المنوعات

وجدي الكومي: أود لو أمنح الجنود الفرصة ليحكوا قصصهم.. ولا أحسب نفسي كاتباً ذاتياً

25 أغسطس 2017
25 أغسطس 2017

تنتابني دائماً الرغبة في كتابة رواية «العائلة» على غرار نجيب محفوظ -

القاهرة – حسن عوض:-

في مجموعته القصصية الجديدة «شوارع السماء» يجمع الكاتب المصري وجدي الكومي بين الواقع والفانتازيا. بعض القصص يربط فيها بين الاثنين بينما تتخلى قصص أخرى عن الواقع تماماً كما حدث في القصة التي تحمل عنوان المجموعة وأيضاً في «تأكل النسور من رأسه» وغيرهما. لا يركز وجدي على نفسية الشخصيات فقط، ولكن على العلاقات والأشخاص والمجتمع التي تشكل خلفية في كل القصص. يبدو المجتمع خانقاً وضاغطاً وكريهاً. «ديستوبيا» كاملة يريد الأبطال الفرار منها إلى عالم خيالي وجميل تحققَ، ربما، في قصة واحدة هي «شوارع السماء».

وجدي من مواليد 1980، صدرت له أربع روايات هي «شديد البرودة ليلاً»، و«الموت يشربها سادة»، و«خنادق العذراوات»، و«إيقاع»، والأخيرة حصل عنها على جائزة الإبداع الأدبي عن مؤسسة الفكر العربي، كما صدرت له مجموعة قصصية هي «سبع محاولات للقفز فوق السور». هنا حوار مع وجدي الكومي حول المجموعة الجديدة.

لماذا تسيطر حياة الجنود والمآسي التي يواجهونها على كثير من قصص العمل، لدرجة أن هناك قصصاً كاملة كُتبت عنهم مثل «كاتب قصص الجنود»، و«أرض الدمامل»، و«تأكل النسور من رأسه».. بالإضافة إلى ظهورهم في بعض أجواء القصص الأخرى؟

الجنود هم أبطال سيرة حياتنا اليومية، البلد في مواجهة مع الإرهاب، وهي مواجهة طالت أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام، كلما تحدثنا في أزمات البلد، فجعنا في مقتل الجنود في حادث إرهابي، وعلى الرغم أن هذه المواجهة التي طالت، حصدت أيضا في طريقها إرهابيين ومتطرفين، لكن عدم انتهاء الإرهاب يجعلنا وكأن النصر بعيدا عنا، وكأن جنودنا ضحايا، وليسوا فقط شهداء، مشغول بالجنود، لأنهم في الصف الأول دائما، ومستهدفون دائما، وربما إذا لم يكونوا مستهدفين، فحياتنا نحن ستكون البديل، أرغب في توضيح فكرتي أكثر بأنني لم أجد دائما من يتحدث بالنيابة عن هؤلاء الجنود الشهداء، وكأن موتهم، أو سقوطهم في الحرب يمحو بشكل ما وجودهم، بينما يمنح سقوطهم الانتهازيين للاتجار بقضيتهم، فكرت أنني أود لو أمنح هؤلاء الجنود الفرصة ليحكوا قصصهم، تفكيري الذي غلب عليه الانشغال بسيرة الجنود، جعل قصصهم تغلب على أجواء «شوارع السماء» للأسباب التي ذكرتها.

■ هل هذا التكرار، إن جاز لي القول، أو إعادة رسم حياة الجنود بأكثر من صيغة كان مقصوداً منه إعطاء انطباع بأن هذه متتالية قصصية، أم أن هذا الأمر لم يكن في ذهنك؟

