أفكار وآراء

نحو إصلاح نظم الضرائب الخليجية

07 أكتوبر 2017
07 أكتوبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

mrhamza1010@gmail .com -

عند استعراض السياسة الاقتصادية في دول الخليج العربية نجد أن الموارد المالية المحصلة من النظم الضريبية لخزائنها لا تكاد تُذْكر. ذلك رغم أن دول الخليج العربية تدعي أنها دول رأسمالية الاقتصاد، أي أن اقتصاداتها تتبع نظام السوق، غير أن الواقع يقول غير ذلك، إذ أن النظم الضريبية، كتشريعات، صيغت لصالح شركات ومصالح القطاع الخاص وليس لصالح دخولها القومية. والسبب هو تفرد الحكومات بملكية وإدارة قطاع النفط والغاز الذي كرس حالة تيسير النظم الضريبية على القطاع الخاص حتى صار من غير اليسير إعادة صياغتها بما يعزز الماليات العامة لدول الخليج العربية. وكانت هذه هي حجة القطاع الخاص الذي تنعم بجبايات ضرائب ورسوم لا تماثلها في النظم الرأسمالية.

ومع تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014 وتواصل تراجعها خسرت الماليات العامة لدول الخليج العربية أكثر من ثلثي مواردها المالية فلجأت الحكومات أولاً إلى التقشف الذي تمثل بتقليص دعم الأسعار وزيادة بعض الرسوم على الخدمات العامة وتقليص الإنفاق العام. وبعد أن وجدت الحكومات أن الموارد المالية من تلك الإجراءات غير كافٍ ولا يسد العجز الذي تراكم في موازينها المالية السنوية؛ بدأت تفكير إداراتها المالية بالضرائب. وجاء هذا التوجه متأخرا. فحسب كبرى بيوت الخبرة المالية والمحاسبية في الخليج والمعتمدة لدى الحكومات خليجية مثل «كي بي ام جي» أكدت أكثر من مرة في مؤتمرات صحفية أن الأنظمة المحاسبية المعمول بها حاليا بالمؤسسات والشركات غير جاهزة فعليا لتطبيق أي نظام ضريبي جديد.

ومن المسلمات في الفكر الاقتصادي أن المورد المالي الأساس للدولة في النظم الرأسمالية هي الضرائب ، فإن لم تكن هناك نظم ضريبية فعالة فإن على حكومات الدول ان تُعدِّل تشريعاتها نحو استيفاء حقوقها المالية من أرباح أنشطة وفعاليات القطاع الخاص الإنتاجية والخدمية والتجارية إن أراد أن القطاع الخاص الإبقاء على الاقتصاد رأسماليا تتحكم فيه قوانين السوق، أو أن تتجه الحكومات نحو ملكية وإدارة الأنشطة الاقتصادية ــ فالنظام الضريبي في المملكة العربية السعودية طبق جباية أنواع من الضرائب لسد الحاجة للموارد المـالية قبل استثمار الثروة النفطية وبعد ذلك اتجهت الحكومة السعودية إلى إلغاء العديد من الضرائب مكتفية بفرض ضريبة الدخل يسيرة جدا على فاللائحة التنفيذية لنظام ضريبة الدخل في المملكة تستحق على الأشخاص والشركات الأجنبية أما السعوديون فيخضعون للزكاة الشرعية، وأما الشركات والمصارف المؤلفة من سعوديين وغير سعوديين فتحصل الضريبة على نصيب غير السعوديين من الأرباح بينما لا يكلف السعودي إلا بدفع الزكاة. وتعتبر مصلحة الزكاة والدخل هي الجهة المسؤولة عن إدارة وتحصيل ضريبة الدخل والزكاة الشرعية بالمملكة.

ــ في دولة الإمارات العربية المتحدة صنف النظام الضريبي في دولة الإمارات العربية المتحدة كأكثر الأنظمة الضريبية جاذبية على مستوى العالم، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي. وأوضح التقرير أن معدلات الضرائب في منطقة الخليج العربي الأكثر جاذبية للمستثمرين على مستوى العالم. فقد احتلت كل من دولة الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية المراكز الثلاثة الأولى على التوالي في جاذبية النظام الضريبي. ووفقاً للتقرير فإن الشركات في الإمارات تستفيد من النظام الضريبي المنخفض إضافة إلى استفادتها من وجود الكثير من المناطق الحرة تعفى فيها الشركات من كل الضرائب. وحسب مرسوم ضريبة القيمة المضافة الذي صدر في 27 أغسطس 2017 فإن نسبة 5% ستفرض على استيراد وتوريد السلع والخدمات في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع وعلى التوريد الاعتباري. واعتمد مجلس إدارة الهيئة الاتحادية للضرائب في 5 سبتمبر 2017 خطط المرحلة المقبلة للهيئة متضمنة الإجراءات المتعلقة بتطبيق الضريبة الانتقائية الشهر المقبل وضريبة القيمة المضافة بداية العام المقبل

