1124606
1124606
إشراقات

ترشـيـــد استـهــلاك الـمــاء والكهــرباء فــــي المسـاجـد.. واجب ديني ومطلب وطنـي

05 أكتوبر 2017
05 أكتوبر 2017

نعمتان عظيمتان -

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

لا يستطيع أي إنسان ولا أي كائن من كان على وجه الأرض أن يعيش دون ماء، فالماء أساس الحياة.. والله عز وجل خاطب في كتابه العزيز جموع المؤمنين أن يلتزموا بما أمر الله وأن يسلكوا منهج الله في تعاملهم مع الثروات، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة والمرجع والمصدر الثاني للتشريع. وعندما ندرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نرى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء.

الماء والكهرباء نعمتان عظيمتان من الرحمان على الإنسان، ساهما إلى حد كبير في تغيير حياة الإنسان خاصة بعد أن تطوّرت المرافق التي يستخدمها البشر اليوم، فصار استخدامهما في البيوت اليوم وهي نعمة أخرى من النعم الغالية التي ينبغي المحافظة عليها بعد أن عانى أجدادنا وجداتنا سابقا في البحث عن الماء والنور وبذلوا في ذلك مشقة عظيمة وتعبا غير مسبوق، ولا يشعر شبابنا اليوم وجيل الحاضر بهذه المعاناة القاسية التي كانت سائدة لأنهم لم يذوقوا مرارتها، ولم يتعبوا في جلبها، ولأنهم لم يعيشوا تلك الأيام الصعبة التي عاشها الأولون، فعلا كانت صعبة جدا حيث لا يتوفر الماء الصالح للشراب ولا الماء الصالح للاستعمال لانعدام الوسائل لجلبه بل والمشي ساعات ربما والحمل على الأكتاف ربما للحصول على لترات قليلة من الماء أو الحصول على شيء من الكيروسين لإنارة البيت بالفنار أو المصباح بل إن بعضهم لا يحصلون على ذلك ويكتفون كما في السابق بجمع الحطب وإشعال النار واستعمالها للإنارة والتدفئة.

كل ذلك يبيّن مدى الحاجة الكبيرة للماء والنور في أي زمن من الأزمان ولكن العصور تختلف والأزمان تأتلف، فلا يستطيع أي إنسان ولا أي كائن من كان على وجه الأرض أن يعيش دون ماء ولا نور، فالماء أساس الحياة كما قال سبحانه وتعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وهو شريانها وأساس وجودها، وإذا انعدم انعدمت الحياة تماما ولم تعد لها قائمة، أما الكهرباء فاستخداماته متعددة وأصبح ضرورة من ضروريات الحياة أيضا لأنه يستخدم في مجالات كثيرة في الحياة ويساعد الإنسان على تنظيم عيشه وفق ما أراد الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، إذ به يستنير طريقه ويضيء بيته ويطبخ طعامه ويدفئ مكانه ويبرد الجو الحار بالداخل ويستعمله في الصناعات المتنوعة ويقضي به حوائجه في أسرع وقت ممكن، يستخدمه الإنسان العادي والبنّاء والنجّار والحدّاد، بل إن كل صنعة اليوم تستخدم الكهرباء وسيلة لتحقيق الغرض، حتى الأجهزة الإلكترونية كلها وجميعا لا تعمل إلا بالكهرباء، هذه الطاقة العجيبة التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأنعم بها علينا اليوم كيف نحافظ عليها؟ وكيف نستطيع أن نجعلها في صالحنا لا في هلاكنا؟ فالماء والكهرباء نعمتان ويمكن أن يتحولا إلى نقمتين ولكن كيف؟.. نعم يمكن ذلك إذا أسرف في استعمالهما وأهمل صيانة المحركات التي تعمل بهما ولم يبال بخطورتهما نتيجة الإهمال والإسراف لذلك جاء التحذير الرباني مدويا في القرآن حيث حذر المولى تبارك وتعالى من الإسراف والتبذير بل جعل المبذرين إخوان الشياطين عندما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) فأيا كان نوع التبذير وفي أي مجال من مجالات الحياة، منبوذ من الرحمان، وما ينبغي على الإنسان إلا الإذعان، لله القوي المنان، الذي له ملك الأرض والسماوات، سبحانه وهو العالم بأسرار الإنسان، وهو القاهر فوق عباده وهو العلي المتعال. والله عز وجل خاطب في كتابه العزيز جموع المؤمنين أن يلتزموا بما أمر الله وأن يسلكوا منهج الله في تعاملهم مع الثروات، والرسول صلى الله عليه وسلم أبلغُ دليل على ذلك فهو القدوة والأسوة والمرجع والمصدر الثاني للتشريع.