لم يجل بخاطري إنني سأكتب متتالية عن الجنود، ظروف كتابة القصص كانت مرتبطة بشيئين، برغبتي في تجربة الكتابة في موضوعات معينة، تخرجها عن قالبها المعروف، وكذلك تجربة نفسي في كتابة قصة قصيرة عن موضوع كبير ربما لا تسعه حيز القصة القصيرة، أقصد بقالب الموضوعات المعينة «أدب الحرب»، أظن أن كتابة «أدب الحرب» بحاجة لتجديد ما، أشعر أحيانا أنه قالب عفا عليه الزمن، لكني فوجئت أن بمقدورنا أن نكتب فيه، وفقا للأحداث التي فرضت نفسها، فها هي قصص الجنود تعود للواجهة، وتتصدر سيرتهم مانشيتات الصحف، كانت ظروف كتابة القصص في هذه الأجواء التي رغبت فيها أن أجرب نفسي كما قلت: هل ستصلح القصة القصيرة للتعبير عن مشهد كبير..؟ أعتقد أنها تصلح، لكن المعضلة كانت: هل سأنجح في ذلك؟

■ برغم حالة العزلة التي تبحث عنها معظم ذوات المجموعة إلا أن هناك ظهوراً قوياً للعائلة فيها، الزوجات والأبناء.. لماذا؟

أنا رجل عائلي. أظن أنه من الطبيعي أن تطغى قصتي الشخصية بشكل أو بآخر على ما أكتب، الظهور الذي تتحدث عنه للعائلة، الزوجات، الأبناء، ينسحب بالتأكيد إلى صفحات كتابتي، في «رجل البطاطس في المساء» هناك رب الأسرة الذي ينسحق في مواجهة متطلبات حياة أسرته، وأطفاله، في «رجل الأوكازيون» هناك أيضا رب الأسرة الذي تسحقه متطلبات عائلته الشرائية، وصراعه الدائم بين ..هل يشتري أشياء لا يحتاجها، ليوفر قيمة مشتريات أشياء يحتاجها؟ إنه صراع عائلي زوجي، وأسئلة تطرحها الزوجات دائما على الأزواج في رحلات «السوبرماركت»، كنت أتطلع إلى هذه المواقف العبثية، واسأل نفسي: هل تصلح للكتابة في قصة؟ تصلح بالتأكيد، ولكن أي قالب؟ وكيف نضمنها في حكاية يقرؤها أحدهم، فيشعر أنه يقرأ شيئا جديدا، وفي الوقت نفسه يشعر معها بالألفة، يشعر أن القصة قصته، لكن فيها شيئا جديد لا يزال، ظهور الأبناء في القصص، مثل قصة «قصة قصيرة كتبها أبي» شاغلي المستمر، العلاقة بين الآباء والأبناء، الأجيال التي تتكرر أحداثا بعينها، حاجة الآباء للأبناء، وحاجة الأبناء للرابطة التي تصلهم بآبائهم، والشواغل الاجتماعية الهائلة التي تحول دون اتصال هذه العلاقة، أنا شديد الالتصاق بأسرتي، أبي، وأمي قبل رحيلها، وأشقائي، أشعر أحيانا إن هذه العلاقات الأسرية يمكنها أن تحمل حكايات، وعوالم شديدة الثراء، وتنتابني رغبات عديدة في كتابة رواية «العائلة» مثل تلك التي كتبها نجيب محفوظ في «حديث الصباح والمساء»، موضوع العلاقة الأسرية بين أب وابنه كان تجربة بالنسبة لي رغبت في كتابتها في قالب القصة القصيرة، كنت أشعر أن هذه العلاقة لا يمكن التعبير عنها بشكل خاطف ومكثف كما تتطلب القصة القصيرة، لكن ردود الأفعال التي تلقيتها على هذه القصة تحديدا «قصة قصيرة كتبها أبي» أكدت أنني نجحت بشكل ما.

■ كثير من القصص لا تكتفي بالكشف عن الأحوال النفسية للأبطال ولكنها أيضاً مهتمة برسم العالم من حولهم، عالم الجيران وزملاء العمل والناس في الشارع.. لماذا؟

