أفكار وآراء

مسؤولية دولية وإقليمية عن إنجاح المصالحة الفلسطينية

17 أكتوبر 2017
17 أكتوبر 2017

بشير عبد الفتاح -

,, في هذا السياق، تأتي أهمية احتضان دول العالم للمصالحة الحالية ودعمها والعمل بدأب من أجل إنجاحها ,,

بعد إخفاق متوال لجهود مضنية تخللتها وساطات عربية ودولية بغية تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني،أبى القدر إلا أن تثمر المساعي المصرية التي بذلت هذه المرة بتهيئة الأجواء لتحقيق اختراق لافت فيما يخص محاولات المصالحة المستعصية بين حركتي فتح وحماس، ما يستتبع ذلك من مباشرة حكومة الوفاق الفلسطينية مسؤولياتها في قطاع غزة، على نحو من شأنه أن يساعد على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني،وتأسيس شراكة سياسية فاعلة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية،كما يعطي دفعة قوية للجهود الهادفة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية،وهو الاختراق الذي قوبل بترحيب إقليمي ودولي واسع النطاق .

ولما كان أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط يعد غاية إقليمية ودولية، ومع تنامي دور القوى الإقليمية والدولية بشكل لاتخطئه عين في قضايا وتفاعلات دول المنطقة،خصوصا خلال الآونة الأخيرة،فإن نجاح عملية المصالحة الفلسطينية هذه المرة وما يترتب على ذلك من خطوات مهمة أخرى على الأرض، يبقى مرتهنا،إلى جانب عوامل أخرى عديدة،بمدى مباركة وتأييد المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمي لتلك المصالحة وما يعقبها من إجراءات، وتأسيسا على ما ذكر آنفا، يبدو حريا بدول الجوار والمجتمع الدولي اتخاذ ما يلزم لإنجاح جهود المصالحة الفلسطينية الحالية وذلك عبر المضي قدما، وعلى نحو متزامن ومتواز في آن،في مسارات اقتصادية وسياسية.

اقتصاديا،يصعب توقع نجاح المصالحة الفلسطينية بشكل تام وكامل من دون توفر أمرين مهمين:يتمثل أولهما،في التزام المجتمع الدولي بتوفير الدعم المالي للفلسطينيين في قابل الأيام والوفاء بتعهداتهم المالية التي تعهدوا بتقديمها خلال مؤتمري 2012/‏‏‏2014،خصوصا بعدما أظهر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»،أن نسبة 50% فقط من إجمالي تعهدات إعادة إعمار غزة في مؤتمر القاهرة 2014،والذي تم التعهد خلاله بتقديم منح مالية بقيمة 3.5 مليار دولار لإعادة إعمار غزة،هي التي وصلت فعليًا للحكومة الفلسطينية والمنظمات الأممية،الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين فئة الشباب في قطاع غزة إلى 60%، وتفاقم معدل الذين يعيشون تحت خط الفقر في القطاع إلى 80%، بسبب الأزمات الإنسانية المتواصلة،الناجمة عن تأخر وصول المساعدات وتقييد الاحتلال الإسرائيلى لحركة البضائع والسلع ومواد البناء والمعدات والمواد الأولية للإنتاج، ومن جهة أخرى،فمن شأن إتمام المصالحة الفلسطينية أن يشجع الدول المانحة للمساعدات،عربية كانت أو أجنبية،على استئناف ضخ تلك المساعدات مجددا مع تنامي الثقة في قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بكفاءة،وتوحيد موقفهم التفاوضي في مواجهة الإسرائيليين.

وبناء عليه،يتوقع خبراء اقتصاديون أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني انتعاشة من شأنها أن تساهم في تثبيت المصالحة الفلسطينية، حالة ربط قطاع غزة بالضفة الغربية والعالم اقتصاديًا، ووقف الحصار الإسرائيلى، علاوة على استئناف المساعدات التي بلغ مجموع ما تلقته السلطة الفلسطينية منها أكثر من 30 مليار دولار منذ توقيع أول اتفاقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في أوسلو سنة 1993، كون تلك التطورات الانفتاحية ستمهد السبيل لتنفيذ مشاريع عديدة تستوعب الأيدي العاملة الفلسطينية،كما ستعود العلاقة الاقتصادية بين غزة والضفة،لاسيما إذا تم تشكيل لجنة قادرة على رسم السياسات، وتوظيف الأموال الخارجية حال استئنافها إيجابيًا لإنعاش قطاع غزة اقتصاديًا وإشباع حاجاته وفق الأولويات،،خصوصا إذا ما نجح المسؤولون الفلسطينيون بحكومة الوفاق في إبرام تفاهمات مع المسؤولين المصريين لإقامة منطقة تجارة حرة، وتعزيز التجارة بين الأراضي الفلسطينية والعالم الخارجي عبرها، لاسيما وأن المساعدات الدولية لن تستمر إلى الأبد، وتفاديًا لأية عراقيل إسرائيلية يتم فرضها على المعابر.

