sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: مع الأيــــام

20 سبتمبر 2017
20 سبتمبر 2017

شريفة بنت علي التوبية -

مع الأيام يقل عدد الأصدقاء، ويقل عدد أولئك الذين راهنا على محبتهم، ويقل عدد الخيارات التي كانت تدهشنا وتربكنا، مع الأيام نبتعد عن أولئك الذين ما ظننا أننا سنبتعد عنهم وسنقترب من أنفسنا كثيراً إلى درجة الالتصاق، مع الأيام سننسحب بهدوء عن حيوات كثيرة كنا نظنها لنا، وستهدأ معاركنا الطاحنة مع الشيء واللاشيء، ولن نسعى لأن ننتصر لأجل أحد ولن نشعر بالهزيمة بسبب أحد، مع الأيام سنصبح أحراراً من عبودية الحياة وعبودية العاطفة والفكرة، وسندرك ذلك المعنى الحقيقي للحرية التي أضعناها في طرق عبوديتنا المتعددة وسندرك أن الكرامة لا تقبل المساومة ولا تقبل الخضوع لأننا بحاجة إلى الحياة بكرامة غير موجوعة ولا مجروحة.

مع الأيام سنتخلى عن أحلامنا الميتة والتي سرنا بها في دروب التيه، وسنتقرب من الواقع أكثر وسنتصالح مع أنفسنا دون أن نفكر فيما سيقوله الآخرون، لأننا سنكون في مرحلة القناعات الناضجة، سنمضي نحو شغفنا، وسنكتشف أن النجاح الحقيقي هو نجاحنا فيما نحب ومع من نحب، مع الأيام سنكون أكثر ميلاً للصمت لأننا سنقتنع أن الكلام لا يجدي بزمن يتكلم فيه الجميع بما يعرف وبما لا يعرف، وأن أصواتنا ضائعة في ضجيج الكلمات التي تبدو كصوت (صرّوخ ) يصرخ في آخر الليل بين حشائش الساقية.

مع الأيام قد نكتشف أننا أحببنا من لا يستحق ومنحنا وقتنا لمن لا يستحق وضحينا لمن لا يستحق وأعطينا من لا يستحق وبكينا لأجل من لا يستحق وتألمنا بسبب شخص لا يستحق، وسنكتشف أن الحُب أجمل كذباتنا وأعذب عذاباتنا، وسنتعجب كم كنا أقوياء بما يكفي لنخدع أنفسنا بالقدرة على الاستمرار في تلك الكذبة الكبيرة في عالم يتيم من الحب، مع الأيام يصغر السؤال وتصغر مساحة الإجابة، ولن نكون معنيين بالبحث عن الإجابة الصحيحة لأن كثير من الأسئلة كانت خاطئة، وسنكتشف أننا ما عدنا نبحث عن إجابات بقدر ما نبحث عن قناعات وعن أسباب تقنعنا بالبقاء على درب كنا نسير عليه وما زلنا، مع الأيام سنتخذ قرارات ما كنا نجرؤ على اتخاذها، لأن من كانوا يحبوننا قد غادرونا، ومن كنا نحبهم قد غدروا بنا، ومن كنا نتمسك بهم قد أسقوطنا من ظهر الحصان في عدونا السريع خلفهم، ومن كنا نحيا لأجلهم قد رحلوا عن حياتنا، لحظتها سنكون أحراراً بما يكفي لأن نفعل ما نشاء دون أن نلتفت لأحد أو نفكر بما سيقوله الآخر عنّا .