لا أحسب نفسي كاتبا ذاتيا، لا أكتب عن تجربتي الخاصة فقط، أشعر كثيرا أن تجربتى متشعبة، ومرتبطة أكثر بالغير، بالجيران، بزملاء العمل، بالناس في الشارع، كثيرون يضبطونني منصتا لحوار بين سائقين، أو متتبعا لقصة تشغل بال الناس، أو حادث كبير آثار لغطا، تنتابني كثيرا رغبة في ربط الحدث اليومي، بواقعي الشخصي، خلال الكتابة تنتابني كثيرا رغبة ملحة في استعادة أحداث معاشة، وبحث تأثيرها على الإنسان البسيط، الذي يعيش حياة تقريبا هامشية، حياة ليس لها تأثير، لكنها في مهب ريح أحداث عنيفة، أو مباغتة، من ذلك جاءت مثلا فكرة «قطرتا ماء وصنبور صدئ» بطل هذه القصة على الهامش تماما، لكن مجريات الحرب على الإرهاب، قصف الإرهابيين في ليبيا، تؤثر في مجرى حياته، يعيش حياة لاهية، لا يفكر أبدا ولا يتعامل مع الحدث اليومي، إلا بمصادفة كونه يعمل صحفيا، وربما إذا كان يعمل طبيبا، لما سمع أبدا عن هذا الحدث الكبير، حياته تتشكل بالأخبار، وترتبط بها، بل إن حياته وارتباطاته الاجتماعية يُعاد تشكيلها وفقا لرغبة العمل، والأحداث المؤثرة في عمله، إذا كان لديه حدث كبير، سيتوجب عليه الذهاب إلى العمل، وإلغاء ارتباطاته الاجتماعية، وعليه فهو يعيش حياته الخاصة داخل العمل، في قصة «الرقيب» هناك بطل يُعصف به، ويتعرض للتنكيل، لأنه أطلق مزحة على أحد زملائه في العمل، العبثية المحيطة في عالمنا تفرض نفسها بالتأكيد علينا، تجعلنا نبحث في كيفية التعبير عن هذه العبثية، من خلال ربط الحدث اليومي، ورسم العالم من حول الأبطال، بما يعتمل في نفوسهم.

■ باستثناء بعض القصص مثل «شوارع السماء»، و«الرجل الذي يدخر البكاء»، و«أرض الدمامل» الفانتازية بالكامل، هناك محاولة لتسريب الغرائبية أو الفانتازيا من خلال ربطهما بالواقع.. ما فلسفتك في مزج الواقع بالخيال؟

الغرائبية في كل مكان حولنا، الغرائبية ليست فقط في كتب الأساطير، وليست أيضا في العوالم المجهولة التي تضمنتها حكايات الجدات مثلا، الغرائبية في واقعنا وفي الأحداث التي نعيشها، في الحوادث العجيبة التي تقع، لا أمتلك أحيانا أمثلة، لكنني أشعر أن الواقع لا ينفصل عن الخيال، سرتْ من فترة مقولة «الواقع انتصر على الخيال» التى اعتدنا ترديدها لدى سماع كل حكاية عجيبة، ربما لا يستطيع كتابتها أكثر الكتاب تخييلا، حينما نتحدث عن الغرائبية، البعض يحلو له أن يراها شيئا لا يمكن مزجه أبدا بالواقع، أرى العكس، أن الحكايات الفانتازية، هي أعمال ثورية بامتياز، لأنها اعتمدت على متن الواقع، وأعادت تدويره، فبدت كأنها تقدم شيئا غير مطروح من قبل، أسوق هنا مثلا على كلامي، رواية «مائة عام من العزلة»، يطرح فيها جابرييل ماركيز قصة ثورة، ففي المدينة التي نشأ فيها ماركيز، آراكاتاكا، سيطرت شركة الموز على مقدرات أهل القرية، من هذه الحكاية التي أثرت في طفولة ماركيز، نبع متن الحكاية للرواية، التي لعب بطولتها أشخاص غريبو الأطوار، الحكاية واقعية، لكن براعة الروائي وقدرته من أدواته، أوجدت من متنها قصصاً فانتازية مبهرة، لكن متنه الأصلي هو الواقع.