ـــ وفي دولة قطر اعتبرت مؤسسة «إرنست ويونج» المالية المحاسبية أن النظام الضريبي في قطر هو الأفضل في المنطقة. وإن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج إلى تمويل البرامج الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي بات يفرض ضغوطاً مالية واضحة تتطلب تعزيز كفاءة عمليات تحصيل الضرائب في سبيل تنشيط الأموال العامة التي استنزفتها الاضطرابات المالية والحاجة إلى توفير الإعانات الاجتماعية. أضف إلى ذلك أن الأنظمة الضريبية الحالية تشكو من المحدودية الناجمة عن البساطة النسبية للتشريعات، التي لا تتضمن عموماً ضرائب غير مباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة. وبادرت قطر إلى تبسيط نظامها الضريبي عبر إلغاء معدلات ضريبة الشركات التي تتراوح بين 0% إلى 35% تبعاً للدخل، واستبدالها بمعدل ثابت قدره 10% على الأرباح الخاضعة للضريبة، باستثناء الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة أو الهيئات الحكومية الأخرى وكافة العمليات البترولية حيث ما زال المعدل الضريبي البالغ 35% ساري المفعول.

ــ وفي دولة الكويت وافق مجلس الوزراء بالكويت في 28أغسطس 2017 على مشروع قانون الاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومشروع قانون بشأن الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لمجلس التعاون.

وتقضي اتفاقية الضريبة الانتقائية بفرض ضرائب على التبغ ومنتجاته والمشروبات الغازية بنسب تصل إلى 100%، كما تقضي ضريبة القيمة المضافة بتطبيق ضريبة 5% على استيراد وتوريد السلع والخدمات بين دول الخليج العربية.

ـــ وفي مملكة البحرين قالت مصادر رسمية: إن «مشروع ضريبة القيمة المضافة في مراحله النهائية، مبينا أن مختصين من مجلس الوزراء البحريني عكفوا على دراسة المشروع من جميع جوانبه، بمشاركة مؤسسات استشارية من داخل البحرين وخارجها ومن المقرر أن يبدأ تطبيق ضريبة القيمة المضافة في الأول من يناير عام 2018.

كما أن التوجه العام في المملكة فرض ضرائب مباشرة (ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الدخل)، أو فرض وتعديل رسوم الخدمات، أو غيرهما، يأتي في ظل غياب الخيارات الرسمية للحد من الأزمة المالية، فلم يبقَ أمام الحكومة حاليّاً إلا الخيار الثالث والوحيد، وهو زيادة الاعتماد على إيرادات الرسوم والضرائب والخدمات، وهو التوجه الرسمي الحالي والواضح.

ــ وفي السلطنة صدر قانون ضريبة الدخل الجديد بالمرسوم السلطاني 28/2009 المعمول به اعتبارا من أول يناير 2010‎م. ليسهم في تحقيق الأهداف التي وردت في قانون ضريبة الدخل الذي تضمن العديد من المزايا الضريبية المشجعة للقطاع الخاص وبهدف تبني سياسة قادرة على تعزيز المناخ الاستثماري والجهود الرامية لتنويع مصادر الدخل القومي في السلطنة، ومن أهم ملامح القانون الالتزام بسياسة تشجيع استثمار رأس المال الأجنبي. والمساواة بين المؤسسات والشركات العمانية ومثيلاتها الأجنبية في المعدلات الضريبية. وتبسيط الإجراءات الضريبية وعلى الأخص مراعاة وضع المؤسسات والشركات العمانية الصغيرة لتخفيف العبء الضريبي عليهم. ومع ذلك فلا بد أن تكون الموارد المالية المحصلة من الضرائب منسجمة مع المزايا التي تمنح لشركات القطاع الخاص الوطنية منها والأجنبية.

لذا فإن الإصلاحات الضريبة في دول الخليج العربية كافة يجب أن تكون معززة للإيرادات العامة. وينبغي أن تكون مجدية دون التأثير على التنافسية التي يتطلع لها القطاع الخاص. وينبغي أن يتضمن الإصلاح الضريبي فرض نسب ضريبية متوازنة على الشركات، مع ضرورة توسيع الوعاء الضريبي لشمول المنشآت كافة. كما ينبغي إعادة النظر في هيكل النسب الضريبية على الدخل الشخصي ومساهمات الضمان الاجتماعي في ضوء تأثيرها الذي يمكن أن يكون كبيراً على حوافز سوق العمل، وخاصة بين الشباب. وينبغي أن يترافق هذا مع مراجعة للنطاق الذي تغطيه المنافع المقدمة، وتكتسب الإصلاحات الضريبية أهمية خاصة كمورد كبير ومستديم لمالية الدولة في معظم البلدان النامية التي يتطلع القطاع الخاص فيها الى أن تتطور نظم ملكية وسائل الإنتاج وإدارتها والأنشطة التجارية والخدمية الأخرى والنظام المصرفي فيها إلى نظام السوق والحرية الاقتصادية (الرأسمالية).