الملف السياسي

«اختيار الضرورة والثقة» .. للخروج من النفق المظلم

04 سبتمبر 2017
04 سبتمبر 2017

أحمد إبراهيم عامر -

,, عندما قام الليبيون بثورتهم ضد نظام القذافي ضمن موجة ثورات الربيع العربي، كان الحلم بالعيش بحرية وكرامة وعدالة اجتماعية، ولكن أطرافا وجماعات أخرى كانت لها تطلعات مختلفة ,,

عملت التنظيمات الإرهابية على تحضير الساحة الليبية لتكون مقرا دائما ومؤثرا لمقاتليها، لما تمثله ليبيا من أهمية اقتصادية يمكن أن تكون بمثابة بيت مال وفير للصرف على تلك التنظيمات، وعلى مدار السنوات الثلاث الأولى من الثورة حاول الشعب الليبي أن يعمل على بناء دولة ديمقراطية مدنية بانتخابات نزيهة أفرزت كيان «المؤتمر الوطني العام» كمرحلة انتقالية ثم انتخاب «برلمان» ، لكن كانت الجماعات الإرهابية تعمل على قدم وساق على استيطان مقاتليها في أغلب المدن الليبية وتخزين كميات كبيرة من الأسلحة وبدأت في اغتيال أعداد كبيرة من ضباط وقادة الجيش الليبي السابق حتى لا يستطيع أن يجمع شتاته ..

وتم طرح إنشاء واستحداث أجسام عسكرية موازية لمفهوم المؤسسة العسكرية، بدأت بفكرة الحرس الوطني خلال حكم المجلس الانتقالي عامي 2011 و 2012 ولم يتمكنوا من تنفيذها، ثم تم طرح إنشاء الدروع العسكرية للمناطق والمدن وبالفعل مررت وقت حكم «المؤتمر الوطني العام» وتم دعمها من قوة إقليمية على رأسها تركيا، بمباركة غربية، للسيطرة العسكرية على الدولة وإلغاء أي أمل في إنشاء جيش وطني، وتم الاكتفاء بوجود وزارة دفاع سيطر عليها وكيل الوزارة خالد الشريف أحد قادة الجماعة الليبية المقاتلة، في حين سيطر على المطار الحربي الوحيد بالعاصمة الليبية طرابلس عبدالحكيم بلحاج ، وهو الآخر أحد قادة الجماعة الليبية المقاتلة.

وتم ترك المنطقة الشرقية لجماعة «أنصار الشريعة» المتطرفة، بجانب زيادة نفوذ ميليشيات المدن والمناطق غير التابعة لتيار الإسلام السياسي كميليشيات مصراتة والزنتان وباقي المدن بالغرب والجنوب الليبي . ليظهر على السطح اللواء خليفة حفتر حينذاك، يدعو لعملية عسكرية لمحاربة الإرهاب، أعلن عنها من الغرب الليبي ولكن دعوته لم تلقَ الدعم الكافي واضطر إلى الالتفاف عبر الجنوب ليصل للمنطقة الشرقية التي كانت تعاني من الاغتيالات وسيطرة تنظيمي أنصار الشريعة وداعش على مدينة بنغازي أكبر ثاني مدينة في ليبيا والأكبر بالمنطقة الشرقية.

بدأ خليفة حفتر في الدعوة لعملية عسكرية «عملية الكرامة» بعدد قليل من الضباط تحديداً 317 ضابطا وعسكريا، ليلتحق معه أعداد كبيرة من شباب المناطق وسرعان ما التحق به ضباط الجيش الليبي السابقون بجانب التحاق الكتائب العسكرية التي استطاعت ان تبقى وتدافع عن معسكراتها ككتيبة الصاعقة وكتيبة شهداء الزاوية 21 وغيرهم من الكتائب العسكرية، ليبدأ حفتر في مواجهة الإرهاب ومحاربته وكل يوم يحقق انتصارات جديدة وعلى مدار ثلاث سنوات استطاع القائد العسكري المخضرم بمساعدة بعض الدول الصديقة وعلى رأسها مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، أن يطور من إمكانيات أفراد الجيش العربي الليبي العسكرية، وبدت ملامح الجيش النظامي للدولة . وخلال ذلك الوقت استطاع دحر الجماعات الإرهابية في مدينة بنغازي وإعلان تحريرها رسميا في 5 يوليو الماضي، وتم تأمين المنطقة الشرقية بالكامل ماعدا مدينة درنه « وهي مدينة صغيرة» في منتصف الساحل الشرقي لليبيا. وعلى صعيد عسكري موازٍ سيطر على منطقة الهلال النفطي «الحقول والموانئ» بالوسط الليبي وتصل قوات الجيش الليبي لحدود مدينة سرت غربا، ويتقدم جنوبا ويسيطر على مناطق شاسعة من الصحراء الليبية بالجنوب.

