1130358
1130358
تقارير

تصحيح اختلال ميزان التجارة في بؤرة اهتمام ترامب.. لكن العجز يتزايد

10 أكتوبر 2017
10 أكتوبر 2017

السياسات المتبعة تأتي بنتيجة عكسية -

شون دونان/ الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

عندما دشن دونالد ترامب تحقيقا يتعلق بالأمن القومي الأمريكي حول واردات الصلب «الفولاذ»، كان دان سيمونز من بين أولئك الذين أطلقوا صيحات الابتهاج. فالرجل وهو رئيس نقابة عمال الصلب الأمريكية «ستيل ويركرز لوكال 1899» كان شاهدا، لعدة أعوام، على الظروف الصعبة التي عاشها أعضاء النقابة بعد توقف العمل الى حد كبير في منشأة «جرانايت سيتي» لصناعة الصلب في ولاية إيلينوي الأمريكية. ولكنه وجد أخيرا سببا للتعلل بالأمل بعد أن نقَّبَت إدارة ترامب عميقا في قوانين التجارة ووجدت ضالتها ثم دشنت في أبريل الماضي تحقيقا بموجب البند 232 . (بحسب مكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة الأمريكية تحقيقات البند 232 تتم بموجب قانون التوسع التجاري لعام 1962 المعدل وذلك بغرض تحديد أثر الواردات- الصلب أو الألمونيوم مثلا- على الأمن القومي الأمريكي – المترجم).

