إشراقات

علاقة المسلم بالكون.. انسجام وليست خصاما

14 سبتمبر 2017
14 سبتمبر 2017

يحتفل العالم في السادس عشر من شهر سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون وهو اليوم الذي وقعت فيه أكثر من 190 دولة على بروتوكول مونتريال 1987م الذي يحدد الإجراءات الواجب اتباعها على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي للتخلص تدريجيا من المواد التي تستنزف طبقة الأوزون.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت هذا اليوم من كل عام يوماً عالمياً للحفاظ على طبقة الأوزون وذلك في ذكرى التوقيع على البروتوكول ودعت الجمعية العامة الدول إلى تكريس هذا اليوم لتشجيع الاضطلاع بأنشطة تتفق مع أهداف البروتوكول وتعديلاته. وقد أعلنت المنظمة ‫الدولية للأرصاد الجوية عام 2014 أن بروتوكول مونتريال حقق نجاحا كبيرا، بالرغم من ‫أن توقعات الخبراء تشير إلى أن ثقب الأوزون لن يلتئم قبل حلول عام 2070.

البيئة والإنسان.. علاقة صداقة -

هلال بن علي اللواتي -

كم هو مهم إيجاد صداقة مع البيئة برفع أو دفع التلوث البيئي إلا أن الأهم هو رفع ودفع التلوث النفسي والسلوكي لتحقيق بيئة خالية من كل مؤثر سلبي على طبيعتها.. وعلى الإنسان أن يقيم الصداقة بعالم الطبيعة فما عليه سوى أن يدرس الترابط الحقيقي بين هذا العالم وبين سلوكه الصادق منه، ومدى تأثير هذا السلوك السلبي على الطبيعة والمناخ بشكل سلبي، ومدى تأثير ذلك السلوك الإيجابي على الطبيعة والمناخ؟!

قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).. تكثر في القرآن الكريم الآيات المتعلقة بالكون والطبيعة، وفيها من المطالب ما لم يتعرض إليها أي كتاب سماوي من قبل، ولم تصل البشرية إلى الأطروحات القرآنية بعد، فكان المخبر بذلك الوحي الإلهي، والوسيط الذي حمل تلكم الآيات المباركة هو النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

الأمر الذي يوقف المرء على مجموعة كثيرة من المسائل، منها الكشف عن رابطة بين الإنسان وبين عالم الطبيعة والكون، ويمكن ملاحظة هذه الرابطة بلحاظين رئيسيين: اللحاظ الأول: وجود رابطة مادية بحيث نجد الترابط بين الهواء والماء والحيوانات والطيور والأسماك والخضار والشجر وحتى التراب وبين الإنسان.

اللحاظ الثاني: وجود رابطة تكوينية بين الكون والطبيعة وبين الإنسان، وقد كشف القرآن الكريم عن هذه الرابطة العميقة العظيمة في آياته وسوره، فبين ما ملخصه أن سلوك الإنسان مرتبط بالنظام الوجودي، وهما يتشكلان ضمن منظومة وجودية دقيقة، تخضع لمبدأ العلة والمعلول، ولأجل تكوين صداقة مع الطبيعة فإن على الإنسان أن يراعي هذه المنظومة التكوينية الوجودية، وأن لا يهملها، وإلا فإن الصداقة على مستوى نظافة البيئة من التلوث وشببه لا تكفي، فإن الصداقة الحقيقية مع النظام الطبيعي ومع مكوناته الطبيعية تتحقق بضبط السلوك الصادر من هذا الإنسان، وتجنيب هذه البيئة المسكينة الفساد النفسي والسلوكي، لأنه اتضح وانكشف من خلال الآيات القرآنية أن للسلوك الإنساني أثراً جوهرياً ومحورياً على البيئة والمناخ، وإليك بعض الآيات المباركة التي تتحدث في هذا الشأن المهم جداً.

قال تعالى: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ).. تأمل في الآيات المباركة، فإنها تخبرنا عن قرية لبني إسرائيل، كانوا يعيشون على ساحل البحر، وكانوا الصيد، وأصبحوا يصدرون الأسماك إلى القرى الأخرى، ولكن ماذا حدث؟!!. لقد خرجوا عن صراط التوحيد، إلى الإفراط أو التفريط، أو معاً، وهذا ما نجده من تعليل القرآن الكريم في قوله تعالى: (كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، فالفسق خروج عن حد الصراط المستقيم، وكان لهذا الخروج عن صراط العبودية الحقة أثراً على البيئة البحرية، وإذا بك تجد تغير جدولة الأسماك، فمن مجيئها أيام الأسبوع كله عدا يوم السبت إلى انقطاعها عن كل أيام الأسبوع ومجيئها في خصوص يوم السبت!!.

إن هذا ليس مؤشراً للإنسان لضرورة مراجعة نفسه وسلوكه، وضرورة النظر إلى علاقته بالطبيعة التي حوله، وأن عليه مراجعة علاقته مع الله تعالى، بل هو تصريح واضح أن يا أيها الإنسان أنظر ماذا تصنع بخروجك عن جادة الصراط المستقيم إلى حدي الرذيلة الإفراط أو التفريط، فأنت تؤثر بسلوكك السلبي في العالم الذي حولك!!.

