1095426
1095426
إشراقات

د. كهلان: خطبة الوداع تقرر عصمة الدماء والأموال والأعراض وتنفي عادات الجاهلية عن هذه الأمة

31 أغسطس 2017
31 أغسطس 2017

حينما نبتهج بالعيد فإن علينا أن نتذكر وصاياه صلى الله عليه وسلم -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أكد فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن العيد مظهر من المظاهر التي تتجلى فيها أخلاق المجتمعات والتي يتنافس فيها المسلمون لإظهار ما اكرمهم الله عز وجل به من وحدة صفوفهم، ومن جمع كلمتهم ومن إصلاح ذات بينهم، ومن الدعوة الى الخير، ومن العطف على الكبير والرحمة بالصغير، ومن إظهار المودة والتعاطف والتراحم، ومن تحقيق معنى الجسدية الواحدة.. مؤكدا أن هذه المعاني كلها نأخذها من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانه حينما نتذكر هذه الأيام ونبتهج بالعيد فإن علينا أن نتذكر وصاياه صلى الله عليه وسلم.. جاء ذلك في حديثه لبرنامج سؤال أهل الذكر تحت عنوان: «أحكام العيد والأضاحي» نتناول المزيد في اللقاء التالي:

كنا قد ودعنا عيد الفطر المبارك، وكان يمثل ختاما لطاعة قدمها الناس لله تبارك وتعالى وهي الصيام، وكان عيد الفطر فيه نوع من الروحانية لأنه جاء بعد طاعة مباشرة، وقد ذكر في الحديث الشريف بأنه يمثل فرحة للمؤمن فرحة.. ماذا يحمل عيد الأضحى من هذه المعاني؟

عيد الأضحى يحمل من المعاني التي أشرتم إليها اسماها وأعلاها لأنه يأتي في ختام العشر المباركات التي رفع الله قدرها وأعلى من شأنها حينما أقسم بها فقال: (وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر)، ولأنها تأتي في نهاية العام إذ يودع فيه المسلمون عاما ويستقبلون عاما آخر، وفي هذا من العبرة والعظة لكل ذي قلب ما لا يخفى، لأن الأيام تطوى وتأتي الأعياد عيدا بعد عيد لكي تذكر هذا المؤمن بأنه منقول من هذه الحياة الدنيا الى الحياة الأخرة، وكأن في جعل الله تبارك وتعالى لختام العام أياما مباركات تضاعف فيها أجور العاملين، ويحب الله عز وجل من عباده أن يتقربوا إليه بالأعمال الصالحة لكي تكون ختام عام المؤمنين، ولكي يكون مسك ختامهم بموسم مبارك مضاعفة فيه الأجور مرفوعة في أجور العاملين يتنافس فيه المتنافسون في الإقبال على الله تبارك وتعالى بصنائع المعروف وصنوف الطاعات، في كل ذلك الحكمة الدافعة للمؤمن الى أن ينتهز فرصة هذه المواسم والى ان يقدر هذه النعمة التي انعم الله عزل وجل بها عليه، حق قدرها فيعظم شعائر الله ويغرس في نفسه تقوى الله عز وجل ومخافته، ويعلم انه منقول من هذه الحياة الدنيا الى الحياة الآخرة، وانه مسؤول عما أتى فيها، مسؤول عن اماناته التي حمله إياها ربه جل وعلا، ولهذا فان هذه الأيام العشر حينما تختتم بعيد الأضحى فانها تحمل كل هذه المعاني والدلالات كما انها تصل هذا المؤمن بالله تبارك وتعالى فانه تصله أيضا بأمته ومجتمعه ووطنه لأن العيد فرحة غامرة شاملة، العيد مظهر من المظاهر التي تتجلى فيها اخلاق المجتمعات والتي يتنافس فيها المسلمون لإظهار ما اكرمهم الله عز وجل به من وحدة صفوفهم، ومن جمع كلمتهم ومن اصلاح ذات بينهم، ومن الدعوة الى الخير، ومن العطف على الكبير والرحمة بالصغير، ومن اظهار المودة والتعاطف والتراحم، ومن تحقيق معنى الجسدية الواحدة، وهذه المعاني كلها نأخذها من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا استشهد بموقف من مواقفه عليه الصلاة والسلام، فيها من العبر والعظات ما لا يخفى فان في مثل هذه الأيام المباركة انزل الله تبارك وتعالى عليه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، حتى قيل بان بعد هذه الأيام لم ينزل حلال ولا حرام من كتاب الله عز وجل الذي أوحاه الى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وأضاف: هذه الرسالة هي خاتمة الرسالات، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين، وقد كان تتويج ختم هذه الرسالة بهذه الآية الكريمة، او كان الايذان بها بإنزال هذه الآية الكريمة في مثل هذه الأيام الطيبة المباركة، وهنا نجد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق يخطب في جماهير المسلمين الذين شهدوا معه حجة الوداع بخطبته العصماء التي يقرر فيها المبادئ اللازمة لبقاء روح هذه الأمة، وروحها انما تكمن في شريعتها التي أكرمها الله عز وجل بها، وفي سيرها على الصراط المستقيم وفي اهتدائها بالنور المبين، فيذكرهم صلى الله عليه وسلم بالمبادئ التي تعصمهم من الوقوع فيما يشتت شملهم أو فيما ينخر في وحدتهم، ويضعف شوكتهم او يمكن ان يورثهم الذل والهوان والضعف كما أورث من كان قبلهم، فيقرر عصمة الدماء والأموال والأعراض وينفي عادات الجاهلية عن هذه الأمة ويضع اصرها سواء كان ذلك فيما يتصل بالثأرات او كان مما يتصل بالمعاملات المالية، أو كان مما يتصل بمكانة المرأة وحقوقها، ثم يختم أيضا ذلك بتذكيرهم بمبدأ أصيل لازم لإبقاء وحدة هذه الأمة وألفة قلوب أصحابها واجتماع كلمتها على الحق حينما يقول: «فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» فيحذر صلى الله عليه وسلم في آخر ما يودع به أصحابه من فتنة التكفير ومن ان يعودوا كفارا يتبعون تكفيرهم بضرب اعناق بعضهم البعض، هذه كانت وصيته الخاتمة صلى الله عليه وسلم، لذلك فحينما نتذكر هذه الأيام ونبتهج بالعيد فان علينا ان نتذكر وصاياه صلى الله عليه وسلم وهل انتفعنا في واقعنا المعاصر بما وصانا به وهو يودع امته، وتوديعه لأمته كان موقفا جديرا أيضا بان تتأمل فيه هذه الأمة فانه عليه الصلاة والسلام خطب في أيام التشريق فقال كما في رواية أبي سعيد الخدري: «ان عبدا خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند الله»، يقول أبو سعيد: فكان أبوبكر بقربي فبكى، فقلت: ما يبكي هذا الشيخ؟ فان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا ان عبدا خيره الله تعالى بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، ثم يقول: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبوبكر أعلمنا لأنه فهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعهم بذلك.

في اليوم العاشر بالذات سينطلق الحجاج بعد استيقاظهم من مزدلفة وهم يكبرون الله تعالى وينطلقون لرمي الجمرات.. غير الحاج ما هي السنن التي يتبعها حتى يكون متفاعلا مع تلك الأجواء الروحانية الطاهرة التي يفيض من اجلها الحجاج؟

من المعلوم ان الأيام التسع الأولى من ذي الحجة هي من الأيام التي يستحب صيامها كما يستحب التقرب الى الله تبارك وتعالى بصنوف الطاعات وبأنواع الذكر المختلفة، ثم يأتي ختام هذه الأيام العشر بيوم العيد. وبالنسبة للمسلمين في الآفاق فان مما يُشرع لهم التقرب الى الله سبحانه وتعالى بالأضاحي وذلك في يوم العيد بعد ان يكبروا الله عز وجل عندما يخرجون لمصلياتهم مؤدين صلاة العيد، لأن كل هذه الأعمال هي من هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فاذا ادوا صلاتهم فانهم ينحرون أضاحيهم، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما حث أصحابه على تقديم الأضاحي انهم سألوه: وما لنا بها يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة حسنة، وقالوا: والصوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة، وانها تأتي بأظلافها وقرونها يوم القيامة تشهد لأصحابها وان الدم ليقع عند الله سبحانه وتعالى قبل ان ينزل على الأرض، والله سبحانه وتعالى يقول: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)، فهذه من السنن المشروعة التي ينبغي للمسلمين في الافاق - أي غير حجاج بيت الله الحرام - ان يلتزموا بها وان يتنافسوا فيها، لاسيما من كان قادرا منهم، فان حكم الاضحية على الصحيح انها سنة مؤكدة مع قول انها واجبة الا ان الراجح عند اهل العلم وهو قول الجمهور انها سنة مؤكدة على القادر عليها، ولا يخفى ما فيها من فضل بدلالة هذا الحديث وبفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه ضحّى عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين موجوأين وكان يحث أصحابه على التضحية وكان يبعث أيضا بالهدي حينما لم يكن حاجا كما فعل في العام التاسع حينما كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أميرا للحج في العام التاسع فانه بعث بهديه صلى الله عليه وسلم الى الموسم، كما في رواية السيدة عائشة.

وأضاف: هذه هي السنن المشروعة بالإضافة الى ما يستحب من بذل الخلق للناس ومن صلة الارحام والإحسان الى الناس وإصلاح ذات بينهم وإعلاء ذكر الله عز وجل بالتكبير فانه يسن أيضا ان يخرج الناس الى مصلياتهم مكبرين، وان يكون في الصلاة والخطبة التكبير ثم ادبار الصلوات وهذا تكبير مخصوص مقيد، والذي عندنا ان التكبير يوم العيد وايام التشريق يبدأ بعد صلاة الظهر من يوم العيد وينتهي بصلاة العصر في آخر أيام التشريق أي في اليوم الثالث عشر، وقيل ان التكبير يبدأ ليلة العيد وقيل من فجر يوم العيد. وأما فيما يتصل بالحاج فان الراجح أيضا انهم في نفرتهم من المشعر الحرام الى عرفات فان منهم - كما ورد في هدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معهم - انهم منهم المهلّ، ومنهم الملبي، ومنهم المكبر، ولا تزال التلبية قائمة حتى يرموا جمرة العقبة.