون ظاهرة العنف والإرهاب التي تعد معركة أفكار بالأساس ليست فقط داخل الدول العربية، بل تجاه الآخر ففي كتابه المعنون «معركة الأفكار في الحرب ضد الإرهاب» يحث مؤلفه روبرت ستلوف الولايات المتحدة على وضع خطة للنصر في معركة الأفكار لمعالجة تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001.

وثالثها: الاستمرارية بحيث لا يكون الإعلام الأمني كرد فعل مؤقت على حادث أو أزمة ما بل يعمل ضمن استراتيجية متكاملة للدولة كإحدى آليات مواجهة التحديات الأمنية بما يعنيه ذلك من حتمية تخطي التوصيف والتبرير لتناول الإجراءات الاحترازية المطلوبة للحد من تلك المخاطر.

وفي تقديري أن هناك حاجة ماسة للمزيد من الاهتمام بقضية الإعلام الأمني وإعلام الأزمات من خلال وضعها على خارطة البحث العلمي العربي وعلى نحو خاص في الأكاديميات الأمنية المتخصصة على غرار ما تحظى به تلك القضايا من اهتمام ملحوظ في العديد من الدول الغربية.