أفكار وآراء

الإرهاب عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي

05 سبتمبر 2017
05 سبتمبر 2017

عاطف الغمري -

شغلت كثير من الصحف في الغرب في الأسابيع الأخيرة، بالدور الذي تحولت فيه بعض وسائل التواصل الاجتماعي، إلى قنوات لدعم الإرهاب. ويترافق مع دور وسائل التواصل الاجتماعي، وجود متزايد لقنوات تلفزيونية مجهولة الهوية Anonymity - أو بالتحديد هي تحرص على إخفاء هويتها، ومن يقف وراءها، من منظمات، وجمعيات، ودول، تدعم وتمول وتحرض. خاصة أن هذه القنوات تقيم مواقعها في دول تحمي حرية التعبير، مستغلة الاحتماء بهذه المظلة، التي تحمي فعلا حق التعبير في دولها ولمواطنيها.

وهاتان الوسيلتان، أصبحتا الأسرع الآن في نشر الأخبار الزائفة والمزورة والتى يصفونها في الغرب بتعبير Fake News، وكذلك الشائعات التي تسهل للإرهابيين الوصول إلى عقول من تجد لديهم استعدادًا لفقدان الثقة في حياتهم، وفي وطنهم، وبالإضافة إلى التشويش على الحقائق لعموم الناس الذين يطلعون عليها.

وكما يقول المتابعون لهذه الظاهرة، فإن هذه القنوات تُوجد جوا يمكن أن تنتشر فيه الشائعات والأخبار الزائفة، بأقصى سرعة، وأن تستحوذ على عقول بعض المهيئين لتقبلها.

وتكون هذه السرعة في الانتشار قد مدت جذورها في تلك العقول، قبل أن تكون الحقيقة قد تأكدت وتكشفت.

وهذا العالم لوسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات مجهولة الهوية، يمثل غطاء للإرهابيين، بل والفوضويين، والمجرمين على السواء. فالكل خارج على القانون.

فأنت في عالمك الافتراضي، تقيم خط اتصال عبر الفيس بوك - على سبيل المثال - مع تبادل للآراء والأفكار، التي يكون من هو على الطرف الآخر، مدربا على النفاذ إلى عقلك والعبث به، وأنت تستمع إليه ولا تدرى ما الذي وراءه، بل ومن هو في الحقيقة.

هذه المخاوف أوصلت الأمر إلى مجلس العموم البريطاني، واتهام بعض أعضائه لوسائل التواصل الاجتماعي بالفشل في اتخاذ الإجراء اللازم لردع الإرهاب، ونشر التطرف والكراهية، وقولهم إنه كان يجب على هذه الوسائل، أن تزيل من على مواقعها المحتويات الخطيرة، والتي يجرّمها القانون.

والحكومة البريطانية من جانبها تنبهت إلى هذا الخطر، وبدأت التجهيز لمشروع لتغيير القانون الذي يحكم عمل هذه المؤسسات، بحيث يتم توقيع عقوبات على الوسائل الإعلامية التي تترك على مواقعها رسائل مخالفة للقانون. خاصة وأن هذه الرسائل ما زالت تبث على بعض المواقع بالرغم من أنها تحرض صراحة على الكراهية، والتطرف. وكلها تمثل غطاء للإرهاب.

ليس بالضرورة من جانب من يحملون السلاح، ويقتلون، بل أيضا من جانب الذين يغسلون عقولهم بالأكاذيب، والذين يحرّضون على الاستمرار في جرائمهم، عبر ترديد أخبارهم الكاذبة. وبعضهم يلعب دورا بعيدا عن الشبهات، ويقوم بدور حلقة اتصال بين قيادات الإرهاب، وبين عناصره المسلحة التي تنفذ جرائم الإرهاب.

إن اتساع ظاهرة الإرهاب، والغوص في أعماق نشاطها، وشبكتها الواسعة، يدفع الآن عمليات مكافحة الإرهاب، ليس فقط بالمواجهة العسكرية بل إلى جانبها، اللجوء إلى الوسائل التي يمكن بها إخراس الأصوات المحرّضة على العنف، والكراهية، والإرهاب، والتي تتعدد قنواتها من وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الإرسال التلفزيوني.

إن تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة، التي تجعل أي دولة مارقة، أو تنظيم خارج على القانون تنفذ بسهولة، إلى مواقع في آخر أركان العالم، وهو ما أوجد ما يمكن اعتباره خط مواجهة وهميا في حرب شرسة، لم تعد تعتمد فقط على السلاح، بل أضافت إليه وسائل الكذب والتزييف، وغسل العقول.