1131437
1131437
المنوعات

الكتاب والأدباء ومركز نزوى يحتفيان بالشاعر محمد بن علي الشرياني

11 أكتوبر 2017
11 أكتوبر 2017

خمس ورقات كشفت جوانب من حياته العلمية والثقافية -

نزوى: محمد الحضرمي -

نظمت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ومركز نزوى الثقافي أمس ندوة احتفائية بالشاعر الراحل الشيخ محمد بن علي الشرياني، وذلك تحت رعاية سعادة الشيخ حمد بن سالم بن سيف الأغبري والي نزوى، وحضور ثقافي وشعري، أقيمت الندوة في مسرح المركز الثقافي، وابتدأت بكلمة ألقاها المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي رئيس الجمعية تحدث فيها عن بدايات تعرفه بالشيخ الشرياني يوم أن كان يحضر الفعاليات الثقافية كمستمع ومشارك.

وأكد الصقلاوي في حديثه عن الشرياني أنه كان شخصية مختلفة، فقد كان في حياته يحضر الفعاليات بعمامته المتميزة، ويتحدث مع الجميع بملاطفة ومحبة ومودة، وكانت أشعاره تجنح إلى شعر الحب والغزل، لأنه أقرب إلى الإنسانية، حيث تشترك فيه كل البشرية والأمم، مثلما كما كان يترنم به.

وأضاف الصقلاوي: إنه من الواجب علينا كمؤسسات وجمعيات ثقافية الحفاظ على تراثنا والاهتمام بالأعلام، وتقديمهم للأجيال باعتبارهم رموزا وأمجادا، فضلا عن تقديمهم في الساحة الثقافية العمانية والعربية. وسيظل الشيخ الشرياني مضيئا ومشرقا في عقولنا وقلوبنا، ولقصائده حضورا في قلوب الأجيال الواعدة.

الشرياني صناجة عمان

وألقى هلال بن محمد الشرياني نجل المحتفى به كلمة شكر فيها الجهتين المنظمتين للاحتفائية، وقال في كلمته: إن والدنا فضيلة الشيخ القاضي الفقيه محمد الشرياني كان يمتاز في مسيرته الشعرية بالجودة في بديع نظمه، ورقة في سبكه وعذوبة في اللفظ والأسلوب والمعنى.

وأضاف في كلمته: إن الشيخ الشرياني اشتهر لدى الحاضر والبادي بمشاركاته في أغلب المحافل بقصائده الوطنية، وبصوته الشجي الذي كان يترنم به في قصائده، كما حباه الله بنعمة البديهة واللسان الفصيح، مما جعله يستحق بدرجة امتياز أن يثنى عليه، وأن يشار إليه بصناجة عمان.

وذكر من بين المؤلفات التي تركها والده الأديب كتاب: (شمس البيان في الأحكام والأديان)، وديوان (مرآة الزمان) وكتاب (غادي ورائح في الأدب والحكم والنصائح)، وهو أيضا شخصية تجمع بين الفقه والأدب.

كما شارك خمسة من الباحثين الشباب في الندوة، حيث ألقى حفيد المحتفى به يعقوب بن هلال بن محمد الشرياني ورقة بعنوان سيرة الشيخ الشاعر محمد الشرياني: تطرق في بدايتها إلى اسمه وكنيته ومكان ولادته في محلة الخضراء بولاية بهلا يوم 29 محرم 1347هـ، الموافق 18 يوليو 1928م في منزل يسمى «بيت الدكان»، وكان من أكبر المنازل في ذلك الوقت في محلة الخضراء، ونشأ بولاية بهلا، في كنف والدين اهتما بتربيته على حب طلب العلم.

وبعد حياة حافلة بالعطاء أدركت الشيخ المنية صباح يوم الثلاثاء بتاريخ 2/‏‏ شعبان /‏‏1418هـ، الموافق 2/‏‏12/‏‏1997م، ودفن في مقبرة البياض بولاية منح.

