أفكار وآراء

الأزمة الكورية.. وخيارات واشنطن !!

12 سبتمبر 2017
12 سبتمبر 2017

عوض بن سعيد باقوير صحفي ومحلل سياسي -

لا تزال الشكوك تحوم حول التجربة الأخيرة والتي أشارت لها كوريا الشمالية كتجربة ناجحة من القنبلة الهيدروجينية والتي تفوق قوتها التدميرية أضعاف قوة القنبلة الذرية التي أسقطت على مدينة هيروشيما عام 1945 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953 وتقسيم شبه الجزيرة الكورية والوضع المتوتر يسود الجارتين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية فالوضع الجديد خلف حالة من عدم الاستقرار مع وجود الآلاف من الجنود الأمريكيين في كوريا الجنوبية مع تحفز بيونج يانج نحو حماية نفسها بترسانة أسلحة تجنبها أي حرب محتملة ولعل وجود التحالفات الأساسية للدولتين هو الذي جنب جنوب شرق آسيا حربا مدمرة أخرى كتلك التي حدثت في عام 1950 واستمرت لثلاث سنوات متواصلة فالصين وهي قوة مهمة الآن في العالم تعد الحليف الأساسي لكوريا الشمالية على الصعيدين السياسي والتجاري فأكثر من 80% من تجارة كوريا الشمالية هي مع الصين كما أن المواقف السياسية لبكين تكون عادة مساندة لبيونج يانج.

الأزمة النووية

كان خيار كوريا الشمالية هو أن تكون ذات قوة عسكرية نووية في المقام الأول ليس بهدف الدخول في حرب مباشرة مع جارتها الجنوبية أو حتى في صراع مسلح مع الولايات المتحدة واليابان ولكن الهدف الاستراتيجي لقادة كوريا الشمالية منذ عهد كيم ايل سونج وحتى الآن هو الاعتراف بكوريا الشمالية كقوة نووية حتى يمكن الحوار مع واشنطن وبقية أعضاء الحوار كاليابان وكوريا الجنوبية والصين وروسيا من منطلق القوة والهيبة وألا تكون كوريا الشمالية صيدًا سهلًا كما حدث بالنسبة للنموذج العراقي رغم الفارق بالبرامج النووية بين الدولتين.

ومن هنا يأتي إصرار بيونج يانج على تواصل التجارب النووية والتي كان آخرها تجربتها للقنبلة الهيدروجينية والضجة العالمية التي دارت حولها خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية .

وفي ظل سباق التسلح النووي التي اختطته كوريا الشمالية كمسار استراتيجي في السنوات الأخيرة فإن خيارات واشنطن تبدو محدودة فهي لن تخرج عن المحددات التالية:

1- رغم الضجة السياسية لواشنطن ورئيسها ترامب والتلويح بالخيار العسكري فان أقصى ما سوف تصل إليه واشنطن هو التلويح بمزيد من العقوبات الاقتصادية من خلال المشروع الأمريكي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، وهو المشروع الذي تم تمريره امس الأول من جانب القوى الكبرى الخمس في مجلس الأمن الدولي بما فيها الصين التي لها أسباب تكتيكية خاصة بها.

2- كوريا الشمالية ليس لها خيار سوى الاستمرار في برامجها النووية؛ لأنها تدرك بأن هذا الخيار هو الوحيد الذي يجنبها المواجهة العسكرية من قبل واشنطن في حال تخليها عن ترسانتها النووية فكوريا الشمالية تريد أن تذهب إلى طاولة الحوار وفي يدها أوراق تستند إليها.

3- رغم الامتعاض الصيني من مغامرات بيونج يانج في موضوع التجارب النووية المتواصلة إلا أن بكين لها حساباتها الاستراتيجية في ظل الاستقطاب مع واشنطن وطوكيو وحتى سول فكوريا الشمالية بالنسبة للصين ورقة مهمة في لعبة التوازنات في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي الذي قد يشهد الصراع في المستقبل.

4- تسعى كوريا الشمالية للاعتراف بها كدولة نووية مع وجود تعهدات وبرامج تفتيش من قبل خبراء وكالة الطاقة الذرية ولعلنا نستحضر هنا نموذج الملف النووي الإيراني مع الغرب رغم الفارق الكبير بين برنامج طهران وبرامج بيونج يانج المتقدمة والواضحة على صعيد تجارب القنابل الذرية والصواريخ البالستية والتي عبر بعضها بالمجال الجوي لبعض دول الجوار مثل كوريا الجنوبية واليابان.

القنبلة الهيدروجينية

لا تزال الشكوك تحوم حول التجربة الأخيرة والتي أشارت لها كوريا الشمالية كتجربة ناجحة من القنبلة الهيدروجينية والتي تفوق قوتها التدميرية أضعاف قوة القنبلة الذرية التي أسقطت على مدينة هيروشيما عام 1945 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعل تجربة القنبلة الهيدروجينية قد صدمت الساسة في الولايات المتحدة وجعلتهم يطلقون تصريحات استفزازية ضد كوريا الشمالية إلى حد التلويح بالخيار العسكري.

ولعل الحديث عن القنبلة الهيدروجينية قد خلق توترًا وارتباكًا لدى كوريا الجنوبية واليابان اللتين يقعان ضمن الاستهداف النووي الكوري الشمالي إذا ما اندلعت حرب مباشرة رغم استبعادها.

ومن هنا فإن المعادلة السياسية تبدو الآن في صالح كوريا الشمالية فالعقوبات مهما كان حجمها لن تغير شيئًا من الواقع كما أن بكين لا تزال على علاقات تجارية واسعة ولا يمكن أن تضحي بمصالحها الاستراتيجية وحساباتها السياسية خاصة أن هناك خلافات عميقة بين الصين وأمريكا وأيضًا هناك خلافات بين الصين واليابان حول الجزر في بحر الصين الجنوبي.

أزمات الولايات المتحدة

وفي ظل الواقع المعاش وفي ظل الأزمات المتعددة التي تواجه الولايات المتحدة على صعيد الوضع الاقتصادي والأعاصير وخسائرها المدمرة وفي ظل الأزمة الخليجية المعقدة وفي ظل التوتر في مناطق النزاع في سوريا واليمن وليبيا، فإن واشنطن لا يمكن أن تدخل في صراع مسلح مع كوريا الشمالية النووية؛ لأن ذلك سوف يكون عملاً كارثياً كما أشار إلى ذلك الرئيس الروسي بوتين، ويعيد للأذهان الحروب التي اشتعلت في منطقة جنوب شرق آسيا في كل من: فيتنام وكوريا والفلبين في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، والخسائر الفادحة التي تكبدتها الولايات المتحدة والتدمير الكبير الذي حصل لتلك الدول وتقسيم بعضها مثل كوريا.

إذن الذي يحدث الآن هو صراع إيرادات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ويبقى الحوار هو الحل الأمثل لهذا الصراع السياسي والاستراتيجي في هذه المنطقة الحساسة من العالم.