أفكار وآراء

حوار جاد حول قضايا الانتحال

17 سبتمبر 2017
17 سبتمبر 2017

أ.د. حسني محمد نصر -

شهد الأسبوع الماضي زخما ثقافيا وإعلاميا كبيرا حول ظاهرة الانتحال في المنتج الإبداعي العُماني، والأدبي والإعلامي منه على وجه التحديد. خلال الأسبوع نشرت صحيفة عُمان تحقيقا صحفيا موسعا حول الظاهرة أعده عبدالله بن سيف الخايفي، وحمل عنوان «الانتحالات… نتاج أقلام غرف الظلام»، تحدث فيه رؤساء تحرير وصحفيون وكتاب وأكاديميون ومحامون، عن خطورة الظاهرة على الثقافة الوطنية وعلى سمعة ومكانة المنتج الثقافي والإعلامي العماني. في نفس الأسبوع استضاف برنامج «ملف الأسبوع» بتلفزيون سلطنة عمان عددا من الكتاب والصحفيين ورؤساء التحرير والأكاديميين والقانونيين في حلقة من البرنامج حملت عنوان «سرقات أدبية وفكرية وصحفية مع سبق الإصرار»، تناولت بالرصد والتحليل أبعاد الظاهرة وسبل التصدي لها.

هذا الزخم يؤكد أننا بالفعل أمام ظاهرة سلبية يعاني منها قطاع الإبداع والنشر في السلطنة. وهي ظاهرة شجع على انتشارها وتناميها في السنوات الأخيرة تطور شبكة الويب وسهولة استخدامها التي أتاحت لمستخدميها إمكانية الوصول إلى كم هائل من المحتوى الأدبي والمعرفي المنشور على المواقع الإلكترونية المختلفة، وهو ما شجع البعض على السطو على إبداعات الآخرين ونسبتها لأنفسهم دون الإشارة إلى المصدر. والحقيقة أن هذه الظاهرة ذات الجذور التاريخية الضاربة في القدم كسلوك إنساني لا يمكن القضاء عليه، مثله مثل سلوك السرقة المادية، لا تقتصر على النصوص الأدبية والصحفية وإنما تمتد إلى البحوث العلمية وربما الكتب، ولا تقتصر على دولة واحدة بل تعاني منها كل دول العالم تقريبا، ولذلك فإن جهود الدول في هذا المجال تركز على الحد منها، وذلك عبر ثلاث آليات، الأولى هي التشريعات والقوانين والأنظمة التي تحمي حقوق المؤلف الأصلي وتجرم فعل الانتحال والسرقة الأدبية والفكرية وتعاقب مرتكبه، والثانية تشجيع المؤسسات المعنية مثل الجامعات وجمعيات ونقابات ومجالس الصحافة على ملاحقة المنتحلين ومنحها صلاحيات تمكنها من تتبع هذا الأفعال وكشفها وعقاب من يثبت عليه ارتكابها، والآلية الثالثة هي نشر الوعي العام بخطورة هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على فكر وثقافة المجتمع من خلال برامج التعليم والحملات الإعلامية الهادفة.

على المستوى القانوني بدأت سلطنة عمان مواجهة الظاهرة باعتبارها تندرج ضمن حقوق الملكية الفكرية في يونيو من عام 1996 بقانون حماية حقوق المؤلف الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 47/‏‏‏1996 والذي تم نسخه في عام 2000 بقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 37/‏‏‏2000. وفي عام 2008 تم إلغاء القانون السابق وإصدار قانون جديد لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بالمرسوم السلطاني رقم 65/‏‏‏2008، وهو القانون المعمول به حاليا بعد أن عدلت بعض أحكامه بالمرسوم السلطاني رقم 132/‏‏‏2008 ويتوافق مع اتفاقيات الملكية الفكرية التي ترعاها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو). وصدرت اللائحة التنفيذية للقانون عن وزارة التجارة والصناعة بموجب القرار الوزاري رقم 103/‏‏‏2008.