■ لماذا تعتمد على تلك اللغة المتقشفة التي لا تحمل أبعاداً أكثر من لغتها الإيصالية؟

إذا كنت تقصد بالتقشف في اللغة، أن كلماتها فقيرة المعنى، أو مجازاتها غير ثرية، فأنا لا أستطيع الإجابة إلا بمثال مما تقول، أفكر في اللغة حسب مهمتها، مهمة كل جملة وقدرتها على توصيل مشهد ما، أو صورة ما، في قصة «شوارع السماء» كنت بحاجة للغة ثرية، واسعة المجاز، تحمل صورا، وتعطي إيحاءات، أظن أن لغة شوارع السماء ليست متقشفة مطلقا، لكن بعض القصص الأخرى تبدو اللغة فيها محايدة، اللغة في قصة «كاهن المعبد العجوز» ليست متقشفة، إنما تعكس صراع الرجل الذي يحاول الهيمنة على امرأة تعجبه، لكنها تصدمه، تنقلب إلى نمرة، فيواجهها بحدتها، ثم يتراجع إلى كهفه مهزوما، اللغة في بعض القصص محايدة حياداً مطلقاً، مثل قصة «مقتل رجل المنجنيز»، نحن بإزاء شخصية شديدة الاعتداد برأيها، لكنها تفاجأ في لحظة أخرى بخيانة قلبها، حينما تكتشف إصابته بجلطة.

■ في إحدى القصص اختفى ذلك الشخص الذي يحمل اسم «كاتب قصص الجنود» من محبسه.. هل قصدت صناعة أسطورة من تيمة كلاسيكية تظهر في الحكايات الشعبية، وهي تبخر شخص ما رغم أن الجميع كانوا متأكدين من حضوره؟

قدمت من البداية أسباباً عبثية وجود «كاتب قصص الجنود»، فهذا هو اسمه في البطاقة، من البداية مهدت للقارئ أن ينتظر مفاجأة من شخص غير تقليدي، هو ذلك الكاتب، الذي اسمه ومهنته كتابة قصص الجنود، اتفقت منذ البداية مع قارئي أنك بصدد شخصية عبثية، ويجب أن تقبل في لحظة ما ارتكابه أفعالاً غرائبية، من بينها الاختفاء، التيمة الكلاسيكية التي تتحدث عن ظهور بطل أو مخلص فجأة واختفائه فجأة لم تخطر ببالي أثناء كتابة القصة، ما خطر ببالي فقط، أنني بحاجة لبطل، وهمي، تخيله الناس، أو صنعوه بعجزهم عن الإتيان بمواقف شجاعة.

الأبطال في معظم القصص يحاولون بشكل ما التقاطع مع حياتهم الرتيبة والمملة، وعلى سبيل المثال، في قصة «قصة قصيرة كتبها أبي» يستمع البطل إلى نص للأب في الهاتف وفي الوقت نفسه يحاول إرضاء الزوجة بعدم نسيان طلباتها على الناحية الأخرى.. وهو نفس البطل الذي يظهر في قصص أخرى ناقماً على الحياة ومحاولاً الطيران إلى آخر حدود المجرة كما يظهر في قصة «شوارع السماء» نفسها.. ما رأيك؟

بطل «قصة قصيرة كتبها أبي» يحاول الحفاظ بشكل ما على شعرة تشده إلى الماضي، ربما يكون رأيك في محله، من حيث أنه يحاول التمرد على حياته الرتيبة والمملة، في «شوارع السماء» الفكرة مختلفة، لدينا بطل يحاول أن يتخطى البحر الذي ابتلعه، ليحقق أحلامه، بطل هذه القصة شخص يعيش حياة أخرى، ما بعد الموت، الأبطال هنا يحاولون التقاطع مع حيوات عجزوا فيها عن تحقيق أي شيء، بطل «قصة قصيرة كتبها أبي» عجز عن أن يكون مع والده للأبد، فيحاول أن يستعيد هذه الحياة التي جمعتهما باتصاله به يومياً.

