1124148
1124148
إشراقات

المحافظة على مرافق الوطن ومقدراته والانتماء إليه.. واجب حث عليه الدين الحنيف

05 أكتوبر 2017
05 أكتوبر 2017

الإسلام يبني شخصية المسلم على الاقتصاد والاعتدال في شؤون حياته كافة -

التقاهما : سالم بن حمدان الحسيني -

المساجد ينبغي أن يكون لها الدور الرائد في توجيه المجتمع في قضية الترشيد في استهلاك الماء والكهرباء، ولا يكون ذلك فعالا إلا بأن تكون هي القدوة في ذلك.. وأن يكون لمرتادي المساجد والقائمين عليها وعي بأن الترشيد والاعتدال في كل شيء مطلب رباني، كما أن شكر النعمة ودوامها يكون بحفظها وحسن استغلالها.. وأن من الأمانة حفظ مقدرات الوطن، وما يلاحظ من إفراط بعض الأفراد في استخدام المياه في المساجد هي ظاهرة مجتمعية خاطئة.. جاء ذلك في اللقاء التالي مع إمامي جامع السلطان قابوس بروي وجامع محمد الأمين بولاية بوشر.

وأضافا: لابد من إيجاد السبل المثلى للحد من هذه الظاهرة، وأن يكون للجهات المعنية وأئمة المساجد والمجتمع بشكل عام دور في التوعية بأهمية ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه وتعريف مرتادي المساجد بأفضل الوسائل والممارسات والإجراءات التي يستطيعون من خلالها التقليل من كمية المياه المهدرة وترشيد استهلاك الكهرباء.

الجاليات غير العربية تحتاج إلى توعية وإرشاد من خلال الوعاظ الملمين بلغاتهم والاستعانة بالمنشورات والملصقات الموجهة إليهم

 

بداية يحدثنا الشيخ يحيى بن سالم الهاشلي- إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بروي فيقول: جاء التوجيه الرباني لعباده بعدم الإسراف الذي هو تجاوز الاعتدال في النعم المباحة في سياق ذكر الأمر بالتزين عند المساجد والأكل والشرب فقال سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).. بهذا يبني الإسلام شخصية المسلم على الاقتصاد والاعتدال في شؤون حياته كافة، ولا يقتصر هذا الأمر على النواحي المعيشية من لباس وأكل وشرب بل حتى في أمور عبادته، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل رآه يسرف في الوضوء (لا تسرف ولو كنت على نهر جار) فإن هذا التوجيه النبوي يؤكد أن الإسلام جاء ليبني مجتمعا قوامه حفظ النعم والاعتدال في توظيفها في جميع مناحي الحياة.وأضاف: وفي هذا العصر يسر الله لعباده أمور حياتهم بما فتح عليهم من توظيف العلوم في خدمة الإنسان مما سهل عليهم من أمر الحياة ما كان صعبا إلى وقت ليس بالبعيد على من عاش قبلنا، ومن صور التيسير هذه ما نراه في المساجد من دخول خدمات المياه والكهرباء إليها حالها كحال البيوت وكل المرافق المهمة، فأصبح الإنسان يتوضأ لصلاته دون عناء يذكر، ويدخل للصلاة في المسجد البارد الهواء في لهيب الصيف وقد أضاءت المصابيح ظلمة الليل فيصلي في طمأنينة وسهولة، فكانت هذه النعم من الله مستحقة للشكر و للحفظ والله القائل:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

وأشار الى إن مما يؤسف أن المشاهد من أحوال بعض الناس في المساجد عدم الالتزام بما وجه له الشرع الحنيف عموما من حفظ النعم ولزوم الاعتدال وعدم الإسراف، ففي جانب استخدام المياه يلاحظ من البعض عدم الالتزام بالضابط الشرعي في الوضوء فيهدر في استخدام الماء وكأنه غير محاسب على ذلك وقد سبق التوجيه النبوي بعدم الإسراف فيه، كما يلجأ البعض إلى استخدام الماء المخصص للمساجد وقاصديها في أمور أخرى توقعه في دائرة هدر المال العام أو أموال الوقف كمن يقوم بغسيل سيارته وبسرف وهدر كل ذلك اعتقادا منه أن هذا الماء مجاني فلا بأس بأخذه والأصل أن هذا الماء خصص لأغراض المسجد؛ وفي جانب استخدام الكهرباء من المؤسف أن تترك المساجد وقد شغلت مكيفاتها أجمع ومراوحها وتنار الإضاءة فيها بأكملها في أوقات لا يكون في أحد ولساعات طوال فهذا أمر لا يرضاه الله لعباده فهو لا يحب المسرفين.

