أفكار وآراء

ما بين «الرخاء والنماء» و«الأمن والأمان»

26 أغسطس 2017
26 أغسطس 2017

فتحي مصطفى -

,, هذا الشعار الذي عقدت في ظله الدورة الجديدة لمهرجان صلالة السياحي «عمان الرخاء والنماء» هو اختيار شديد الذكاء يعكس حقيقة الأوضاع القائمة على أرض السلطنة فضلا عن أن المهرجان ذاته أصبح تجسيدا حيا لكثير من القيم السائدة في المجتمع العماني وتمتعه بكل معاني ومظاهر الأمن والأمان,,

وليس من قبيل المبالغة التأكيد على أن المهرجان قد وصل فعلا وعملا إلى درجة عالية من النضج التام تمكنه من الاستمرار لعقود عديدة بنفس النجاح والزخم وترسيخ مكانته المحلية والإقليمية،

والولوج إلى آفاق عالمية كونه بؤرة سياحية مضيئة على خريطة السياحة العالمية في الشرق الأوسط، لما تتمتع به محافظة ظفار، من جمال بيئي وطبيعي وتنوع ثقافي وتراثي وحضاري، قلما يوجد له مثيل في المقاصد السياحية الأخرى، فضلا عما تتمتع به السلطنة عموما من الاستقرار وقيم التسامح وقبول الآخر والتواصل الإنساني رفيع المستوى ومظاهر التحضر والحداثة والنمو الاقتصادي التي تجعل بالفعل من شعار «عمان الرخاء والنماء» حقيقة مستقرة قولا وفعلا، ولعل في كلمات الشيخ سالم الشنفري رئيس بلدية ظفار ورئيس اللجنة المنظمة للمهرجان عند تقديمه لفعاليات مهرجان صلالة السياحي لهذا العام ما يعكس الشيء الكثير من هذه الحقائق، خاصة بتأكيده على أن «المهرجان ستكون له نكهة خاصة تليق بمسيرة الاحتفاء بعشرين سنة من عمره بعدما بدأ المهرجان حينها فكرة ما لبثت أن كبرت إلى أن أضحت إلى ما نحن عليه الآن»، مشيرا إلى أن دورة هذا العام التي تحمل عنوان «عمان الرخاء والنماء» حرصت كل الحرص في مجمل ما ستقدمه من أنشطة وفعاليات على أن تعكس هذا الجو المفعم بالتآخي والمحبة والرخاء الذي تعيشه السلطنة عبر إبراز هذه السمات من خلال مضامين وفعاليات المهرجان لتؤكد من جديد على أن السلطنة - بلد محبة واستقرار وترحاب - لكل الزوار الذين تكن لهم جل الاحترام على اختيارهم وجهة مهرجان صلالة السياحي لغاية الترفيه والاستمتاع بالطبيعة الخلابة.

وإذا كانت هذه الكلمات تعكس بالفعل ما وصل إليه المهرجان من مكان وما حققته السلطنة من مكانة، فلا شك في أن الحقائق القائمة على أرض السلطنة تؤكد أن هناك خطا مستقيما واضحا، أو علاقة مباشرة بين حالة الرخاء والنماء- التي حققتها السلطنة بجهود دؤوبة وعمل شاق وبرامج تنمية متتالية منذ عام 1970، حين بدأت سنوات النهضة المباركة وحتى اليوم- ومظاهر الأمن والأمان التي ينعم بها الشعب العماني في ربوع وطنه وكل أرجائه ومحافظاته مكنته من تنويع أنشطته الاقتصادية التنموية والثقافية والفنية وكذلك السياحية، وتحقيق نجاحات هائلة في هذه المجالات برغم الصعوبات التي تظهر بين حين وآخر نتيجة بعض العوامل ذات الطبيعة العالمية وعلى رأسها تقلبات أسعار النفط وبروز بعض التوترات الإقليمية والدولية، ولكن وبدون مبالغة تستطيع سلطنة عمان في سعيها لدعم مكانتها على خريطة السياحة العالمية والإقليمية عموما وتحقيق مزيد من الترويج لمهرجان صلالة خصوصا أن تعوّل كثيرا على الحقائق السياسية والأمنية في المقام الأول والتي تتمثل في هذه الحالة الفريدة من الاستقرار والأمن والأمان والسلم المجتمعي، الذي تنعم به وجعلها بالفعل واحة للسلام وسط محيطها المضطرب، ولا شك في أن هذه المقومات هي أفضل استثمار يمكن تهيئته والاستفادة به في دعم الحركة السياحية إلى جانب عوامل أخرى ترتبط بجوهر السياحة ذاته كالخدمات والبنى الأساسية، وما أكثرها في ربوع السلطنة، وربما يمكن القول إن النجاح الكبير والمتتالي الذي حققه ويحققه مهرجان صلالة على مدار السنوات الماضية هو خير دليل على ذلك.