على المستوى المجتمعي بدأت المواجهة بمبادرات شخصية لبعض المدونين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي الذين استخدموا برامج كشف الانتحال في تتبع بعض الحالات التي نشرتها دوريات علمية وصحف. وتنسب المحاولة الأولى إلى المدون والمترجم احمد المعيني الذي أسس في مارس من عام 2014 مدونة «انتحالات» على موقع التدوين الشهير «بلوغر»، وتم ربطها بحساب يحمل نفس الاسم على فيسبوك بلغ عدد متابعيه نحو 1300 متابع. وتحمل المدونة شعار «من يعرض سرقته في العلن، يُكشف في العلن»، وعَرف المدونة بأنها « فريق عمل من عُمان يهدف إلى كشف حالات الانتحال (السرقة الأدبية) في الكتابات المنشورة في وسائل الإعلام العربية)، كما عرف الانتحال بانه استخدام عبارات أو أفكار مأخوذة من كتاباتٍ أخرى دون ذكر مصدرها، سواء أكان ذلك نتيجة إهمالٍ أم سرقة متعمّدة». وقد وثقت المدونة خلال سنواتها الأربع 24 حالة انتحال شملت كتبا ومقالات صحفية لكتاب عمانيين وعرب. ومع تراجع النشر في المدونة في العام الحالي (حالة واحدة فقط)، حمل راية كشف الانتحالات الإذاعي والكاتب سليمان المعمري من خلال صفحته على موقع فيسبوك، واستطاع أن يعوض إلى حد كبير غياب مدونة المعيني وكشف عن حالات انتحال عديدة في الشهور الأخيرة خاصة في الصحف اليومية. هذه الجهود الفردية خلقت وعيا بظاهرة الانتحال، يكشف عنه حجم التفاعل الكبير الذي أبداه رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الحالات التي تم كشفها، سواء من خلال مدونة انتحالات او صفحة المعمري، وهو ما دفع الصحف والتلفزيون إلى الاهتمام بالظاهرة وإجراء تحقيقات صحفية وبرامج تلفزيونية حولها. ويحسب للإعلام العُماني التقليدي اهتمامه بالنشر عن الظاهرة واستجابته الموضوعية وفتح صفحاته لمناقشتها رغم ما طال بعض الصحف من اتهامات في بعض هذه الحالات.

خلاصة القول إننا أمام تنام واضح للوعي المجتمعي العام بظاهرة الانتحال التي تمثل اعتداء صريحا على حقوق الملكية الفكرية لصاحب النص الأدبي أو الصحفي الأصلي من جانب، وتجريفا للفكر والثقافة وعرقلة التجديد من خلال إعاقة الإضافة المعرفية والإبداعية عبر الترويج للسطو السهل على أعمال الآخرين. هذا الوعي المحمود ما كان له أن يحدث لولا عدد من «المناضلين» الأوائل من المدونين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي العمانيين الذين كان لهم الفضل في تبني حملة غير مخططة تعتمد على الجهود الفردية لكشف بعض حالات الانتحال في المنتج الثقافي والأدبي والعلمي والإعلامي. هذا الجهد الفردي الذي ايقظ الوعي بخطورة ظاهرة الانتحال، آن له، بعد هذا الزخم الذي اشرنا إليه، أن يتحول إلى جهد مؤسسي منظم تتولاه إحدى الجهات الكثيرة المعنية بالثقافة والإعلام، وعلى رأسها بالطبع وزارة الإعلام إلى جانب وزارة التراث والثقافة، وجمعيات الصحفيين والكتاب والأدباء وأقسام وكليات الإعلام بالسلطنة، ويقوم على متابعة ما ينشر في الصحف والمجلات ومنصات النشر الأخرى وكشف حالات الانتحال وحالات انتهاك أخلاقيات العمل الإعلامي والصحفي الأخرى مثل خلط الإعلان بالمادة التحريرية، ونشر الإعلانات المضللة، وخلط الخبر بالرأي، واستخدام المصادر المجهولة، وعدم احترام حقوق الزمالة، وعدم الالتزام بحق الرد والتصحيح، ورصدها وإصدار تقارير شهرية او ربع سنوية، يتم نشرها وتزويد وسائل الإعلام بها.

ان الكشف عن الانتحالات الأدبية والفكرية والانتهاكات الأخلاقية الأخرى في الصحافة، يجب أن ينظر إليه على انه حفاظ على حق أصيل من حقوق القراء التي يجب الحفاظ عليها إذا كنا جادين بالفعل في الحفاظ على صناعة الصحافة سواء الورقية أو الإلكترونية التي تخوض حربا غير متكافئة مع وسائط النشر الأخرى مثل شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية.