أفكار وآراء

الاتفاق الإيراني يحقق المطلوب.. كيف؟

18 أكتوبر 2017
18 أكتوبر 2017

جون كيري- واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

إذا تخلَّت الولايات المتحدة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والبلدان الست الأخرى الموقعة (على الاتفاق الإيراني) والنتائج التي توصلت إليها وزارة خارجيتنا نفسها بالامتناع عن الشهادة على التزام إيران بالاتفاق النووي فسيرتكز مصير الاتفاق على الكونجرس بموجب بنود «قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.» وسيواجه الكونجرس حينها اتخاذ قرار حول أمن أمريكا وليس استفتاء يتعلق بالرئيس ترامب أو الرئيس السابق باراك أوباما. وبحكم أنني سبق لي، كعضو في مجلس الشيوخ، الإدلاء بصوتي عشرات المرات حول اتفاقات تتعلق بضبط التسلح (ليس لأن هذه الاتفاقات مثالية ولكن لأنها في صالحنا) أريد أن أدخل أولئك الذين ربما سيصوتون قريبًا إلى «حجرة المفاوضات» كي أشرح لهم المنتج الذي تفاوضنا حوله لإغلاق مسارات إيران نحو السلاح النووي ولماذا أن الحفاظ على الاتفاق بهذه الأهمية. من المهم أن نضع الاتفاق في سياقه. فحين التقيت لأول مرة وزير خارجية إيران في سبتمبر 2013، كانت إيران قد أتقنت دورة الوقود النووي وأنشأت مخزونًا من اليورانيوم يمكن تخصيبه لإنتاج ما بين 10 إلى 12 قنبلة. وكانت تقوم بالتخصيب عند مستوى أقل مباشرة من درجة إنتاج السلاح النووي. وكانت تتحرك بسرعة نحو صنع مفاعل مياه ثقيلة يمكنه إنتاج بلوتونيوم يصلح لصنع قنبلة أو قنبلتين سنويًا. بكلمات أخرى كانت إيران قد وصلت سلفًا إلى عتبة إنتاج السلاح النووي. لقد أنفقنا آلاف الساعات لوضع الأمور في نصابها على الرغم من أن أشهرا قليلة فقط كانت تفصل بين إيران وبين إنتاجها ما يكفي من مواد انشطارية لصنع القنبلة. لقد حشدت الولايات المتحدة من خلال جهود دبلوماسية دؤوبة حلفاءنا الأوروبيين وبلدانا مترددة بما فيها الصين وروسيا والهند وتركيا لتطبيق عقوبات قاسية على إيران. ولكن حتى ذلك لم يمنعها من التقدم بسرعة من تشغيل مجرد مئات قليلة من أجهزة الطرد إلى الآلاف منها. وكانت المفاوضات فقط هي التي من شأنها تجميد البرنامج والعودة به إلى الوراء. لقد سأل البعض لماذا لم يوقف اتفاقنا تصرفات إيران المقوضة للاستقرار بما في ذلك دعمها لحزب الله ونظام الأسد في سوريا. إنه سؤال جيد، له إجابات جيدة. نحن لم نكن نسعى إلى مقايضة «اليقين» حول المسألة النووية بأي شيء آخر. وكما قالت فرنسا لن يكون هنالك «مقابل». كانت لدينا خلافات عميقة مع إيران وثقة صفرية (انعدام للثقة) ولم نتفاوض معها منذ عام 1979. وكنا في مسار تصادمي يقود إلى العمل العسكري مع اقتراب موعد بلوغها مرحلة القدرة على إنتاج السلاح النووي. (الإطار الزمني المقدر لإيران كي تنتج ما يكفي من وقود يورانيوم مخصب لإنتاج قنبلة نووية واحدة- المترجم). لقد كان العالم متوحدًا حول مسألة واحدة فقط هي القدرة النووية لإيران. ولم يكن بمقدورنا تحقيق الوحدة أو المحافظة على نظام العقوبات إذا أضفنا مسائل أخرى. ولكننا اعتقدنا أن التعامل مع الخلافات الأخرى مع طهران سيكون أسهل إذا لم نكن نواجه، في تزامن مع ذلك، نظامًا نوويًا. كنا نعلم أن أي اتفاق سيتفحصه النقاد الذين شهدوا قبل عشرين عامًا الولايات المتحدة وهي تتوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية ولكنه انهار. لقد استوعبنا تلك الدروس. كانت (وثيقة) الاتفاق مع كوريا الشمالية من أربع صفحات واقتصر تعامله مع البلوتونيوم فقط. أما الاتفاق مع إيران فقد استغرق 159 صفحة مفصلة. وهو ينطبق على كل المسارات المحتملة لإيران نحو إنتاج القنبلة النووية. كما يرتكز تحديدًا على قواعد الشفافية في البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي تم إعداده مع وضع تجربة كوريا الشمالية في البال. ولم يحدث أن صار بلد ما نوويًا مع تطبيق البروتوكول الإضافي. فهو دقيق وشامل. وتمسكنا بأن يكون هو الأساس الذي ينبني عليه اتفاق إيران.