حياته العلمية في مدرسة الإمام

وتحدث يعقوب عن حياة الشرياني العملية، إذ بعد وفاة الشيخ أبي زيد الريامي انتقل الشيخ محمد الشرياني ليواصل مشواره التعليمي إلى نزوى، حاضرة العلم والعلماء آنذاك، فتوجه إلى إمام المسلمين محمد بن عبدالله الخليلي ليتعلم عنده، واتخذه الإمام قارئا، وكان الإمام من حبه لقراءة الشيخ الشرياني أنه جعله من قرائه الخاصين، حتى يروى أن الإمام لما طلب منه بعض الناس أن يرسل لهم الشيخ الشرياني ليعلم أبناءهم القرآن قال لهم: «لو كان عندنا شريانان لما استغنينا عنهما» لِما كان يتمتع به الشيخ من صوت حسن. وبعد وفاة الإمام الخليلي – رحمه الله – تولى التدريس في جامع نزوى مدة من الزمن قبل أن يعين قاضيا.

حمامة وادي الغافتين ترنمي

وقدم الناقد علي بن عبدالله بن سالم الحضرمي ورقة نقدية قدم فيها قراءة أسلوبية في قصيدة الشرياني: (حمامة وادي الغافتين)، يقول في مطلعها: (حمامة وادي الغافتين ترنمي .. بأغصان شوق في صبابات مغرم). قام الناقد بتحليل الرموز الشعرية التي تحفل بها القصيدة من بينها: مفردة (حمامة)، باعتبارها رمزا للسلام والخصب والتكاثر والوداعة والهدوء والنماء وكل جميل قيمي ومادي في هذه الحياة، رمز يحمل كثافة دلالية تعني العالم والكون وتتجاوز كل الحدود وتحقق كل الممكنات إن توفرت لها الأسباب والدواعي، وفيها نداءٌ للقريب البعيد وفقا لموقعه من المكان والروح، كما أنها عادة شعرية أصيلة في القصيدة التقليدية، جزء منها عراقة وأصالة ودلالة وسمة، تكاد تكون ركنا أو عنصرا حاضرا عند العديد من الشعراء من القدامى خاصة، والمحدثين عامة.

ويستعير الشاعر هنا النداء بالترنُم للعاقل ليوجهه للحمامة لتآلف الأرواح الطاهرة البريئة النقية بينه وبينها في استعارة مكنية بليغة. ولكنها تترنم بأغصان شوق في صبابة مغرم، وهما صورتان استعاريتان مبهرتان، حيث شبه الشاعر الشوق هنا بالشجرة العظيمة كثيفة الأغصان، كثافة معنى الشوق في نفسه وكيانه وروحه، فاستعار لها شيئا من لوازمها وهو الأغصان، وأحلها الأرض الخصبة المعطاء التي تحيا فيها وهي «صباباتِ مُغرم» في تشبيه بليغ للمعنى المعنوي (النفس والروح)، حيث تزهر الصبابات الغرامية للعاشق المغرم بالمكان المادي، وهو (الأرض الخصبة) للشجرة الوارفة الظلال المكسوة الأغصان بالخضرة والثمار اليانعة في كل موسم بلا انتهاء في كناية عن العمر الإنساني ورمزية له وللحياة.

وألقى محمد بن سيف الكيومي ورقة بعنوان «التأثيرات العقدية في أجوبة القاضي الشرياني من خلال كتابه شمس البيان في الأحكام والبيان»، حيث قال: يمكن تقسيم التأثيرات العقدية في الكتاب إلى قسمين: الأول مبدأ اعتقاد السؤال، وتتعلق بهذا المبدأ مجموعة من القواعد المتداخلة والمتقاطعة، والثاني إشارات عقدية وردت في الكتاب، من بينها: تكذيب متعلم الرمل في ادعائه علم الغيب.

كما ألقى ناصر بن حمود الحسني ورقة بعنوان رحلة في كتاب الشيخ الشرياني (غاد ورائح في الأدب والحكم والنصائح)، وهو كتاب أتم تأليفه في عام 1994م وجمعته وأعدته للنشر ابنته جوهرة بنت محمد الشريانية عام 2012م.