وعندما ندرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نرى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء، فقد روي عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مرّ بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: «ما هذا الإسراف؟»، فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال: «نعم وإن كنت على نهر جار» أخرجه بن ماجه، وأخرج مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد»، وفي ذلك توجيه نبوي واضح لمن يسرف الماء في الوضوء كأن يطلق الصنبور على آخره ويتوضأ على راحته والماء يجري كالنهر بين يديه وأرجله ولا يبالي بما يفعله، إنه الإسراف بعينه كما شدد على ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

ومن النهي المحرم أن يفكر مسلم اليوم أن المساجد والجوامع التي تشرف عليها الدولة في أي مكان مرتع للإسراف، حيث لا يحق لأي مسلم أن يسرف في الماء أو الكهرباء لاعتقاده أن الماء والكهرباء في الجامع أو المسجد من مال الدولة ولا ينبغي لأيّ كان أن يحتج عليه، أو ينهاه عن التصرف في هذه الأدوات، غير أن الناس لا يأبهون بما يفعلون عندما يقدمون بمثل هذه التصرفات، مما يدعو إلى تكثيف التوعية في هذا المجال وبكل الوسائل الممكنة عبر المحاضرات والدروس والخطب وغيرها لتعليم الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يوما مسرفا في حياته أبدا وحاشا لرسول ونبيّ اصطفاه الله عزّ وجلّ وجعله أفضل مخلوق على وجه الأرض أن يقوم بهذا الفعل وهو يريد أن يعلم أمته أن يسلكوا هذا النهج الرشيد المعتدل في استهلاك هذه النعم التي ربما تزول بتصرفاتنا المعادية والمخالفة بتعاليم النبوة الصادقة، ومعنى ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما يريد أن يربّي أمته على حفظ النعمة للأجيال القادمة وبيان أن الله تبارك وتعالى توعّد المسرفين بالعذاب الأليم عندما قال في كتابه العزيز: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) فما معنى أن يعبد الإنسان ربه ويعصيه في أوامر أخرى، يؤدي الصلاة الركن وينسى الأمر بالاعتدال والاقتصاد والترشيد، إنه لأمر عجيب.

وعندما لا تؤثر فيهم مثل هذه التوعية بالموعظة الحسنة، ويواصل البعض الإسراف في هاتين النعمتين قد تضطر الدولة إلى اتخاذ إجراءات تراها مناسبة للحد من هذا الإسراف سواء في الماء أو في الكهرباء، ومن هذه الإجراءات غلق المساجد والجوامع بداية من بعد صلاة الفجر إلى قبيل الظهر ومن بعد صلاة العشاء بساعة إلى قبيل صلاة الفجر، وبهذه الطريقة يمكن أن تستفيد في هذه الفترات من الترشيد في الاستهلاك.

وأما بقية الفترات فيقع توجيه المصلين إلى عدم ترك صنابير المياه مفتوحة والإبلاغ عن أي تسرب يقع في أنابيب المياه أو أي خلل في أي من نقاط الإضاءة، وبهذه الإجراءات سوف يتعوّد المصلون شيئا فشيئا عليها حتى تصير عادة إن يتخذوها عبادة تكون في صالح الجميع، وحتى لا يكون هناك ضرر لأي منهم عند الاستخدام الخطأ.