ماذا حققنا؟ أحد الأشياء التي حققناها، بعكس ما توحي به بعض التقارير، أن إيران هي التي كان قد توجب عليها أن تسدد المقدم «أن تدفع العربون». فقبل حصولها على دولار واحد بفضل تجميد العقوبات، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تخلصت من 97% من مخزونها من اليورانيوم ودمرت قلب مفاعل أراك (وهو ما حال دون الحصول على بلوتوينيوم يمكن استخدامه لإنتاج السلاح النووي). كما أزالت أكثر من 13 ألف جهاز طرد مركزي وأوقفت تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو المقامة تحت الأرض وفتحت برنامجها للمراقبة الدقيقة. وأكدت الوكالة في ثمانية تقارير متتالية أن الاتفاق يحقق المطلوب منه. لقد تم إيلاء اهتمام كبير «لبنود انتهاء سريان» الاتفاق. إن هذا توصيف غير دقيق لاتفاق به بنود ستظل قائمة لمدة 10 إلى 15 إلى 20 إلى 25 عامًا، مع بقاء أهمها إلى الأبد. وإذ قلنا ما قلنا فإن كل اتفاقات ضبط التسلح تحتوي على عناصر زمنية. وذلك هو السبب في أن اتفاقات «متابعة» عديدة ستتمخض عنه حين تنشأ الثقة على الجانبين. لقد كنا مرتاحين؛ لأن «السدادة» الموضوعة على مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب ستظل في مكانها حتى عام 2030. ومن المستحيل انتاج سلاح نووي بثلاثمائة كيلوجرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب. نحن مرتاحون أيضا لأن إجراءات المراقبة والتحقق غير المسبوقة التي توصلنا إليها لا ينتهي سريانها أبدًا. وبسبب أعمال التفتيش الدائمة التي تقوم بها الوكالة الدولية، سيعلم العالم الآن إذا ما «تحامقت» إيران وسعت لإنتاج القنبلة النووية. ويبدو من غير المعقول أساسا التخلي عن اتفاق ناجح اليوم بسبب الانشغال المهووس بالتطور المحتمل للبرنامج النووي الإيراني بعد عشرة أعوام من الآن في حين من الممكن أن يحدث مثل هذا التطور غدا إذا قمنا بتفكيك الاتفاق. إذ سنعود حينها إلى حيث كُنَّا ولكن في وضع أسوأ مع «عزل» الولايات المتحدة وليس إيران. نحن ستكون لدينا «رافعة نفوذ» حين نتمسك بالاتفاق. فوزراء الخارجية الأوروبيون يقولون لي إنهم سينضمون إلينا في مواجهة أية تصرفات أخرى (يعتبرونها) سيئة من جانب إيران. فما هو ذلك النفوذ الذي يمكن أن نحصل عليه بالتخلي عن الاتفاق فيما نحن نعلم أن إيران ملتزمة به ؟ نحن (في هذه الحال) سنخسر اصطفافنا الوثيق مع حلفائنا. وسنعزز من نفوذ روسيا والصين. وسنسلم المتشددين الإيرانيين انتصارًا. وسنرسل رسالة إلى أي بلد يفكر في التفاوض معنا بأن الولايات المتحدة، حينما تتدخل السياسة، لا تفي بوعدها. إلى ذلك يعني التمسك بالاتفاق أننا لا نتجه مرة أخرى نحو نزاع عسكري مع إيران وأننا يمكننا (بدلا عن ذلك) التركيز على التهديد النووي المشتعل من كوريا الشمالية اليوم. لقد عكس الاتفاق الذي صاغه العالم للحيلولة دون حصول إيران إطلاقا على السلاح النووي أفضل تقديراتنا حول تحقيق هذا «الهدف الوحيد». إنه ليس «قائمة من الأماني» التي يمكن فرضها ولكنه نتيجة تفاوض. لقد أسسنا ما توصلنا إليه من نتائج على التحقق (من التطبيق) وليس على (مجرد) الثقة. إن الاتفاق ناجح بأية طريقة يمكن أن يقيس بها العالم ذلك.

• الكاتب رجل دولة متميز، ووزير الخارجية الأمريكي السابق (2013-2017)