sharifa
sharifa
أعمدة

وتر :ثقافة الممشى

06 سبتمبر 2017
06 سبتمبر 2017

شريفة بنت علي التوبية -

كاتبي المفضّل هاروكي موركامي يمارس رياضة الهرولة كل يوم، لأنه يؤمن بأن الكاتب لابد أن يمارس الرياضة لقابلية جسده لزيادة الوزن أكثر من غيره، وذلك بحكم جلوسه الطويل الممتد لساعات أمام شاشة الحاسوب أو آلة الكتابة ليكتب، أحببت هذا الكاتب ليس لأنه يحب الرياضة ويهرول، ولكن لأسباب أخرى لها علاقة بالأدب وأسلوبه الفريد في كتابة الروايات، وها أنا بعد أن زادت ساعات جلوسي أمام الحاسوب أصبحت الرياضة جزءا لا يتجزأ من يومي، فقد أضحّي بأي شيء ولكن لست على استعداد للتفريط بتلك الساعة التي تعيدني إلى نفسي وتعيد كل مفصل من مفاصل جسدي المنهك إلى مكانه الصحيح أو تعيد الأمان والسلام إلى روحي، لذلك أتفق مع موركامي على ضرورة ممارسة الرياضة بشكل يومي، خصوصاً للكاتب لأن الكاتب الذي يجلس لعدة ساعات بلا حراك في سبيل ولادة فكرة متعسرة قد يكون معرّضاً أكثر من غيره لأمراض كثيرة كالدسك وضعف النظر والسمنة والميل إلى العزلة والانفصال التدريجي عن العالم المحيط، فعالم الكتابة عالم يدعوك للعزلة لأنه لا يتشكل سوى في زاوية بعيدة عن منغصّات الحياة وضجيجها، وأمام هذه الرياضة العقلية والروحية التي يعيشها الكاتب، يتحتم عليه أن يعتني بجسده قدر اعتنائه بأفكاره.

مع تقدم الحياة اكتسبنا عادات حياتية سيئة كالتنقل بالسيارة حتى في المشاوير القصيرة، والجلوس أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية، حتى أطفالنا ما عادوا يتحركون قدر ما هم جالسون مع تلك الأجهزة، لكن في الفترة الأخيرة بدأت أكتشف أن مجتمعنا أصبح لديه وعي كبير بأهمية الرياضة، فهناك ثقافة رياضية واسعة، النوادي الرياضية بدأت تنتشر في كل مكان، قاعات الرياضة أصبحت مكتظة بالوجوه الجديدة، هناك ممرات وأرصفة خاصة للمشي، يسعدك المنظر في لحظة الغروب وأنت ترى الممشى مكتظاً بالبشر المهرولين، وكذلك الحدائق العامة التي أصبحت مساحات خضراء مغرية للمشي لمن يمارسون هذه الرياضة، ومع هذا الوعي الرياضي أصبح من المهم دعمهم بتهيئة ممرات خاصة للمشي وأرصفة لقيادة الدراجة الهوائية تشجيعاً لاستخدامها في التنقل كما هو موجود في كثير من الدول الأوروبية.

وحول الرياضة أذكر أني قرأت يوماً عن المدرسة المشائية وهي مدرسة فلسفية أسسها أرسطو والذي كان يدرّس طلابه ماشياً، وكم من الذين عرفتهم كانوا لا يستطيعون حفظ دروسهم إلا وهم يمشون وقد كنت أحدهم في يوم من الأيام، ترى هل جربت يوماً أن تقرأ كتاباً وأنت تمشي؟ وهل عرفت يوماً متعة ثقافة الممشى؟