أفكار وآراء

جيل الشباب المسلم الضائع في أوروبا

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

سمير عواد -

اختار الإرهابيون المتطرفون أهدافا رمزية في أسبانيا لتنفيذ اعتداءاتهم الأخيرة، وهي «برشلونة» عاصمة السياحة الأسبانية في مقاطعة «كتالونيا»، والمنتجع البحري «كامبريلس»، ليوجهوا ضربات مؤلمة لهذا البلد الأوروبي الذي تعرض في عام 2004 لاعتداءات إرهابية من قبل تنظيم «القاعدة»، استمر تأثيرها لسنوات طويلة.

وقد سار أكثر من نصف مليون من سكان المقاطعة أخيرا في مسيرة رفعوا فيها شعارات، تؤكد أنهم لا يهابون الإرهاب. وبحسب تقارير صحفية نُشرت في ألمانيا، لم تشكل الاعتداءات الأخيرة مفاجأة للمراقبين في أوروبا، لأن مقاطعة «كتالونيا» تُعتبر منذ فترة، حصنا بارزا للسلفيين المتطرفين ليس في أسبانيا فقط، وإنما في كل أوروبا.

ويعرف الأسبان أن الإرهابيين الذين وضعوا خطط الاعتداءات الأخيرة في «برشلونة» و«كامبريلس»، كانوا يريدون إشاعة الرعب في نفس الأسبان في كافة أنحاء البلد، ويضربون الاقتصاد السياحي فيها الذي يشكل ركيزة هامة للاقتصاد الأسباني. لكن الأسبان اعتادوا على تحمل مثل هذه الاعتداءات خلال الفترة الطويلة التي كان إرهابيو منظمة «إيتا» الانفصالية يقومون بها، بالإضافة إلى اعتداء مدريد عام 2004. وعبرت مسيرة النصف مليون الأخيرة عن تمسكهم بشعار «لن يخيفنا الإرهاب». وكعلامة على ذلك، عادت الحياة إلى طبيعتها في المنطقة السياحية التي استهدفها الاعتداء الأول في «برشلونة»، وعادت تكتظ بالسياح من مختلف أنحاء العالم. وقالت امرأة تقيم في المدينة «نريد أن نريهم أننا نحب الحياة، وأننا ننزل إلى الشوارع ونجلس في المقاهي والمطاعم لنعمل في خدمة السياح، وأن هؤلاء الإرهابيين لا يخيفونا ولن يستطيعوا أن يغيروا نمط حياتنا.

وما زال الكثير من الأسبان يسألون عن أسباب استهداف بلادهم، ولماذا شباب في عمر الورود، يقومون بهذه الاعتداءات الدامية ويودون بأرواح شباب بعمر الورود أيضا. ويُعتبر الصحفي الأسباني إجناسيو كمبريرو، واحدا من الذين يعرفون أسباب ذلك، فهو يكتب عن قضايا العالم العربي منذ 30 عاما لعدد من الصحف الأسبانية ومن ضمنها صحيفة «البايس» الشهيرة في أسبانيا وخارجها، علاوة على أن كتابه الأخير، تطرق إلى موضوع السلفيين في أسبانيا، والذي ارتفعت مبيعاته بعد الاعتداءات الأخيرة، لأن الأسبان يريدون فهم ما جرى أخيرا وما قد يتكرر في المستقبل.

ويرى «إجناسيو كمبريرو» أن مقاطعة «كتالونيا» أصبحت منذ فترة مأوى لعدد كبير من السلفيين المتطرفين، وبما يصل تقريبا الى حوالي ثلث الإسلاميين المتطرفين في أسبانيا. الأمر الذي لا يُعتبر ما جرى في «برشلونة» و«كمبريلس» مفاجأة، ففي «برشلونة» بالذات، يوجد اليوم الجيل الثاني من المهاجرين وهو غير متوفر حتى الآن في مدن أسبانية أخرى بنفس الكثافة. وبحسب الصحفي الأسباني «كمبريرو»، فان هذا جيل حساس، ومن السهولة بمكان أن يتم تجنيده للقيام باعتداءات إرهابية، ويقدم «كمبريرو» مثالا واضحا على ذلك، عندما يشير إلى تجمع المسلمين الشباب الذين ليس أمامهم تصورات لمستقبل جيد، في مناطق تكتظ بهم ، وتفصلهم عن المواطنين الأسبان الذين لديهم تصورات أفضل لحياة أفضل. وهكذا فإن أسبانيا ترتكب الخطأ نفسه الذي تقع فيه دول أوروبية أخرى في تعاملها مع المهاجرين، خاصة إذا كانوا من المسلمين، وتجمعهم في «كانتونات» تحيط بهم دوريات الشرطة مما يؤدي إلى عزلهم عن المجتمع في البلد الذي يعيشون فيه ويُفترض أن يكون بلدهم الثاني على الأقل ولا يختلف ولاؤهم له عن ولائهم لأوطانهم الأصلية.