وليس خافيا أن السياحة تماما مثل الاستثمار أو رأس المال، جميعها لديها حساسية شديدة تجاه مسألة الأمن والاستقرار السياسي والمجتمعي، فالسائح الباحث عن المعرفة وراحة البال وصفاء النفس يغامر بنفسه وماله كي يتحقق له ذلك وبالتالي فمن حقه أن يبحث عن الأماكن والمقاصد الآمنة، بل تلك هي المعادلة التي تتحقق على أرضيتها تنمية الحركة السياحية وتحقق مزيدا من الانتعاش والازدهار، كالمستثمر الذي لن يضخ أمواله في دولة أو مشروع بحثا عن الربح إلا بعدما يتأكد من الظروف الأمنية التي ستحقق له ذلك، ولعل ذلك ما انعكس في شكل سياسات واضحة ساهمت في صنع النجاح لمهرجان صلالة السياحي وفعالياته، وجعلته وجهة أو مقصدا سياحيا متميزا خاصة للباحثين عن السياحة الآمنة والسياحة العائلية على رأسها، وهذه السياسات هي في الواقع أعظم وأهم استثمار لدعم الحركة السياحية خاصة الوافدة، وبدون أدنى شك فإنها تلعب دورا حيويا ومؤثرا ليس في استقطاب الملايين من السياح الأجانب فحسب ولكن أيضا في استقطاب رؤوس أموال خارجية مباشرة للاستثمار في المجال السياحي ذاته وهو ما يعكس بالتأكيد قيمة مضافة للقطاع ولاقتصاد الدولة بشكل عام.

وقد أدركت السلطنة هذه الحقائق والعوامل مجتمعة فأصبح على رأس عوامل الجذب السياحي للدولة الاستقرار السياسي والمجتمعي الذي تتمتع به ربوعها بفضل سياستها الحكيمة، وكذلك الطبيعة السمحة للشعب العماني والعمق الثقافي والتاريخي للبلاد وموقعها الجغرافي المتميز الذي يجعلها وجهة سياحية متميزة مرشحة لمزيد من النمو في هذا القطاع وحتى تحظى بما تستحقه على خريطة السياحة العالمية.

وإذا ما كان الحديث عن مهرجان صلالة السياحي على وجه التحديد، فمن الضروري الإشارة إلى أن السياسات والقيم المشار إليها سابقا ما كان لها أن تؤتي أكلها أو ثمارها اليانعة بدون منظومة نجاح متكاملة تتداخل فيها الرؤية الفكرية الصائبة مع استراتيجيات العمل طويلة المدى والتخطيط والتنظيم السليم والدقيق والترتيبات الأمنية رفيعة المستوى وإعداد البنى الأساسية والخدمية ووسائل النقل والطرق على أعلى المستويات الممكنة من خلال العمل المشترك والمنسق ما بين الأجهزة التنفيذية المركزية والقطاعية وجميع مؤسسات وقطاعات وهيئات الدولة، ولا شك في أن هذا النجاح الخططي والتنفيذي الذي يعكسه مهرجان صلالة السياحي يؤكد أهمية البرامج والخطط التي تبنتها السلطنة من أجل تنويع نشاطها التنموي والإنتاجي بحيث تخرج من عباءة النشاط الاقتصادي الواحد وتحد من اعتمادها الكبير على المنتج النفطي والثروات الأحفورية عموما.

ومثلما سبقت الإشارة فإن من أهم الأنشطة الاقتصادية التي ينتظرها حاضر مثمر ومستقبل زاهر في الدولة قطاع السياحة الذي يبدو بالتأكيد أنه لم يستغل بعد الاستغلال الأمثل رغم طاقاته وإمكاناته الهائلة حيث يمكن القول فعلا وبلا مبالغة أن السياحة بمقدورها أن تصبح أساس التنمية في السلطنة وقاطرتها، مستفيدة في ذلك من المقومات والعوامل التي تساعد على النجاح وتحقيق معدلات نمو رفيعة المستوى، ليس للقطاع وحده ولكن لكل القطاعات الاقتصادية، مع وجود إمكانيات كبيرة لتنوع الخدمات السياحية مستفيدة في ذلك من طقس متميز طوال العام وطبيعة بيئية متنوعة في عموم الدولة، والحديث هنا عن سياحة الشواطئ والجبال والكهوف والمروج والقلاع والفعاليات الثقافية وحتى سياحة الصيد، فضلا عن التنوع البيئي ما بين السهول والجبال والأودية والسواحل، ذلك الذي يتيح تنوعا مناخيا يوفر شمسا ساطعة دافئة في الشتاء بالبوادي والحواضر، ونسائم عذبة خالية من الرطوبة مع حرارة معتدلة صيفا في الجبل الأخضر، مع الرياح الموسمية ورذاذ المطر والغيوم والنسيم المنعش في موسم الخريف بمحافظة ظفار، إضافة إلى ما تزخر به البوادي والمناطق الساحلية من مقومات الجذب السياحي لتنظيم رحلات السفاري الصحرواية، وممارسة الرياضات المائية بالشواطئ الممتدة النظيفة، ويضاف إلى ذلك كله تنوع الموروث الشعبي في الفنون والصناعات اليدوية التقليدية.

ويدعم هذه المظاهر المتنوعة والمعالم البيئية المتميزة توافر عدد كبير من مشروعات ومنشآت الضيافة مثل الفنادق متعددة الدرجات والشقق الفندقية ومختلف المرافق التي تقدم الخدمات الضرورية للسياح والزوار، وإبراز ملامحها الثقافية والهوية الوطنية، وكلها معالم لا تخطئها العين في صلالة على وجه التحديد ويجب العمل على تنميتها بكل السبل ومن خلال زيادة الفعاليات الترفيهية والثقافية والرياضية والفنية والتراثية وإكسابها البعد الدولي بمزيد من المشاركات الأجنبية والدولية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها بإبراز هذا الجمال الفريد واستقطاب الجموع السياحية بحيث تصبح صلالة مقصدا ثابتا على خريطة الرحلات العالمية.