قرار التحقيق في واردات الصلب والألمونيوم يزيد من حجمها

قد يقود هذا التحقيق الى أجرأ قرار حمائي يتخذ دعما لصناعة الصلب الأمريكية خلال 15عاما. وخلال أسابيع من ذلك، وعدت شركة « يو إس ستيل» بتشغيل مصهري منشأة «جرانايت سيتي» عبر نهر المسيسيبي من سانت لويس وإعادة توظيف مئات العمال. لقد كان كل ذلك جزءا من موجة تفاؤل أطلقها ترامب ذاعت وعمَّت صناعة الصلب الأمريكية التي قضت أعواما وهي تضغط لاتخاذ إجراءات أكثر تشددا في محاربة إغراق الصين للسوق الأمريكية بواردات الصلب الرخيص. وهو إغراق جعل مصانع أمريكية عديدة غير قادرة على المنافسة. لكن بعد مرور خمسة أشهر (من بداية التحقيق) كان سيمونز من بين أولئك الذين شرعوا في حك رؤوسهم وهم في حيرة من سياسة الرئيس الأمريكي. فبدلا من أن يتحرك ترامب بسرعة، كما وعد، لتنفيذ سياسة إدارته بفرض تعريفات جمركية على واردات الصلب لم يحدث شيء من هذا القبيل وسط معارك داخلية ومعارضة من جانب مجتمع الأعمال الواسع ومن الجمهوريين في الكونجرس. بل حدث ما هو أسوأ من ذلك. فإعلان ترامب بإجراء التحقيق أدى إلى زيادة الواردات الأمريكية من الصلب. لقد سعى الموردون الأجانب والمستهلكون المحليون إلى استباق أية زيادة (يمكن أن تحدث بموجب نتائج التحقيق) في التعريفات (الرسوم) الجمركية والأسعار. وفيما كان سيمونز يستعد للعودة إلى مقر الاتحاد بعد جولة سريعة للحصول على الدعم في واشنطن، شكا للفاينانشال تايمز بقوله «ما حدث كان له في الواقع أثر سلبي». وأضاف أن ما يحتاجون اليه هو «أقوال قليلة وأفعال كثيرة». يحب ترامب أن يفخر بعدد الوظائف التي أوجدها الاقتصاد الأمريكي منذ توليه الرئاسة وكيف أن مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية حققت ارتفاعات قياسية. ولكن بالنسبة له، كشخص جعل الميزان التجاري مقياسا أساسيا لأداء الاقتصاد ( وهذا ما يثير غم وكدر الاقتصاديين) ، لم يكن متحمسا لذكر حقيقة أخرى تتعلق بفترة رئاسته. فحين تنشر آخر بيانات عن التجارة الأمريكية ستؤكد في الغالب حقيقة مفاجئة. لقد ارتفع العجز التجاري الأمريكي في السلع والخدمات مقابل العالم إلى 320 بليون دولار بنسبة 10% أو 27.9 بليون دولار في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام(منذ بداية رئاسة ترامب) مقارنة بنفس الفترة من عام 2016. ( نشرت البيانات المذكورة يوم الخميس 5 أكتوبر وبلغ العجز في السلع والخدمات في أغسطس 42.4 بليون دولار بانخفاض 1.2 بليون دولار من 43.6 بليون دولار، ولكن في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام ازداد العجز في السلع والخدمات بحوالي 29.1 بليون دولار أو 8.8% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حسب مكتب الإحصاء ومكتب التحليل الاقتصادي الأمريكيين- المترجم). ليس من الصعب القول أن ترامب مسؤول جزئيا،على الأقل عن ذلك. فالصلب والألمونيوم هما المثالان الأقوى لهذا العجز. لقد ارتفعت الواردات الأمريكية منهما كليهما منذ إعلان ترامب عن إجراء تحقيقين متوازيين في واردات هذين المعدنين في أبريل وتوعده بإجراءات قاسية في هذا الصدد. فحسب معلومات جمعتها شركة بيانات التجارة العالمية «بانجيفا» للفترة من يناير إلى يوليو، ارتفعت قيمة واردات الولايات المتحدة من الصلب بحوالي 7.3 بليون دولار أو 24%. كما زادت قيمة واردات الألمونيوم بحوالي 2.8 بليون دولار أو 28%، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وبعد ثلاثة أشهر من الإعلان عن التحقيقات، زادت واردات الولايات المتحدة من الصلب بما قيمته 4 بلايين دولار تقريبا عن وارداتها في نفس هذه الأشهر عام 2016. ويعزو المسؤولون في صناعتي الصلب والألمونيوم معظم هذه الزيادة إلى تهديدات ترامب أثناء حملته الانتخابية بالتشدد تجاه الواردات وتوقف التحقيقات في الوقت الحاضر بعدما قررت الحكومة تأجيلها كي لا تغضب الجمهوريين فيما هي تسعى إلى الضغط لإنفاذ إصلاحها الضريبي. كان عضوا مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو شيرود براون عن الحزب الديمقراطي وروب بورتمان عن الحزب الديمقراطي( والذي شغل منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة في إدارة جورج دبليو بوش) بعثا برسالة إلى وزير التجارة، ويلبر روس، في سبتمبر تَحُثّ على الإسراع بالتحقيقات. وشكا المذكوران في الرسالة من أن « التأخير في التحقيق في واردات الصلب بموجب البند 232 يتسبب في « ازدياد موازٍ للواردات التي تدخل الولايات المتحدة». ففي الفترة بين مايو ويونيو، بحسب الرسالة، ارتفعت واردات حديد التسليح بنسبة 84% وزادت واردات حديد الأنابيب المستخدمة بواسطة صناعة النفط بأكثر من ثلاثة أضعاف في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي. وجاء في رسالة عضوي مجلس الشيوخ «لا الشركات الأمريكية ولا قواها العاملة يمكنهما تحمل هذه المستويات من ورادات الصلب». كما يتوقع أهل صناعة الصلب قدوم المزيد من هذه الواردات ما لم يتم يستكمل التحقيق فورا» . ويقر مسؤولو الإدارة الأمريكية سرا بأن تحقيقات البند 232 في واردات الألمونيوم والصلب تسببت في زيادتها وساهمت في ارتفاع العجز التجاري على الرغم من أنهم يرجعون تزايد العجز بشكل عام إلى ارتفاع أسعار السلع وتحسُّن الاقتصاد الأمريكي.