لم يكتفِ المشير خليفة حفتر بالإنجازات العسكرية بالمنطقة الشرقية، بل أعلن بشكل واضح أنه قادم على تحرير كامل التراب الليبي من سيطرة الجماعات الإرهابية، والميليشيات المسلحة للمناطق، ويعلن هدف الجيش العربي الليبي بالعمل على عدم وجود سلاح إلا في يد القوات الشرعية للدولة، وعدم احتمال لقبول أي دعاوى للتقسيم أو التفاوض على وجود أجسام مسلحة أخرى. ليقف الرجل العسكري الصلب حائط صد عاليا أمام مخطط تمكين واستيطان الجماعات الإرهابية في ليبيا. ولتبدأ شعبية المشير خليفة حفتر لدى الشعب الليبي في ازدياد، ليس فقط بالمنطقة الشرقية ولكن في كل مدن ليبيا، بالطبع لانتصاراته العسكرية ولكنها ليست السبب الوحيد.

ففي ظل التناحر السياسي وحرق كثير من أسماء الساسة الليبيين وظهورهم أمام الشعب بعدم الخبرة والحنكة السياسية، ارتفعت شعبية حفتر لدى المواطن الليبي، وعدم وجود شخصيات سياسية شرقا أو غربا تستطيع أن تظهر كشخصية سياسية قادرة على قيادة البلاد في المرحلة التي لا تتضح معالمها حتى الآن . وبدأ طرح المشير حفتر من قبل القوة المدنية والشعبية كمشروع رئيسي «للضرورة » يلتفت حوله الشعب الليبي، ورغم تأكيده الدائم أنه لا يفكر إلا في إنجاز مهمته العسكرية الوطنية في محاربة الإرهاب وتوحيد البلاد أولاً قبل التفكير في شيء أخر، إلا أن القوة الدولية وعلى رأسها الدولة الروسية بدأت تتعامل معه سياسيا كمشروع رئيسي قادم للدولة الليبية.

وبدأ المشير حفتر في عدد من الزيارات الخارجية لدعم الجيش الليبي بالتعاون في مجالات التدريب والمعلومات في ظل استمرار قرار حظر التسليح الجائر من مجلس الأمن ويعلن من موسكو أن الجيش الليبي استطاع أن يسيطر على 90% من كامل الأراضي الليبية. ورغم ذلك يستمر المجتمع الدولي في الضغط على الأطراف الليبية السياسية لتمرير الاتفاق السياسي الذي وقع بمدينة الصخيرات المغربية نهاية العام 2015 بإقرار مجلس رئاسي بحجة تجنيب ليبيا حربا أهلية في غرب البلاد، ولكن في الحقيقة هو اتفاق للحد من تقدم الجيش الليبي بقيادة حفتر ومنح الميليشيات المسلحة ومنها الإسلامية المتشددة على موضع قدم داخل المؤسسة العسكرية المزمع إنشاؤها لتكون بديلا للجيش الحالي.

ومن جانب آخر الدول الغربية لها أولوية قصوى في ملف الهجرة غير الشرعية الذي يؤرق أوروبا وتريد كيانا سياسيا ليبيا يسمح باستيعاب توطين هؤلاء المهاجرين وهذا ما وافق عليه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ونائبه أحمد معتيق مع الجانب الإيطالي ونتج عنه تحكم إيطاليا في الكتيبة 48 التابعة للمجلس الرئاسي وسيطرتها على ميناء زوارة الأشهر في غرب ليبيا في تصدير الهجرة غير الشرعية بجانب الطمأنينة لاستمرار وجود ودائع الدولة الليبية المجمدة في أوروبا والتي تقدر بأكثر من 65 مليار دولار.

كل ما سبق عوامل تزيد من ثقة الشارع الليبي في شخص خليفة حفتر، خاصة بعد أن استطاع السيطرة على منطقة الهلال النفطي بالوسط الليبي ثم كامل الجنوب وقاعدة الجفرة العسكرية، وبدا مؤشرات في الأفق أنه استطاع أن يعقد تحالفات قوية مع قبائل المنطقة الغربية خلال الفترة الماضية قد تمكنه من دخول العاصمة الليبية طرابلس قبل انتهاء هذا العام. بجانب تحركات المشير حفتر السياسية النشطة خلال الأشهر الماضية والتعاطي مع المبادرات العربية والدولية وتأكيده على ترحيبه بالوصول لانتخابات مدنية، وكانت أهم المبادرات التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون بالاجتماع مع طرفي حل الأزمة الليبية «رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والقائد العام للجيش خليفة حفتر» في فرنسا ونتجت عنها ولأول مرة رؤية شديدة الوضوح تجمع بين حتمية إجراء انتخابات في مارس القادم وضرورة إبقاء قيادة الجيش الحالي لمواجهة الإرهاب، وتخطى اللقاء الحديث عن مخرجات اتفاق الصخيرات الذي وقع برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر 2015.

وعلى الجانب الآخر يواجه رئيس المجلس الرئاسي تحديات ضخمة لإرضاء الميليشيات المسلحة التي تعتبر أي اتفاق سياسي يجعل من خليفة حفتر قائداً للجيش هو اتفاق غير مقبول والضغط المستمر من الدول التي تدعم السراج، ليتأكد لدى المواطن الليبي شرقا وغربا وجنوبا أن الحل الوحيد للخروج من نفق الأزمة هو الالتفاف حول قواته المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر ليصبح اختيار «الضرورة والثقة» للمواطن الليبي للخروج من نفق الأزمة الليبية.