المنوعات

خرجتُ على القطيع.. كتاب في التأملات الفلسفية

04 سبتمبر 2017
04 سبتمبر 2017

عمّان «العُمانية»: تعبّر تأملات د.جورج الفار الفلسفية عن تجربة خاصة، فقد شهد هذا المفكر الأردني تحولات جذرية على مستوى الفكر، منتقلاً من عالم الكهنوت إلى رحاب الجامعة والتدريس الأكاديمي والفلسفة.

ويأتي كتاب «خرجتُ على القطيع»، استكمالا لما طرحه الفار في كتبه التسعة السابقة، فإذا كان السؤال هو المدخل الأول للفلسفة، بحسب أفلاطون، فإن الفار يُكثر هنا من الأسئلة والتساؤلات، ويشير إلى أنه إزاء مشروع فلسفي تمثل التساؤلات مقدمةً له.

قُسم الكتاب الصادر عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، إلى قسمين، ضمَّ الأول الرؤى الفلسفية للمؤلف في ثمانٍ وأربعين مقالة أو خاطرة فلسفية، تمحورت حول أسئلة الذات. أما القسم الثاني (فضاءات إلكترونية) فضمّ خواطر الفار على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي توزعت بين أربعة موضوعات هي: الإبداعات، والفكر والفلسفة، والفكر السـياسـي، والنقد المُجتمعي.

وجاء في مقدمة الكتاب، إن الخواطر تركز على الذات؛ في محاولتها لإعادة اكتشاف ذاتها، كما تركز على العالم من أجل اكتشافه بمقاربة ذاتية.

ويطرح الفار أسئلة على منوال: لماذا الحفر في الذات وفي التكوين والنشأة؟ هل هو حنين غير واعٍ للطفولة، أم إنه محاولة للدخول إلى عمق الكائن الإنساني؟ وهل تمثل هذه العودة إلى دفاتر الماضـي القريب أو البعيد، استجابةً لشعور دفين بإفلاس الحاضـر؟ ولماذا الكتابة عن «الأنا»؛ «الآن وهنا»؟ أهي محاولة غير واعية لتبريرها أو لإعادة إنتاجها بطريقة جديدة ولتثبيت مركزيتها؟ وهل هي محاولة لاكتشاف «الأنا» الدياليكتيكية التي تواجه العالم الموضوعي، وإماطة اللثام عن الصـراع الذي عاشته في مواجهة مع موضوعها؟

ويواصل الفار أسئلته: أيُجدي الحفر في عمق الوعي واللاوعي نفعاً، لإدراك الحاضـر ولاستطلاع المستقبل المجهول؟ ولماذا لا يفعل المرء العكس؛ أي الانطلاق من العالم الموضوعي لاكتشاف الأنا الذاتي وكل «الأنوات» المحيطة؟ وهل هذه «الأنا» فردية أم جماعية؟ هل هي «أنا» أنانية، أم تعبّر عن تكوين اجتماعي طبقي أو نخبوي؟ وهل هذه «الأنا» مركزية في التكوين الاجتماعي، أم هي نبتة برية، نمَت وكبرت على أطراف الحقل وعلى هامش الواقع؟.

ولا يتردد الفار في طرح السؤال الكبير: هل نملك وعياً بالعالم يؤهلنا لتفسـيره، ومن ثَم تفسـير ذواتنا؟ قائلاً: إنه يعتقد أن الكون مستقل عن الوجود الفيزيائي للإنسان، إلا أن الإنسان يؤمّن للكون وجوداً ذكيّاً ومدركاً، فوجود الإنسان يجعل وجود الكون مدركاً، إذ لا يستطيع الكون إدراك ذاته وحده؛ لذا كان الإنسان ذا أهمية خاصة في هذا المجال. ويتابع: «إذا وُجِد على هذه البقعة من الكون 7 مليارات من البشر تقريباً، فربما كانوا الوحيدين في هذه المجرات الواسعة؛ لذا لوجودهم ولكُرتهم الأرضـية الصغيرة أهمية خاصة؛ لأنها وفّرت لهم الحياة، وهم وفروا بواسطتها الإدراك لهذا الكون الشاسع».

ومن خواطر الفار في الكتاب خاطرة بعنوان «العدل والعدالة»، جاء فيها إن الفرق بين العدالة والعدل هو الفرق ما بين الحرية والتحرُّر. فالأول هو مفهوم مجرد ومُطلق، والثاني هو تطبيق عملي ونِسبي للمفهوم.

ويرى المؤلف أن قيمة المفهوم لا تتحقق إلا باقتراب التطبيق الواقعي منه، فكلما حقّقنا العدل بطريقة صحيحة وعادلة، اقتربنا من مفهوم العدالة المجرد أكثر، وكلما أنجزنا فعل تحرُّرنا الكامل، اقتربنا أكثر من مفهوم الحرية المُطلق. لذا كنا نحن العرب أحوج ما نكون للانتقال من المفاهيم المجردة إلى تطبيقها على أرض الواقع، وإلا أشبعنا العالم ثرثرةً دون أن نُقدم شـيئاً عمليّاً واحداً.

وفي خاطرة أخرى كتب الفار يقول: إن التنوير نوعان: ليبرالي وراديكالي ثوري، فالأول يهدف إلى إحلال التفكير المنطقي والعقلاني في تدبير الحياة وتحقيق المزيد من الحريات المجتمعية والفردية، والثاني يدعو إلى القطيعة المعرفية مع الماضـي ويدخل إلى عمق المشكلة وينقدها نقدا راديكاليّا تمهيداً لاستبدال منظومة معرفية جديدة بها.

ويضيف: أن التنوير الليبرالي يجسده محمد عابد الجابري الذي دعا إلى العقلانية، أما التنوير العلمي فمن أبرز دعاته صادق جلال العظم الذي طالب بإحلال المنظومة العلمية بدل الغيبية.

يُذكر أن د.جورج الفار وُلد سنة 1958 في مادبا، حصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة اللاتران في روما سنة 1979، وشهادة البكالوريوس في اللاهوت من الجامعة نفسها سنة 1982، ثم شهادة الدبلوم العالي في الفلسفة العربية الإسلامية من الجامعة اليسوعية في لبنان سنة 1986. كما حصل على شهادتَي الماجستير والدكتوراه في اللاهوت من جامعة اللاتران سنة 1992، وشهادة الماجستير في الفلسفة من جامعة كليرمونت الأمريكية سنة 2005، ثم شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة الروح القدس في لبنان سنة 2009.

عمل الفار مدرّسا لمادة اللاهوت في جامعة بيت لحم/‏‏ فرع عمّان، ثم انتقل لتدريس الفلسفة في الجامعة الأردنية. وهو عضو في كلٍّ من رابطة الكتّاب الأردنيين، والجمعية الفلسفية الأردنية، والجمعية الفلسفية العربية. ومن أعماله المنشورة: «حديقة راهب.. سر الكاهن وبوح الراهب» (2001)، «بهاء الأنثى.. رسائل إلى ابنتي المنتظرة» (2010)، «عاريا أمام الحقيقة» (2009)، «عودة الأنسنة في الفلسفة والأدب والسياسة» (2011)، «ابن الإنسان» (2014)،«الفلسفة والوعي الديني» (2015)، و«قراءات في فلسفة الدين» (2016).