صحافة

نبض الحياة - الدولتان والدولة الواحدة

29 سبتمبر 2017
29 سبتمبر 2017

في زاوية مقالات وآراء كتب عمر حلمي الغول، مقالا بعنوان: نبض الحياة - الدولتان والدولة الواحدة، جاء فيه: الشعب الفلسطيني وقيادته ونخبه السياسية منذ عام 1974 عندما تبنوا في دورة المجلس الوطني النقاط العشر، والتخلي عن هدف الدولة العلمانية الديمقراطية، التي كانت الهدف الناظم للحركة الوطنية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة مطلع يناير 1965، وبعد هزيمة «يونيو 1967» إنما جاء استجابة لشروط الواقع الفلسطيني والعربي والعالمي، وتكريسا للمسألة الفلسطينية في الجيوبوليتك وعلى المستوى الأممي في أعقاب حرب «أكتوبر 1973»، وبعد صدور قراري مجلس الأمن الدوليين 242 و338.

وحققت الثورة الفلسطينية العديد من الإنجازات الوطنية على هذا الصعيد، وتجلى ذلك في دورة المجلس الوطني عام 1988 عندما أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات وثيقة إعلان الاستقلال، ثم تلا ذلك التوقيع على اتفاقيات أوسلو 1993م التي جرى فيها الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير (ولست هنا بمعرض الدخول في التفاصيل والمعطيات السياسية التي آلت لذلك، ولا أود التعرض لمثالب وإيجابيات أوسلو)، حيث كان من المفترض أن تسفر المرحلة الانتقالية في عام 1999 عن معالجة ملفات الحل النهائي (الحدود، المستعمرات، الأمن، القدس، اللاجئين، الثروات الطبيعية وقضية الأسرى) وتبلور إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، غير أن قمة كامب ديفيد في ذلك العام لم تفض إلى أية نتائج مرجوة، واصطدمت بالعقبات الإسرائيلية الأمريكية عشية رحيل الرئيس بيل كلينتون عن رأس الإدارة الأمريكية.

تلا ذلك مصادقة القمة العربية في بيروت على مبادرة السلام العربية 2002م التي قوبلت إسرائيليا باجتياح كامل لمدن وقرى الضفة ومحاصرة الرئيس الرمز ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله.

مع ذلك واصلت قيادة منظمة التحرير العمل مع النظام الرسمي العربي وأقطاب الرباعية الدولية للتمسك بالسلام على أساس خيار حل الدولتين على «حدود 67» حيث وضعت خطة خارطة الطريق 2002 وقمة العقبة 2003 ومؤتمر انابوليس2007 وجميعها أكدت على ذات الخيار السياسي المذكور، وصدر العديد من القرارات الأممية 1397 (2002) و1515 (2003) و1850 (2008) وأخيرا القرار 2334 نهاية 2016.

رغم كل هذه القرارات والتبني الواضح والمعلن من قبل المجتمع الدولي لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، غير أن حكومات إسرائيل المتعاقبة لم تلتزم بأي من تلك القرارات، ولم تبد الاستعداد للالتزام باستحقاقات التسوية السياسية، ومضت دون تردد أو التفات للمجتمع الدولي بخيارها الاستعماري، وضاعفت من سياسات المصادرة والتهويد والأسرلة للأرض الفلسطينية خاصة في القدس، وبعد أن كان عدد المستوطنين المستعمرين في عام 1993 (110) آلاف بلغ الآن ما يزيد عن (700) ألف مستعمر في القدس وعموم الضفة، وهو ما يعني عمليا تبديد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو عام 1967 نتيجة نكوص وتراخي المجتمع الدولي عموما والإدارات الأمريكية خصوصا، وعدم استخدام الأشقاء العرب لأوراق القوة المتوفرة بأيديهم.

نعم الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق في تقرير أهدافه الوطنية، وهو موجود على أرض الدولة الفلسطينية، ويمارس بالقدر المتاح سلطاته السياسية والإدارية والتنموية على أرضه وشعبه، وتم رفع مكانة فلسطين في نوفمبر 2012 لمكانة دولة مراقب في الأمم المتحدة، وأمسى للدولة الفلسطينية مركزها القانوني والسياسي في المؤسسات الأممية، إلا أنه يصطدم برفض إسرائيلي واضح لخيار السلام، وتراخ من المجتمع الدولي والعربي على حد سواء.

وبالتالي هل على منظمة التحرير والشعب الفلسطيني الاستكانة وقبول سياسة الأمر الواقع أم قلب الطاولة؟ وهل المركز القانوني والسياسي للدولة الفلسطينية على حدود «الرابع من يونيو 1967م» يشكل عقبة أمام تدوير الزوايا وهز العصا في وجه إسرائيل والمجتمع الدولي؟ وهل حل السلطة الوطنية الآن التي لا تحكم بالمعنى الدقيق للكلمة هو الجواب على الاستعصاء الإسرائيلي وعدم تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته؟ وهل الذهاب للدولة الواحدة راهنا هو الحل الأمثل؟ قد يكون من المبكر الذهاب لخيار الدولة الواحدة، وأيضا من السابق لأوانه حل السلطة الوطنية.

لاسيما أن لدى القيادة الفلسطينية أوراق قوة يمكن أن تلعب بها، ومنها سحب الاعتراف بإسرائيل، وتسريح أجهزة الأمن الفلسطينية، وتغيير العقيدة الأمنية باقتصارها على بقاء جهاز الشرطة لحماية المواطنين وتنظيم حياتهم، وفي الوقت نفسه مواصلة عملية البناء في مؤسسات الدولة الفلسطينية، والتحلل من اتفاقية باريس الاقتصادية وتبعاتها التدميرية، والذهاب لمجلس الأمن لانتزاع قرارات أممية جديدة لرفع مكانة دولة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وغيرها من القرارات لتعميق مكانة الدولة في المنابر الدولية ذات الصلة، وتفعيل القرارات الأممية السابقة المتعلقة بالحماية الدولية ومحكمة العدل الدولية، والذهاب لمحكمة الجنايات الدولية لملاحقة قادة إسرائيل على جرائمهم ... إلخ. لكن كل ما تقدم لا يلغي في لحظة سياسية معينة إمكانية الذهاب لخيار الدولة الواحدة في حال واصلت القيادة الاستعمارية الإسرائيلية إدارة الظهر لخيار حل الدولتين لا سيما أنها كانت الهدف الأول للشعب الفلسطيني.

ولن تكون الدولة الواحدة خيارا إسرائيليا في يوم من الأيام؛ لأن تبعاتها تضرب من الجذور فكرة الدولة اليهودية النقية رغم أنها تمسك بمقاليد الأمور، وميزان القوى يميل لصالحها؛ لأن الشعب الفلسطيني الموجود الآن في فلسطين التاريخية يساوي عمليا عدد الإسرائيليين فيها، وعندما يتم التحول لتبنيها لن يسمح للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي كما هو، وستتغير معادلة الصراع ذاتيا وموضوعيا. والمستقبل بما يحمله من تطورات لن يكون في صالح إسرائيل الاستعمارية.