وأوضح الهاشلي أن المساجد ينبغي أن يكون لها الدور الرائد في توجيه المجتمع في قضية الترشيد في استهلاك الماء والكهرباء، ولا يكون ذلك فعالا إلا بأن تكون هي القدوة في ذلك وبتوظيف التقنيات الحديثة ما أمكن كإعادة استخدام مياه الوضوء في استخدامات أخرى وإدخال أنظمة ذكية لعمل الأجهزة الكهربائية من مكيفات وإضاءة كالمؤقتات التي تقوم بتشغيلها في أوقات الحاجة، وقبل ذلك وبعده أن يكون لمرتادي المساجد والقائمين عليها وعي بأن قضية الترشيد والاعتدال هي مطلب رباني وأن شكر النعمة ودوامها بحفظها وحسن استغلالها وأن من الأمانة حفظ مقدرات الوطن فينبغي منهم أن يعتنوا بصيانة الصنابير وأنابيب تجنبا للهدر الناتج من التسريب وأن يكون هناك اختيار للأنواع التي يقل فيها صرف الماء أثناء تدفقه، وفي جانب استهلاك الكهرباء الموازنة في ضبط درجة التبريد في المكيفات بما يجعل الجو لطيفا لا متجمدا وعدم ترك المكيفات والإضاءة مشتغلة بكامل طاقتها خارج أوقات الصلاة وتوجيه المصلين إلى غلقها في حال الفراغ من الصلاة وعدم وجود أحد فيها، وأن يكون هناك توجيه دائم ومستمر بالنشرات التوعوية والدروس لمرتادي المسجد من كل الفئات ليكون الاعتدال سمة في الجميع فذلك داخل في باب الإحسان والله يحب المحسنين ولا يحب المسرفين. مشيرا إلى ان الجاليات الآسيوية هي الأكثر فئة تحتاج إلى توعية وإرشاد لأنها غير واعية لهذه المشكلة فينبغي من الجهات التي تقوم بالتوعية ومن ضمنها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ومن خلال الوعاظ والأئمة التطرق في خطب الجمعة والدروس الموجهة لهذه الجاليات من خلال الوعاظ الملمين بلغاتهم والاستعانة بالمنشورات والملصقات الموجهة لهم بلغاتهم كذلك كون هذه الجاليات تشكل نسبة لا يستهان بها من مرتادي المساجد.

من جانبه أكد الشيخ متولي الصعيدي إمام الجامع الأزهر الشريف سابقا وإمام جامع محمد الأمين حاليا أن الماء هو أرخص موجود وأثمن مفقود، ولذلك أصبحت مشكلات السرف فيه تشكل خطرا كبيرا، والترشيد هو الاستخدام الأمثل للمياه والكهرباء على حد سواء بحيث يتم الاستفادة منهما بأقل كميات وأرخص التكاليف، مشيرا إلى انه وعندما نتكلم عن الترشيد فإننا نهدف إلى توعية الإنسان أيا كانت وجهته بأهمية المرافق عموما وأهمية المياه على سبيل الخصوص لأنه سر الحياة وأساس الوجود لكل مخلوقات الله عز وجل ولذا قال الله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) فالماء هو المطلب الأول والحيوي لكل تنمية ونمو وازدهار وتقدم ورخاء على كافة المستويات وفي كل المجالات.

وقال: مما يجدر التنبيه إليه أن الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك لا يقصد بها الحرمان من استخدام المياه بقدر ما يقصد بها العمل على تربية النفس على التوسط وعدم الإسراف في الاستفادة من نعمة من نعم الله عز وجل والتي حث عليها في الآية الكريمة قال الله تعالى: (والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) بل عد القرآن الكريم المبذر من إخوان الشياطين حيث قال: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) وعليه فإن العمل على تغيير الأنماط والعادات الاستهلاكية اليومية بحيث يتسم الاستهلاك للفرد أو للأسرة بالتعقل والاتزان والرشاد هو الذي دعا إليه الإسلام.

وأضاف: تأملوا سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم فمما ورد (أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) رواه احمد ومسلم والمد 625 ملي تقريبا، وورد أيضا (أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد) وعن السيدة عائشة رضي الله عنها (أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك) ونحن مأمورون بفعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكذلك مأمورون بتوجيهاته عليه الصلاة والسلام، وقد ورد عن سعد بن أبي وقاص عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه نهى عن الإسراف ولو كان على نهر جارٍ، وقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: (كل واشرب والبس وتصدّق في غير سرفٍ ولا مخيّلة).

وقال: لقد شدد العلماء علي هذا المفهوم فقال محارب بن دثار «من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور» وانظر إلى ما جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله من أن رجلا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عما يكفيه من الماء في الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني للغسل؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، قال: لا أم لك!! قد كفى من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم. مشيرا إلى أن الترشيد في الكهرباء والماء واجب وضرورة ملحة، خاصة في المساجد والمصالح الحكومية والأماكن العامة، وتذكروا كيف كان السلف يحافظون علي السراج وعلى زيت السراج في بيوتهم ومساجدهم، وعليه فواجب ترشيد استخدام المكيفات كما وكيفا، فلا يكون الاستخدام إلا بقدر الضرورة، وواجب على القائمين على المساجد والجوامع والدوائر الحكومية مراعاة ذلك.. مضيفا: انه من الملاحظ من خلال معايشتي لهذا البلد الطيب أن الجاليات الآسيوية هي اكثر الفئات التي تحتاج إلى توعية وبذل الجهد حتى تعي هذه الإشكالية بتبصرتهم بما ينبغي أن يكونوا عليه تجاه تعاملهم مع الماء والكهرباء..