تأثير سياسة ترامب على العجز التجاري

ولكن ليس من الصعب الحصول على أدلة أخرى تشير إلى أثر محتمل لسياسة « ترامب» على العجز التجاري الأمريكي . فالدولار كان قد ارتفع بشدة فور انتخاب ترامب في نوفمبر. ولكن وبفضل تزايد الشكوك في قدرة ترامب على تنفيذ أجندته الاقتصادية (إلى جانب أسباب) أخرى هبطت قيمته بنسبة 9% على أساس «مؤشر الدولار المرجح بحركة التجارة» منذ أن بلغ أعلى قيمة له في أواخر ديسمبر 2016. (الدولار المرجح بالتجارة مقياس لسعر صرف الدولار أو قيمته الخارجية مقارنة بعملات أجنبية معينة- المترجم). وفي حين يلزم أن يكون ذلك الهبوط في قيمة الدولار شيئا طيبا في نهاية المطاف للمصدرين الأمريكيين وللميزان التجاري الأمريكي إلا أنه ساهم في الأجل القصير في زيادة تكلفة الواردات، خصوصا السلع التي يتم تسعيرها بالدولار مثل النفط. وهو أحد أهم العوامل المساهمة في زيادة العجز في ميزان تجارة السلع هذا العام. يقول ايسوار باراساد، وهو خبير اقتصادي سابق بصندوق النقد الدولي ويدرس الآن بجامعة كورنيل، أن اللغة المتشددة حول موضوع التجارة يمكن منعها من تحقيق مقصدها بسياسات أخرى تؤثر على الميزان التجاري بطرائق تتسم بالمفارقة أحيانا في الأجل القصير.

أسباب أخرى للعجز التجاري الأمريكي

يعتقد باراساد مثلما يعتقد معظم الاقتصاديين الآخرين أن العجز التجاري للولايات المتحدة منذ أعوام السبعينات (وعجز الحساب الجاري عموما) لامعنى له، إلى حد كبير. فهو يتعلق بقوة الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة وبانخفاض معدل ادخارها وبمكانة الدولار بصفته عملة الاحتياط العالمية وليس بأنماط التجارة. وفي حين يعتقد بعض الاقتصاديين ذوي الميول اليسارية أن خسارة الولايات المتحدة للوظائف الصناعية سببها العجز التجاري، يشير معظم الخبراء الآخرين إلى أن الأثر الأكبر على فقدان الوظائف يعود الى مسيرة الأتمتة وإلى اتجاهات اقتصادية مثل تعهيد الخدمات. (التعهيد هو الحصول على سلع أو خدمات من جهة إمداد أجنبية بدلا عن مصدر داخل البلد - المترجم).

العجز التجاري مقياس النجاح والفشل

ولكن نظرة ترامب للعالم تظل هي المبدأ الاقتصادي المرشد لإدارته. إنها نظرة مجموع صفري (تكون بموجبها اقتصادات الفائض هي الصائدة المفترسة واقتصادات العجز هي الطرائد). وذلك ما يجعل العجز التجاري أحد أهم المقاييس النهائية للنجاح في نظره.(بمعنى كلما تقلص العجز التجاري للولايات المتحدة أو زادت قيمة صادراتها عن وارداتها كلما كان ذلك أفضل من وجهة نظر إدارة ترامب – المترجم.) وكان روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري الأمريكي، قد خاطب مؤخرا جمهورا من المستمعين بقوله «يعتقد الرئيس أن العجوزات التجارية هامة وأنا أوافقه على ذلك. حينما نواجَه بعجوزات تجارية كبيرة على مدى عقود من السنين ومع معظم بلدان العالم يحق لنا أن نتساءل إذا ما كانت قواعد التجارة أحد أسباب هذه المشكلة». وبالنسبة للإدارة الأمريكية فهي تعتقد اعتقادا جازما أن العجز التجاري تسبب في خسائر واسعة النطاق للوظائف في القطاع الصناعي بالولايات المتحدة وفي ركود الأجور وأن العلاج يتمثل في سَدِّ هذا العجز.