وأما ثانيهما،فيتجلى في تحري دول الجوار والمجتمع الدولي كافة السبل الكفيلة بمنع إسرائيل من مواصلة حصارها،الذي تفرضه منذ عشر سنوات جوا وبرا وبحرا على قطاع غزة ،الذي يبلغ عدد سكانه نحو مليوني شخص،يعتمد أكثر من ثلثيهم على المساعدات الإنسانية، كما شهد ثلاث حروب مدمرة بين العامين 2008 و2014 بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية,ذلك أن بقاء ذلك الحصار الظالم والبغيض رغم رفع «الفيتو» عن المساعدات الدولية للقطاع،من شأنه أن يمنع نهوض وتنمية اقتصاد ذلك الأخير، إذ لن يكون لأموال المانحين آثار اقتصادية وتنموية ملموسة، ففيما مضى عطل ذلك الحصار غير الإنساني جهود إعادة الإعمار في القطاع،مثلما أعاق مساعي دمج اقتصاده مع اقتصاد الضفة الغربية.

أما على الصعيد السياسي،فبرأسها تطل أهمية ترحيب دول الجوار الإقليمي والعالم أجمع بالمصالحة الفلسطينية وتقديم كل صور الدعم الممكن لها، وفي هذا السياق، تأتي أهمية احتضان دول العالم للمصالحة الحالية ودعمها والعمل بدأب من أجل إنجاحها،لاسيما وأن ذلك الدعم هو الذي سيشجع المانحين على استئناف دعمهم المالي للفلسطينيين. وفي هذا الإطار اقترح فلسطينيون عقد مؤتمر دولي لحث المانحين على الإيفاء بتعهداتهم المالية التي قطعوها على أنفسهم بعد حربي 2014 و2014 وذلك بهدف دفع فاتورة رواتب الموظفين المختلف عليهم، وتمويل إعادة تأهيل البنية التحتية في القطاع وغيرها من المشاريع المهمة.

وجليا لاح لخبراء فلسطينيين ودوليين توافق دولي لإنجاح المصالحة الفلسطينية هذه المرة ، تبدى في سياسات الولايات المتحدة ومواقف المبعوثين الأمميين للضفة الغربية وقطاع غزة، حيث رفعت واشنطن،حسب موسى أبو مرزوق،عضو المكتب السياسي لحركة حماس،الحظر الذي كانت تفرضه سابقا على إتمام المصالحة الفلسطينية وأعطت الضوء الأخضر لإنجاز تلك المصالحة،كما توقع أولئك الخبراء وجود دور للإدارة الأمريكية في تحريك ملف المصالحة، مستندين على إعلان الأمم المتحدة إنشاء صندوق لدعم تسلّم حكومة الوفاق مهامها بغزة، يأتي هذا بينما أكد نيكولاي ميلادينوف، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، خلال زيارته لقطاع غزة مؤخرا أن الأمم المتحدة ستعمل على إنشاء صندوق لدعم تسلم الحكومة بغزة لمسؤولياتها.

وبينما تتطلع الأطراف الدولية إلى التعامل مع السلطة الفلسطينية كجهة وحيدة شرعية، على أن تعمل حركة حماس تحت جناحها،فقد أظهرت اللجنة الرباعية الدولية دعما واضحا للمصالحة الفلسطينية من أجل تحجيم دور حركات المقاومة المسلحة،وإدخال التنظيمات والحركات التي تتبنى هذا النهج العنيف ضمن ما يصفه مراقبون«ببيت الطاعة» الغربي،لذا عزز بيان الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة من فكرة رفع «الفيتو» الأمريكي عن المصالحة الفلسطينية،وإعطاء ضوء أخضر لإنجاحها. ففي البيان الذي أصدرته اللجنة رحبت بجهود تلك المصالحة،ولم تهاجم حركة حماس، كعادتها، وأكد مبعوثو اللجنة الرباعية الدولية في بيانهم أنهم يدعمون الجهود المبذولة لإعادة تمكين السلطة الفلسطينية من تسلم مسؤولياتها في قطاع غزة، وحثّ البيان مختلف الأطراف على اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية الشرعية.

وانطلاقا مما ذكر آنفا، وإدراكا منه لأهمية الاحتضان الإقليمي والدعم الدولي للمصالحة الفلسطينية الحالية على النحو الذي يكفل إنجاحها وترسيخ دعائمها،لم يكن مستغربا من الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي،الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين أن يقدم عقب ترحيبه بتلك الخطوات الإيجابية على صعيد رأب الصدع الفلسطيني،ثم تثمينه الجهود المصرية المتواصلة لإنجاز المصالحة الفلسطينية ورعاية القاهرة للحوار الفلسطيني الشامل بغية تحقيق الوحدة الوطنية،أن يؤكد استعداد منظمة التعاون الإسلامي المستمر للمساهمة في دعم أية خطوات من شأنها أن تساعد على تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية،وأن يدعو«العثيمين» المجتمع الدولي إلى مساندة جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية وتوفير سبل نجاحها ،لما لذلك من أثر عميق في تفعيل وإقرار السلم والاستقرار بالمنطقة بل والعالم بأسره.