ولما أن تغير جدول الأسماك بهذه البلدة، وبدلاً أن يراجع هؤلاء حساباتهم مع الله تعالى خالق هذه الطبيعة وهذا القانون التكويني الضخم الدقيق، إذا بهم يعمدون إلى إيجاد خطط بديلة لصيد الأسماك، وهذه الخطة البديلة لم تكن سوى التحايل على القانون التكويني، ظنا منهم أن التحايل على القانون التكويني وعلى الأمر الإلهي هو عين التحايل على القوانين الوضعية، إذ لا يمكن للقانون الوضعي أن يضبط المجرم إذا ما كان يقوم بجريمة منظمة تحت مظلة قانونية!!، وهذا ما نشاهده اليوم في النظام الوضعي للبشر، فتنهب الخيرات ويقتل الأبرياء وتهتك الأعراض وتشرد الملايين، وتفتك بالمستضعفين المجاعة، وتوضع التبريرات على طاولة الأمم المتحدة لأجل دفع الإدانة أو رفعها!!، إلا أن هذا التحايل لا يُعرف في القانون التكويني، فإنه قانون تحكمه مبادئ الوجود وتنظيمه، فبعد أن تحايل هؤلاء لصيد السمك ظنا منهم أنهم سيفلتون بتحايلهم من القانون التكويني كانفلاتهم من القانون الوضعي إذا بهذا القانون الوجودي يتحرك ضد هؤلاء حسبما كان من إملاء سلوكهم السلبي، وإذا بهم يتحولون إلى «القردة»!!.

وهنا تطرح بعض الأسئلة المهمة: ما علاقة سلوك الإنسان بعالم البحر والسمك؟!!. وكيف أثر هذا السلوك الإنساني السلبي على برمجة الأسماك في البحر؟!. وما أدراها بهذا السلوك الإنساني؟!، وكيف شعرت؟!، فهناك الكثير من الأسئلة المثيرة التي تطرح في البين، وتفصيل بيانها خارج عن محلنا هنا الآن، عموما.. إن القرآن الكريم يكشف عن هذه وجود علقة بين السلوك الإنساني وبين عالم البيئة والطبيعة.

وإليك آية أخرى تؤكد على هذه الحقيقة الجبارة، قال تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ)، ويتكرر بيان هذه الحقيقة في آية أخرى في قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، فتتحدث الآية عن أمر مشترك بين قوم النبي هود والنبي نوح عليهما السلام، فلاحظ ماذا يترتب على الاستغفار، إنه يترتب على هذه السلوك الإيجابي مجموعة من المترتبات ومجموعة من الآثار الإيجابية، منها ما يتعلق بالمناخ والبيئة الطبيعية!، فما هي علاقة الاستغفار بالتغير المناخي، وهطول الأمطار؟!، وما يترتب على هطول الأمطار وامتناعها من أثر على المناخ والطبيعة وعلى الموارد المائية، وعلى الزراعة، وعلى الحيوانات، وعلى كل من /‏‏ ما يعيش على هذه الأمطار؟!، إن فهم هذه العلقة لا يمكن أن يتم إلا إذا فهمنا المنظومة التوحيدية كلها، ومستوى ترابط الكائنات بها، تأمل في هذه الآية أيضاً، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)، فالآية تربط السلوك البشرية الإيجابي بعالم الطبيعة، وتبين أن تكوين الصداقة مع الطبيعة من خلال السلوك الإيجابي يساهم في تحريك المنظومة التكوينية الوجودية لصالح الإنسان، وإذا ما سلك المرء مسارا متعارضاً كان تحرك القانون التكويني ضد الإنسان وبشكل سلبي حسبما أملاه سلوكه.

وبناء على ما تقدم على الإنسان أن يقيم الصداقة بعالم الطبيعة فما عليه سوى أن يدرس الترابط الحقيقي بين هذا العالم وبين سلوكه الصادق منه، ومدى تأثير هذا السلوك السلبي على الطبيعة والمناخ بشكل سلبي، ومدى تأثير ذلك السلوك الإيجابي على الطبيعة والمناخ؟!، وقد حفلت الأخبار والمرويات الشريفة عن الحديث عن هذا الموضوع، فقد ورد رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين: «يقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي، وعلائي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي وكفلت السماوات والأرضين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة»، فلاحظ العلاقة بين طاعة الله تعالى وبين تشكيل الصداقة الكونية، وهذه الصداقة تتجاوز حدود مراعاة شعور الكائنات، ومراعاة احتياجاتها الطبيعية إلى العلاقة التفاعلية، وهذا من أظهر مظاهر هذا التفاعل بين الإنسان المطيع لله تعالى وبين سائر الكائنات، تأمل في هذه الآية المباركة، قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، وهي تتحدث عن طلب النبي سليمان عليه السلام لعرش بلقيس، مع الأخذ في عين الاعتبار المسافة الطويلة، والعوامل الطبيعية في الوسط من الهواء والجبال والوديان وغيرها، إلا أن الذي حدث هو أن انتدب إلى هذه المهمة رجل من خلص أصحابه، قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)، الأمر الذي يعصف العقل البشري ويدفعه إلى البحث عن مبدأ هذه القدرة التي كان آصف بن برخيا يتمتع بها بحيث سخرت له الإمكانات الطبيعية إلى مستوى الصداقة التفاعلية بينه وبين عالم الطبيعة فتمكن من إحضار هذا العرش وبهذه السرعة وبتلك القدرة على حفظه من التلف والعطب، وبالمقابل نجد فرعون الذي علا وملك وقهر العباد بقوته العسكرية والمالية، وكان الخوف يقترن باسمه باعتباره القوة التي لا تقهر في المنطقة إذا به لا يقدر على انقاذ نفسه من «الماء» الذي هو عنصر من عناصر هذه الطبيعة المخلوقة، فتأمل من الأقوى، أصاحب القوى العسكرية والمالية والقهرية، وختاماً تأمل في هذه الآية المباركة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)، فكم هو مهم لإيجاد صداقة مع البيئة برفع أو دفع التلوث البيئي إلا أن الأهم هو رفع ودفع التلوث النفسي والسلوكي لتحقيق بيئة خالية من كل مؤثر سلبي على طبيعتها.