أفكار وآراء

كوريا الشمالية.. والاستفادة من خبرة الماضي

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

إيغور ايفانوف -

ترجمة قاسم مكي -

موسكو تايمز -

يتابع العالم بأجمعه الأحداث المثيرة، التي تتكشف حول كوريا الشمالية، باهتمام عظيم. ويتزايد باطراد قلق الساسة والخبراء والصحفيين والدبلوماسيين من العواقب الكارثية التي يمكن أن تنشأ عن الأزمة الحالية ليس فقط بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية ولكن للسياسة الدولية عموما. كما تخلف التصريحات والتعليقات الكثيرة التي يتم الإدلاء بها إحساسا كئيبا باليأس وانسدادا تاما أمام أي محاولة للبحث عن حل للمشكلة. فمن جهة، يبدو أن الجميع يدركون جيدا (ربما فيما عدا الصقور أو المتشددين الأمريكيين الأكثر افتقارا للمسؤولية) بأنه لا مجال للحل العسكري. ومن جهة أخرى يبدو ليس ثمة سبيل لإطلاق آلية مفاوضات تجعل من الممكن تضمين حل للمشكلة في الحوار السياسي السائد. نعم يجري طرح بعض المبادرات ولكنها حتى الآن تفشل في خفض التوترات. هل الوضع ميؤوس منه إلى هذا الحد؟ كتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقال حديث له أن «.... سياسة الضغط على بيونج يانج لوقف برنامجها الخاص بالصواريخ النووية خاطئة ولا طائل من ورائها.» وأضاف بوتين «يجب تسوية مشاكل المنطقة فقط من خلال الحوار المباشر من جانب كل الأطراف المعنية وبدون أية شروط مسبقة. فالاستفزازات والضغوط واللغة المسيئة والمشربة بالروح العسكرية طريق مسدود.» يرتكز هذا الاستنتاج على الخبرة السياسية المستفادة من المفاوضات حول برنامج إيران النووي وكذلك المفاوضات المباشرة مع كوريا الشمالية التي نشطت في أوائل العشرية الأولى من القرن الحالي . لقد أتيحت لي الفرصة للمشاركة في هذه الأخيرة. كان الوضع حول كوريا الشمالية ملتهبا أيضا في أواخر التسعينات. وكانت توجد أكثر من أزمة. وفي الأثناء لم يكن كيم جونج إيل، زعيم كوريا الشمالية وقتها، المفاوض الأفضل في المسائل النووية. وكما هي الحال الآن، كان يوجد متهوِّرون في واشنطن يدعون إلى «حل عسكري» للقضية النووية الكورية الشمالية. ولكن في ذلك الوقت توافر لدى قادة القوى العظمي ما يلزم من إرادة سياسية وقدرة تحمل وصبر للبحث عن تسوية سياسية. واستلمت موسكو زمام المبادرة. ففي فبراير من عام 2000، وقعت روسيا معاهدة للصداقة وحسن الجوار والتعاون مع كوريا الشمالية في بيونج يانج. وفي يوليو 2000 وصل بوتين إلى كوريا الشمالية في زيارة رسمية تلبية لدعوة كانت حدثا غير مسبوق من جانب كيم جونج ايل. عقد الزعيمان خلال تلك الزيارة مفاوضات مطولة حول قضايا دولية واسعة النطاق بما في ذلك بالطبع المسألة النووية. ومن بيونج يانج ذهب الرئيس بوتين إلى أوكيناوا في اليابان للمشاركة في قمة مجموعة الثماني حيث كان، وهو الذي يملك معلومات أولية ومباشرة، المتحدث الرئيسي في النقاش الذي دار حول القضية الكورية الشمالية. وسرعان ما تأسى الناس بروسيا. فالمبعوثون الأجانب بدأوا يتوافدون على بيونج يانج وتكثف الحوار الكوري- الكوري. وفي أكتوبر 2000 زارت وزيرة الخارجية الأمريكي حينها مادلين أولبرايت كوريا الشمالية لمقابلة كيم جونج إيل وناقشت من بين مسائل أخرى إمكانية قيام الرئيس بيل كلنتون بزيارة بيونج يانج. وتم بنجاح إطلاق آلية المباحثات السداسية حول سبل حل الأزمة المتعلقة بالبرنامج النووي الكوري الشمالي. ضمت تلك المباحثات 6 أطراف هي روسيا والصين والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بجانب كوريا الشمالية. وخلال عدة جولات من المفاوضات ناقشت الأطراف شروطا محددة لضمان الوضع غير النووي لشبه الجزيرة الكورية. لكن لسوء الحظ وضعت الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس جورج دبليو بوش حدا لهذه الجهود الإيجابية للمجتمع الدولي عقب توليها الحكم في الولايات المتحدة أوائل عام 2001 . لقد أجهضت مساعي الحل مرة أخرى. وها نحن نشهد الآن وكلنا إحباط ما قاد إليه ذلك الموقف (من جانب الإدارة الأمريكية- المترجم.) أود تأكيد أنه لا يوجد حل بسيط للمسألة النووية الكورية. ولكن التهديدات والعقوبات لن تساعد على حلها. يجب توجيه الجهود الرئيسية للمجتمع الدولي الآن نحو البدء فورا بحوار مباشر مع بيونج يانج حول مجمل القضايا المتعلقة بضمان الأمن الإقليمي بما في ذلك بالطبع تأسيس وضعية غير نووية (خالية من الأسلحة النووية) لشبه الجزيرة الكورية. يوجد تاريخ للتفاعل البناء مع القيادة الكورية الشمالية. فقد تقدمت كل من روسيا والصين بمبادرة مشتركة لحل قضايا شبه الجزيرة الكورية بما فيها المسألة النووية وذلك من أجل بسط السلم والاستقرار الدائمين في شمال شرق آسيا. ربما تشكل هذه المبادرة الروسية الصينية أساسا جيدا لبداية المفاوضات مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. كما توجد سلفا صيغة المباحثات السداسية والتي يمكن تحديثها إذا دعت الحاجة. إن أولئك الذين لا يرون وجود حل سياسي للمسألة النووية الكورية الشمالية ليست لديهم في الحقيقة الرغبة في البحث عن حل أو العمل على تطبيقه. يقول المثل الألماني القديم «حينما تتوافر الإرادة سيكون هنالك مخرج.»

• الكاتب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية . تولى حقيبة وزارة الخارجية الروسية في الفترة 1998-2004.