صحافة

الاستقلال: بـيـن أن يـقـتـلـوك أو تـقـتـل نـفـسـك

08 سبتمبر 2017
08 سبتمبر 2017

في زاوية أقلام وآراء كتب عبد الله الشاعر مقالا بعنوان: بـيـن أن يـقـتـلـوك أو تـقـتـل نـفـسـك..جاء فيه:«قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود»، فمن منا الشاهد يا روهينجا، وما المشهود من الأهوال والكرب؟ هم وحدهم شهود، ونحن القاعدون على لظى آفاتنا، يذوق بعضنا بأس بعض، وهم البريئون حدّ القعود على النار، وفي النار، نحن المتشككون الظانون ببعضنا ظنّ السَوْء، وهم المتيقنون حد انتظار أن يسكب عليهم الوقود، وأن تحضر لهم الشرارة، وأن تشعل فيهم النار.

نحن المتفذلكون أمام شاشات هواتفنا، نتشدّق بالآراء، وهم المخذولون حدّ التحديق في عين النار وهي تأكل أجسادهم، تكاد من فرط استسلامهم للمصير تحسبها برداً وسلاما، ولم لا، وهم القابضون على هويتهم ، في الزمن الأصمّ؟ ونحن المترفون في ربيعنا، نرعى كقطيع وادع عشب الطائفية، ونشرب من مستنقع التعصب والتكفير، ومشغولون حدّ الانهماك في مقارعة بعضنا، فيما تمتدّ يد الغدر إلى أعراضنا، وأوطاننا، وأموالنا، ومصيرنا، وتقطع سكاكين الطغاة طرق البلاد طولاً وعرضاً، وتوزع حصتنا من التراب على قراصنة الدول، نؤجج الخلافات، ونحلب للصراعات اللئيمة دم أبنائنا، فيما يستلقي الروهينجا بصمت لتُنشر رقابهم، أويخرجون إلى الشوارع بشجاعة، فرداً فرداً، لتكسر عظامهم هراوات البورميين، حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة، فمتى سنصحو من ذهولنا، لنستشعر الألم في كرامتنا المخدّرة بالأحقاد الصغيرة؟.

بين روهينجا حيث تنتزع منهم الحياة الأشدّ بؤسا من الموت، وبين من يزهق حياته في غزة، ترنّح القلم، بين هناك حيث يواجهون المصير الدمويّ، وبين هنا حيث يتنفس الشباب الهواء المسمم بالخطايا العابرة، بين الحدود المغلقة هناك في وجوه الفارّين من جحيم الحرق والتنكيل، وبين المعبر الذي يغلقه إخوة العروبة والدين هنا، بين ظلمة الفقر هناك، وانقطاع الكهرباء هنا، وبين الاستسلام للمصير هناك، وبين استحضار الموت هنا، تفاصيل مستفزة، فكيف لهم أن يصمدوا، وكيف يسمح شبابنا لأنفسهم بالانهيار؟ كيف تغوّل الفرار في أرواحنا حدّ اعتناقه، كيف تبدّد الصراخ من احتجاجنا حدّ تقديس طقوس الانتحار بصمت في ساعات متأخرة من الوجع المتعاقب على أرواح شعبنا، كتعاقب الليل والنهار؟ وأين يقع ذاك الحدّ الرقيق الفاصل بين شجاعة الإقدام على إزهاق الروح احتجاجا على حياة بلا حياة، وبين الجبن، والعجز عن الوقوف في وجه الموت الذي يطارد كل مظاهر الحياة في غزة؟.

إن الصمود في وجه الاستبداد الزاحف على حياة الإنسان وكرامته، سواءً ركب الاستبداد النار، أو انطلق كالرصاص، أو تهاوى كهراوة، أو قطع الأوصال كالسكين، أو كان صامتاً كالحصار، أو مسمماً كماء البحر في غزة، أو مظلماً كما انقطاع الكهرباء، أو متعفناً كأحلام مخبأة دون موادّ حافظة عاماً بعد عام، وحده الصمود شرف الشعوب وعزّها، ووحدها المقاومة طريق المؤمنين.