وأوضح الصعيدي قائلا: المسؤولية في الإسلام ليست على وتيرة واحده فهناك مسؤولية فردية تتمثل فيما يدين به كل إنسان لخالقه سبحانه وتعالى كسائر العبادات والفرائض، وهناك مسؤولية جماعية وتتمثل في كيفية معالجة المعضلات التي تتعلق بالمجموع كحب الوطن والعمل على تنميته وتقدمه وأمنه وأمانه وترشيد استهلاك مرافقه لدعم عجلة الإنتاج، وهناك مسؤولية نسبية على حسب الأفراد ومكانتهم ومواقعهم فمسؤولية العالم تختلف عن مسؤولية الجاهل ولقد ارشد إلى ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فمن الخطأ أن يتهاون بعض الناس فيقول هذا من مسؤولية فلان، وتلك من مسؤولية الجهة الفلانية، كلنا مسؤولون عن ذلك متضامنين في القضايا التي تتعلق بمجموع الناس. وإن عدم الشعور بالمسؤولية، ونزعة الاتكالية، وإلقاء التبعة على الآخرين، مصيبة قاتلة، وسبيل لانهيار المجتمع، وضياع لحقوقه ومرافقه، فإذا تنصل المرء من مسؤوليته، وتفلت من التزاماته؛ أصبح عضواً فاسداً وكلاً على مجتمعه، وعبئاً على أمته، ولو تعلل كل مؤمن بتقصير غيره؛ لما بقي في الدنيا حوافز للخير؛ لأن وجود الإهمال في بعض الأفراد أمر لا بد من وقوعه بصورة ما، في كل زمان ومكان، والعقلاء والجادون يتخذون من وقوع الأخطاء عند الآخرين مواطن عظة واعتبار، فيحاولون ما استطاعوا إصلاح الخطأ، وتغيير المنكر، والتعاون على البر والتقوى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

وبين الشيخ متولي قائلا: لا بد من اتخاذ خطوات إيجابية في نشر ثقافة الترشيد أو الاقتصاد في كل شيء، بدءا من البيت مرورا بالمدرسة وانتهاء بالدوائر المؤسسات، ويحتاج ذلك إلى وقفة من الوالدين والمعلمين والخطباء والوعاظ والجمعيات الخيرية والمؤسسات والهيئات والوزارات المختلفة، ووسائل الإعلام المختلفة، ووزارة الأوقاف على وجه الخصوص التي لا ينكر جهدها في التعامل مع القضايا الحيوية والمهمة حيث إنها تصل إلى الناس من خلال اللقاءات والمناسبات وخطب الجمعة وطباعة المطويات وعمل الندوات، ولها في ذلك جهد مشكور، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من التوعية والجهد.

وأوضح أن الوالدين هما المعنيان في المقام الأول لتعويد أطفالهم على الاقتصاد وعدم الإسراف سواء في الطعام أو اللباس أو استخدام الماء في الاستحمام أو حتى الوضوء، الذي يعتبر من القربات إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تصح الصلاة إلا بها وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الإسراف في الوضوء، فقد مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسعد وهو يتوضأ فقال: «ما هذا السرف؟ فقال سعد أفي الوضوء سرف؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم وإن كنت على نهر جار» رواه أحمد وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فليس هناك حد لكمية الماء المستهلك في الوضوء؛ بل المطلوب عدم الإسراف وعدم الإقلال في استخدام الماء؛ لأن شرط الأجزاء في غسل أعضاء الوضوء هو سيلان الماء وجريانه على أعضاء الوضوء إذا أراد أن يتوضأ أو الجسد إذا أراد الاغتسال.

واختتم حديثه بالقول: انتبهوا إلى خطورة الأمر وتفكروا أنه لا شراب إلا بماء، ولا طعام إلا بالماء، ولا دواء إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء، ثم لا زراعة إلا بالماء، بل ولا صناعة إلا بالماء. لم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي والصراع على موارد المياه ومصادرها ومنابعها. الماء هو عماد اقتصاد الدول، ومصدر رخائها بإذن الله، بتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين). وخلاصة القول مراقبة الله عز وجل في استهلاكنا، والاقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعاون والإحساس بشعور المجموع فالإنسان لا يعيش بمعزل عن غيره، مع المحافظة على مرافق الوطن ومقدراته والانتماء إلى الوطن قلبا وقالبا والله من وراء اقصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.