سبائك نثرية ممزوجة بالحكم

يقول ناصر الحسني: إن المتأمل لهذا الكتاب يجد فيه 41 سبيكة أدبية نثرية، ممزوجة بالحكم والنصائح مع مقدمة وخاتمة، وقد أضافت جوهرة الشريانية في بداية الكتاب الإهداء مع تعريف موجز عن الشيخ القاضي العلامة مؤلف هذا الكتاب، وألحقت نسخة مصورة مخطوطة للكتاب من بدايته حتى نهايته؛ بحيث يجد القارئ بعد الكتاب المرقون هذه المخطوطة التي تكرر الكتاب كاملا من المقدمة حتى الخاتمة، والكتاب المخطوط الموجود داخل الكتاب المرقون والمطبوع جاء في 133 صفحة. أما الكتاب الذي يجمع النسختين فجاء في 184 صفحة.

ويضيف الحسني في بعض من مباحث ورقته: إن الشيخ يوجه نصائحه بأسلوب الترغيب والنداء والنصح والإرشاد، مستندا إلى العاطفة والعقل ومتكئا على البيان، وخاصة عندما يستخدم كلمات مثل: أخي المسلم، حتى يسترسل في النصح ويمازج أحيانا بين العقل والعاطفة، مقتبسا من آي الذكر الحكيم ما يدعم فكره ونصحه وحكمه وآراءه؛ فالدين النصيحة ومنها ينطلق الشيخ واعظا الناس في أمور دينهم ودنياهم بما يصلح آخرتهم، وينتقل إلى أسلوب التحذير مستخدما كلمة إياك مثل: «إياك واليمين الغموس» ومثل: «كما تدين تدان»، وأسلوب النهي مثل: «لا تظلم أحدا ولا تهتك ستر أحد»، وأسلوب الأمر مثل: «استمسك بما في يدك وزن للناس بما تحب أن يزنوا لك به»، وأسلوب الترغيب مثل: «عليك بالجار ولو جار».

ويضيف في ورقته: إن الشيخ أبدع في تضمين حكمه ونصائحه بأبيات شعرية تلامس شغاف القلوب وتعطي للمعنى عدة معان يستنبطها القارئ من خلال رحلته مع هذا الكتاب الجميل الذي يعتبر إضافة حقيقية للمكتبة العُمانية خاصة والمكتبة العربية بشكل عام، وقد نجد غزارة في كمية النصائح، وتنوعها في الجملة الواحدة، بما يستعين به الشيخ ويوظفه من مأثورات القول من الشعر والنثر، وبطبيعة الحال اقتباساته الأجمل من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، والحكم والأمثال العربية عامة، والعمانية على وجه الخصوص.

ملامح من التدوينات الشعرية

وانتهت الندوة الاحتفائية بورقة قدمها الشاعر يونس بن مرهون البوسعيدي بعنوان «ملامح من التدوينة الشعرية عند الشيخ الشرياني». يقول يونس: نجد أن شعر الشيخ الشرياني في كثير من الأحيان كان يدون الشخصي في المجتمعي، والمجتمعي في الشخصي، وربما دون وعي لفصل بينهما إذا كان لذلك ضرورة، فسنجد في شعره، التدوينة المجتمعية، ومعظمها مناسبات وطنية، كما سنجد المدونة الشخصية، التي ربما أراد وتقصد من خلالها تدوين تأريخه الشخصي، وأنا ألفت النظر عمدا إنني أقول: «الشعر المجتمعي للشيخ الشرياني وليس الشعر الاجتماعي» لسببين فارقين في نظري، الأول أن الشرياني لم يخصص شعره للقضايا الاجتماعية، وإن وجدت مشاركات له في ذلك، بل إن معظم نصوصه كانت وطنية، ويصيغها صياغة وطنية.

الأمر الثاني أن موقف الشاعر في مجتمعه هو الرضا والثناء والنصح والإرشاد، ولم يكن محتجا، إلا ما ندر، وقد دون الشيخ الشرياني بعضا من أحداث حياته تدوينا شعريا تشبه مقتطفات من السيرة الذاتية، ونستشهد بست نصوص خص بها الشيخ الشرياني خمس أحداث من حياته ليدونها شعريا، وهي سيرة حياته الأولى، وعنوان النص (مِن ذكريات الحياة الأولى) وقصيدة (ذكريات) التي وجهها لعائلته، ملمحا فيها لأسماء أفرادها، وقصيدتين عن رحلته إلى الحج، ورابعا قصيدته «الغرابة من لغة قوم»، وأخيرا قصيدته حين زج به في الحبس، وهي التي يمكن تصنيفها من أدب السجون.