وإذا كانت هذه سمة خاصة لها ظواهرها في مقاطعة «كتالونيا» الأسبانية، فإن مسؤولي الأمن بوزارة الداخلية الأسبانية يراقبون بقلق، ارتفاع عدد السلفيين في القسم الشمالي الشرقي من أسبانيا، مع وصول عدد المساجد في أسبانيا إلى مائة، يوجد نصفها في مقاطعة «كتالونيا».

ويعتقد البوليس الأوروبي «يوروبول» أن السلفية منتشرة على الأكثر في كل من بلجيكا ومقاطعة «كتالونيا»، قياسا مع عدد المراكز التي يسيطر عليها السلفيون في أوروبا، وتجري فيها باستمرار مؤتمرات وندوات يشارك فيها السلفيون من الدول المجاورة. ويقول «كمبريرو» في كتابه بعنوانه الاستفزازي «الله في أسبانيا» أن السلفية ليست الإرهاب بالضرورة، ولكنها جماعات ترفض الاندماج في المجتمعات الأوروبية، وتهيء بعض الأفراد للانضمام إلى جماعات مسلحة إسلامية متطرفة تحارب في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان.

وذكر «كمبريرو» في كتابه أن أكثر من ألفى سلفي شاركوا في هذه المؤتمرات بحسب تأكيد وزارة الداخلية الأسبانية. وبينما يعتقد الصحفي «كمبريرو» أن الشرطة الأسبانية مستعدة لمواجهة ما يُسمى الإرهاب الإسلامي، واستطاعت إفشال عدد من الخطط قبل تنفيذها، إلا أنها عاجزة عن إدماج أبناء الجيل الثاني من المسلمين الذين أصبحوا يشكلون مشكلة كبيرة لأسبانيا، ولديهم الشعور بأنه لا أسبانيا بلدهم ولا أوطانهم الأصلية، وهؤلاء الذين يستغلهم السلفيون في تنفيذ الاعتداءات التي تخدم مصالحهم.

وقال «كمبريرو» إن غالبية طلبة المدارس المسلمين لا يحصلون على فرصة لتعلم العلوم الدينية في المدارس الرسمية، خاصة أنه يعيش في مقاطعة «كتالونيا» حوالي 75 ألف طفل مسلم، لا تتوفر لهم أدنى فرصة لتعلم دينهم، وهذه مشكلة كبيرة لهم، لأنهم يفقدون هويتهم ، ويبقى الطريق أمامهم هو دخول الإنترنت للاطلاع على تفاصيل، أو للإجابة على تساؤلات دينية، مما يدفع بهم الأمر للنقر على مواقع يشرف عليها متطرفون، وأفلام من إنتاج استديوهات هوليوود التي تسخر من دين الإسلام، مما يؤدي إلى ردود فعل عنيفة لديهم بكل ما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج، منها إمكانية تجنيدهم بواسطة تنظيمات أو جماعات متطرفة مثل «داعش» وغيرها. ويعتقد «كمبريرو» أن الحل يبدأ بتوفير معلمين متخصصين يدرسون العلوم الدينية الإسلامية، بشكل صحيح، لكن أسبانيا لا تملك الوسيلة لتحقيق ذلك، وبذلك فإنها تترك الكثير من الأطفال من أولاد المهاجرين المسلمين للوقوع بسهولة بأيدي الجماعات الأصولية المتطرفة.