إعــادة التفـاوض مــع

المكسيك وكوريا الجنوبيـة

لقد قررت الإدارة الأمريكية أن يكون خفض العجز التجاري السلعي السنوي مع المكسيك خصوصا، والذي يبلغ 64 بليون دولار، الهدف الرئيسي لإعادة التفاوض الجارية حاليا حول اتفاقية النافتا (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية). وعلى نحو مماثل، يشير لايتهايز إلى عجز تجاري مستمر مع كوريا الجنوبية فيما هو يسعى الى إعادة التفاوض حول اتفاقية مع سيؤل دخلت الى حيز التنفيذ في عام 2012. يرتكز النموذج الذي يتبناه لايتهايزر في جزء كبير منه على نموذج كان قد استخدمه في مواجهة مماثلة مع اليابان حين كان نائبا شابا للممثل التجاري الأمريكي في إدارة ريجان. أحد التكتيكات الرئيسية التي وظفتها الولايات المتحدة حينها كان التفاوض حول فرض«قيود تصدير طوعية» على منتجات مثل السيارات وشبه الموصلات مع طوكيو وبلدان أخرى لديها عجوزات تجارية معها. ويرى أنصار هذه الاستراتيجية، بمن فيهم لايتهايزر، أنها أجبرت شركات صناعة السيارات اليابانية والشركات الأخرى على إنشاء مصانع داخل الولايات المتحدة وبالتالي إيجاد وظائف أمريكية. ولكن منتقديها يردون بأن لهذه الاستراتيجية جوانبها السلبية أيضا بما في ذلك مساهمتها في دفع الشركات اليابانية للدخول في مجال تصنيع السيارات الفاخرة ورفع تكلفة سلع مثل شبه الموصلات وأجهزة التلفزيون. وعندما تولت إدارة جورج بوش «الأب» الحكم في عام 1989 كان من بين أولى خطواتها التخلي عن العديد من هذه الاتفاقيات التقييدية. وبعد ثلاثة عقود من ذلك لا يزال لدى الولايات المتحدة عجز تجاري مع اليابان التي تستورد منها سلعا وخدمات تزيد قيمتها بحوالي 55 بليون دولار عن قيمة الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات الى اليابان في عام 2016. ولذلك يفسِّر مثال اليابان جزئيا لماذا أن معظم الاقتصاديين يعتبرون استخدام العجز التجاري،خصوصا العجوزات الثنائية، «لوحة تسجيل» للنقاط التي يحرزها اقتصاد ما في مقابل اقتصادات البلدان الأخرى، هَوَسَا في غير محله.

مسؤولية الدولار عن العجز

ترى آن كروجر،المسؤولة الأمريكية السابقة بصندوق النقد الدولي والاقتصادية السابقة أيضا بالبنك الدولي، أن مكانة الدولار بصفته عملة الاحتياط العالمية تتحمل قسطا أكبر من المسؤولية عن عجز الحساب الجاري الأمريكي قياسا بأية اتفاقية تجارية أخرى. وتقول يجب أن يوجه اللوم أيضا إلى معدل الادخارات المتدني بالولايات المتحدة والعجوزات المستمرة في الموازنة الحكومية. كما زادت الطين بلة عولمةُ «سلاسل الإمداد» التي ساهمت في خفض تكلفة سلع مُصنَّعَة تتسم بالتعقيد مثل السيارات. فأكثر من نصف الواردات الأمريكية إما مكونات صناعية أو مواد خام مما يجعلها وارداتٍ بالغة الأهمية للصادرات. وذلك يعني أن محاربة الواردات (مثل واردات الصلب أو مكونات السيارات) يمكنها الإضرار بالمُصَنِّعين والمصدِّرين الأمريكيين الذين يتعاملون مع منتجات عالية القيمة. تقول كروجر « إذا قلصنا العجز مع المكسيك بخفض وارداتنا من الأجزاء المكونة للسيارات فسنخفض بذلك صادراتنا نفسها». وترى أنه إذا كان العجز التجاري هو الهم الأساسي لإدارة ترامب سيكون الخيار الأفضل لها أن تفعل عكس ما تخطط للقيام به والتركيز على بذل الحوافز للمستهلكين كي يدَّخروا أو تحسين الموقف المالي للولايات المتحدة إما بزيادة الضرائب أو خفض الإنفاق أو بكليهما. ولكن بدلا عن ذلك كشفت الحكومة مؤخرا النقاب عن خطة لإجراء تخفيضات ضريبية يتوقع معظم الاقتصاديين أن تضعف الموقف المالي للولايات المتحدة. ما يثير إحباط الاقتصاديين من أمثال كروجر أن «سياسة» التجارة ظلت على مدى فترة طويلة تمضي في وُجهَة معاكسة لما يعتبرونه «حقائق» اقتصادية واضحة. ولكن ربما أن ترامب يواجه الآن درسا جديدا حول الصلة بين السياسة والاقتصاد. فبعد تسعة أشهر من بداية رئاسته أفضت محاولاته لإعادة كتابة قواعد التجارة الدولية إلى زيادة العجز التجاري الأمريكي. وربما مقابل ذلك سيكون هنالك ثمن سياسي. لقد قضى دان بيريس، مثله في ذلك مثل عمال عديدين في منجم «كيوَتِين» بولاية مينيسوتا الأمريكية، عاما كاملا وهو يصارع لتدبير معيشته بعد أن فصل من الخدمة وسط تراجع في هذه الصناعة عام 2015. ينتج هذا المنجم كُرَيَّات الحديد التي تستخدم لصنع الصلب. لقد ساعدت سلسلة من قضايا الإغراق التي تتعلق بتقييد واردات الصلب من بلدان مثل الصين وكوريا الجنوبية على تحسين أمور صناعة الصلب في الولايات المتحدة. ويعمل الآن هذا المنجم الذي تملكه شركة «يو إس ستيل» بكامل طاقته. ولكن بيرس الميكانيكي، وهو أيضا نائب رئيس نقابة عمال الصلب المحلية، يشعر بالرعب من التدفق المتسارع للواردات استباقا لفرض أية تعريفات جمركية وكذلك من تردد الحكومة. يقول بيرس أن الأمور يمكن أن تذهب في الاتجاه الآخر بسرعة شديدة « كل يوم يمر دون خروج توصية من الرئيس(بوضع قيود حمائية)....... سيضع صناعة الصلب في سكة الخطر». ففي نظر بيرس أن الموقف الحالي للإدارة يعود بهذه الصناعة إلى نفس وضعها الذي كانت عليه عام 2015. وهو «وضع لا يسر»، بحسب رأيه.

