أفكار وآراء

ترجمات : الاقتصاد بين الإنتاج ومجتمع الغنائم

24 أكتوبر 2017
24 أكتوبر 2017

روبرت سامويلسون -

واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

«مجتمع الغنائم» مصطلح صَكَكتُهُ أولَ مرة قبلَ عدة أعوام للتعبير عن مشكلة أساسية توجد في المجتمعات الغنية بما في ذلك بالطبع الولايات المتحدة التي يقارب ناتجها المحلي الإجمالي 20 تريليون دولار. فمع تزايد ثراء هذه المجتمعات يتزايد كذلك ميل الناس إلى تعظيم مصالحهم الاقتصادية بانتزاع ثروات الآخرين بدلًا عن إيجاد ثروة جديدة. نحن نشهد صراعات إعادة توزيع الثروة التي تنتج عن ذلك الإغراء في كل الأوقات.

فهي جزء من النسيج الاجتماعي. إنها صراعات من شاكلة صراع الزوجين المنفصلين على الأصول أو المقتنيات الزوجية (في المجتمعات الغربية – المترجم) ونقاش الكونجرس حول من ينبغي له أن يحصل أو لا يحصل على تخفيضات ضريبية أو دعم مالي (مثلا الضمان الاجتماعي) ومرافعة المحامين عن دعاوى جماعية لرفع مظالم ومقاضاة «صائدي قضايا براءات الاختراع» لشركاتِ التقنية حول انتهاكات محتملة لحقوق الملكية. وبصرف النظر عن الوجهة التي يتجه إليها تعاطف المرء في مثل هذه الصراعات (فإعادة توزيع الثروات أمرٌ جيد وسيئ أيضا) إلا أن ما يربط بين كل هذه الأنشطة وأنشطة أخرى عديدة هو أنها لا يترتب عنها إنتاج المزيد من السلع والخدمات.

بل هي، بدلًا عن ذلك، تنطوي على نقلٍ للأموال والثروة من طرف أو جماعة إلى طرف أو جماعة أخرى. فهي تذكرنا بالروح التي كان يدافع بها ساسة القرن التاسع عشر عن فكرة وظائف المحاباة أو المحسوبية ومبدأ «كل الغنائم تذهب إلى المنتصرين»، وربما هذا النوع من الاقتصاد أكبر مما نعتقد. هذه خلاصة كتاب جديد محرض على التفكير صدر تحت عنوان «الاقتصاد المختطف» من تأليف برِنك لِيندسِي، من مركز الأبحاث «نِسكَانَين» وستيفن تيليس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جون هوبكنز. يرى المؤلفان أن الاقتصاد مليء بترتيبات تخدم المصلحة الذاتية وتفيد أساسًا الأثرياء. ولكنها ترتيبات تفرض تكاليف إضافية على الفقراء والطبقة الوسطى وتقلل من حجم النمو الاقتصادي. يقول ليندسي وتيليس إذا أخذنا موضوع الإسكان مثلا سنجد أن ترتيبات تخطيط الأراضي التي تضع قيودًا على استخداماتها ترفع من أسعار المساكن. ويشيران إلى دراسات تفصيلية أجراها إدوارد جليزر أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد ومعاونوه. ففي بعض المناطق نتجت عن نُدرة السكن (بسبب هذه الترتيبات) زيادات ضخمة في أسعار المساكن بلغت نسبتها 20% في واشنطن وبوسطن و30% في لوس أنجلوس و50% في مانهاتن وسان فرانسيسكو وسان جوزيه.

ويورد المؤلفان في كتابهما أن «عملية تخطيط استخدامات الأراضي تنقل الثروة من مشترين جدد إلى ملاك حاليين»، وأسعار العقار المرتفعة في المناطق المزدهرة تحول دون انتقال الناس إليها بسبب غلاء مساكنها. وهذا يقلل من النمو الاقتصادي بشكلٍ عام.

لماذا؟ لأن قلة من الناس هي التي يمكنها الانتفاع من الفرص الاقتصادية المتاحة في هذه المناطق. سنجد نفس الشيء أيضًا في مجال الترخيص المهني الذي يستلزم وجوب إصدار شهادة ممارسة من الولايات الأمريكية لبعض المهن والشركات.

ففي عام 1970 كانت حوالي 10% فقط من المهن تستلزم الحصول على تراخيص لمزاولتها، بحسب ليندسي وتيليس.

ولكنهما يذكران أن النسبة بلغت الآن 30%. وفي كل الولايات تخضع ممارسة حوالي 1100 مهنة للترخيص بما في ذلك مهن الحلاقة والعناية بالأظافر وترويض الحيوانات. وتتقدم كاليفورنيا باقي الولايات بحوالي 177 ترخيص عمل.

وعلى الرغم من أن التبرير المعتاد لذلك هو حماية المستهلك إلا أن الأثر الفعلي للترخيص هو تقييد المنافسة ورفع الأسعار.

وهنا مرة أخرى يعاني النمو. فإذا كانت الأسعار أقل ستكون لدى الناس قوة شرائية أكبر لشراء المزيد من الأشياء. في مصطلحي «مجتمع الغنائم» ينقسم الاقتصاد إلى جزأين هما القطاع المنتج الذي ينتج ويصنع والقطاع المستغل أو المفترس الذي يعيد توزيع الدخل والثروة. هنالك تداخل بين هذين القطاعين. فالسلع والخدمات الإنتاجية كثيرًا ما تباع بأسعار مصطنعة ومرتفعة لا تعكس القيمة الاقتصادية المضافة. إنها ببساطة تنقل الثروة من المشتري إلى البائع. وهذا في أسوأ الأحوال «أكل اقتصادي للناس». يطلق علماء الاقتصاد على الأسعار المرتفعة اصطناعيا «الرَّيع». الرسالة التي يريد الكاتبان توصيلها هي أن هذه الريوع أكثر انتشارًا مما يعتقد معظم الناس. فالسعي وراء الريع يشكل جزءًا كبيرًا من مجتمع الغنائم. هل يمكن فعل أي شيء بشأنه ؟ يصعب ذلك. فمعظم الترتيبات الخاطئة التي تقود إليه مُبهَمَة وفنية. والناس الذين ينتفعون منها يهتمون بها أكثر من الآخرين.

رغما عن ذلك فإن قليلًا من التوعية بها لا يؤذي. وللإنصاف يجب الإقرار بأن هذه الصراعات التوزيعية، إلى حد ما، لا يمكن تجنبها. بل هي مرغوبة وتوجد في كل بلد حديث إما من خلال التدخل الحكومي أو الأسواق الخاصة. ولكن ينشأ الخطر الكبير لمجتمع الغنائم إذا حلَّت هذه الصراعات التوزيعية باطراد محل النمو الاقتصادي باعتبارها الطريقة التي يتقدم بها الناس والشركات اقتصاديا. ففي هذه الحال سيتقاتل البشر للحصول على قطعة أكبر من الفطيرة الاقتصادية (وهو ما يعني أن أحدهم سيحصل على نصيب أصغر منها) بدلا عن تعظيم حجم الفطيرة كي يحصل كل أحد على قطعة أكبر. ويمكن أن تكون النتائج مريرة.

فكما يحذر ليندسي وتيليس «عندما تكون الحياة صراع مجموع صفري ستعتبر المكاسب التي يحصل عليها البعض خسائر للآخرين»، وهذه وصفة للسخط والشقاق.