humdah
humdah
أعمدة

هنا بودابست!!

25 سبتمبر 2017
25 سبتمبر 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected]  -

جلست بجانبي على طاولة العشاء الذي أقيم على شرف الوفود المشاركة في الاجتماع الذي شاء قدري الجميل أن أشارك فيه، في العاصمة المجرية (بودابست) امرأة كندية في مثل عمري، كانت مذهولة كطفلة بالتجربة بكل تفاصيلها، فقد شاء قدرها أن يتعذر حضور رئيستها في العمل لهذه المهمة، فنابت عنها فيها، كانت تتحدث طوال الوقت وكأنها في حلم جميل تخشى أن تستيقظ منه.

عندما كان يوضع أمامها الطعام كانت تتوقف لحظات لتتأمله وقد اتسعت حدقة عينيها، وارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهها وهي تنقل نظراتها بين الطعام والحضور، في كل مرة كانت تلتفت لي والشخص الذي يجلس على الجانب الآخر: هل تصدقون هذا؟ إنني أجلس هنا على نهر الدانوب، في هذا المبنى التاريخي أتناول هذه الوجبة الأسطورية، محاطة بكل هذا الجمال؟! أنا التي قبل أشهر قليلة لم أكن أحلم حتى بأن أبقى على قيد الحياة!!

واسترسلت تتحدث عن العملية الجراحية التي أجرتها، بكل امتنان، لم تتحدث عن الألم و فترة المرض، وإنما عن ما سمته بمعجزة الشفاء، ونعمة المرض الذي جاء ليوقظها من غفلتها، وجعلها تشعر بالنعمة التي هي فيها.

كنت أستمع لها وهي تسرد النعم التي أفاض بها عليها الرحمن والتي تضمنت وظيفة متواضعة، وحياة صحية، ووجبات ثلاثا تعدها بنفسها في هدوء شقتها المتواضعة، ومعجزة وصولها إلى أوروبا، في رحلة مدفوعة التكاليف، ولقائها بنا.

كنت أستمع إليها، وأنا مذهولة بنقاء هذه المرأة وقدرتها على الامتنان لكل هذه التجارب التي بدت لي عادية جدا حتى تلك اللحظة، ولا تقارن أبدا بالتجارب المتاحة لي، ولا الحياة الثرية التي من بها علي الخالق بكل تفاصيلها.

فقد استمرت رحلتها من كندا حتى بودابست تسع ساعات متواصلة، على الدرجة السياحية للخطوط الكندية، على مقعد ضيق لم يكن فيه حتى شاشة ، عانت طوال الرحلة من الألم كونها لم تستطع أن تمد رجليها بسبب ضيق المكان، وقد جاورها راكب ممتلئ استحوذ على مقعده وجزء من مقعدها، لكن عوضا عن التذمر، كانت ممتنة للكتاب الممتع الذي خفف عليها طول الرحلة.

لا شك أن هذه الرحلة هي من أجمل الرحلات التي مرت علي في حياتي وما أكثرها، لاعتبارات عدة قد أكتب عنها في وقت لاحق، لكن ستظل هذه السيدة هي أجمل تجربة مرت بي فيها، وسأظل ممتنة لها كثيرا على هذه الرحلة التي ساعدتني على تذوقها والاستمتاع بها بشكل مضاعف، كوني كنت أعيش كل تجربة بروحها هي، وكنت أرى كل شيء حولي بعيونها هي..