النافتا موضوع جديد للجدل

غالبا ما ينظر ترامب الى العجوزات التجارية كما ينظر رئيس تنفيذي إلى «قسم سيئ الأداء» في شركته. وهو في هذه اللحظة بالضبط يسلط اهتمامه على اتفاقية النافتا مع كندا والمكسيك أكثر من أي شيء آخر. لقد أوضح بجلاء أن الهدف الأساسي في مفاوضات النافتا التي دشنت في أغسطس هو خفض العجز التجاري مع المكسيك، الذي يبلغ 64 بليون دولار. لتحقيق ذلك، تركز الإدارة الأمريكية على التجارة في السيارات وتشجع على استعادة جزئية على الأقل لسلاسل امداد السيارات التي تمتد من ديترويت الى المكسيك وكندا ثم تعود مرة أخرى. وتجادل إدارة ترامب بأن النافتا التي مضى عليها 23 عاما نتج عنها، إلى جانب العجز المتزايد مع المكسيك، خفضٌ في المحتوى الأمريكي في السيارات والسلع المصنعة الأخرى المنتجة بموجب هذه الاتفاقية. ففي دراسة صدرت في شهر سبتمبر، أوردت إدارة التجارة الدولية بالولايات المتحدة بيانات من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تظهر أن نسبة «الجزء الأمريكي» من القيمة المضافة في المنتجات المصنعة والمستوردة من المكسيك هبطت من 26% إلى 16% في الفترة 1995 -2011. لقد تجاهلت تلك الدراسة البيانات الأخرى للمنظمة والتي تشير الى أن القيمة المطلقة للمُكَوِّن الأمريكي في الواردات القادمة من المكسيك زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 1995 إلى ما يقرب من 40 بليون دولار بحلول عام 2014 وذلك نتيجة لازدياد حجم التجارة بين البلدين. ولكن تلك مسألة لا أهمية لها لإدارة ترامب التي جعلت خفض العجز التجاري مع المكسيك مقياسا للنجاح. فهي تريد زيادة متطلبات المحتوى الإقليمي للنافتا بالنسبة للسيارات واستحداث قاعدة تقرر وجوب القيام بالمزيد من الإنتاج داخل الولايات المتحدة. وليس معلوما بعد مدى نجاح هذه الخطوة مع كندا أو المكسيك أو أنها ستنجح في خفض العجز. ولكنها تدلل على أن ترامب انتقل بالجدل الى موضوع آخر.