■ هل تنتمي هذه المجموعة إلى أدب «الديستوبيا».. بدليل أن قصة «شوارع السماء» محاولة لإيحاد يوتوبيا موازية لعالم الأرض المرير والقاسي؟

من الوارد أن تنتمي هذه المجموعة إلى هذا النوع من الكتابة، «الديستوبيا» لفظة لاحقة على الكتابة، وأعتقد أن تعريفها حتى الآن غير دقيق، هل تنتمى رواية «بداية ونهاية» إلى الديستوبيا، لأنها كئيبة ونهايتها مآساوية؟ هل الديستوبيا هي فقط الأعمال الغرائبية؟ أم هي الأعمال التي تتناول نهاية الأرض، والحياة مثلا؟ أشعر بالحيرة حينما يحاول البعض أن يصنف كتابة ما على أنها «ديستوبيا» أو «يوتوبيا»، أعتقد أن مهمة الكاتب ألا يكتب عن الورود، أو المأساة، بقدر ما يحاول أن يجعل عمله فنيا أكثر، إذا كانت كتابته التي تتناول الحياة الأخرى، أو نهاية العالم، فنية أكثر، فهذا هو المهم، إذا كانت حكايته تتناول الأطباق الطائرة، فلا بد أن يوجد ما يكون مختلفا عن جميع الأفلام التي شاهدناها عن عزو الفضاء لكوكب الأرض، أو حرب النجوم، أظن أن الديستوبيا واليوتوبيا وغيرهما كلمات سهلة يستخدمها البعض لتوفير عناء التطرق لمواطن أخرى في الكتابة، وعليه، فأنا لا أعرف إن كانت كلمة «أدب الدستوبيا» هي مدح أم ذم لجودة الكتابة وفنيتها.

■ لماذا يظهر التمييز بشكل مباشر في النصوص، من عينة التمييز ضد «النصراني» بتعبيرك؟

التمييز مشكلة مصرية، لا يمكن إنكارها، وأنا لا أكتب عنها، وليست قضيتي أن أجد لها حلولا، لكنها من بين التفاصيل التي تفرض نفسها في بيئة قصصي.

■ بعض النهايات كابوسية وغير متوقعة.. كنا ننتظر في قصة «الرجل الذي يدخر البكاء» هطول الدموع برداً وسلاماً على الأرض.. ومع هذا «هطلت فجأة مثل أسياخ النار».. هل هذه النهايات تعني أنه لا أمل في وجود شيء جيد؟

من الوارد أنه لا أمل في وجود شيء جيد، فكرة القصة ليست عن الأمل، بقدر عن رغبة الرجل في الاحتفاظ بدموع حقيقية لأجل العالم الذي يذبل وينطفئ، ولا أحد يبكيه، أسياخ النار ربما تكون دلالة على غضب هذه الدموع التي بقيت حبيسة فترة طويلة في مناديل جامع الدموع، لو كان العالم يبكى ضحاياها، لما حُبست هذه الدموع، لو كان العالم عاطفيا أكثر، ودودا أكثر، رحيما أكثر، لما ظلت هذه الدموع حبيسة في أدراج ومنزل الرجل الذي يدخر الدموع، لكن العالم ليس ودودا، وليس رحيما.

■ هل يمكن القول إن الناجين فقط في ذلك العالم الكابوسي هم المجانين، كما نرى في قصة «المجنونة صاحبة السطوة».. هل الجنون وحده يحمي في ذلك العالم؟

أعتقد أن المجانين في نعيم، هذه المقولة صادقة فيما يتعلق بالمجنونة صاحبة السطوة، لأنها لا تخشى شيئا، وتبادر، وتجهر بما يعتمل داخلها، إنها أقدر، وأكثر جدارة بالتعبير عما في نفسها، وفي نفس الوقت لا يلومها الناس، بالعكس، ربما يقدرونها، ويخشونها، بشكل ما أعتقد أن الجنون يحمي صاحبه من مغبة أفعاله، وهذه قد تكون نعمة أحيانا.

■ من المدهش أيضاً أن الصراع يتجاوز الحواري والشوارع الضيقة إلى الصراعات الكونية.. ذلك الشخص الضعيف، على سبيل المثال، الذي يعمل في محل «موبايلات» يدخل في تحد مع «جوجل» ويكسبه.. ما الذي قصدته من تضخيم الصراع إلى هذا الحد؟

عبثية كل شيء، صادفت شخصا يزعم قدرته على ابتكار وسيلة اتصال بالثقوب السوداء، حكاية الرجل كانت عبثية، وكنت أحني رأسي متظاهرا بتصديقي ما يقوله، حدث ذلك للأسف بعد نشري المجموعة، لو كنت صادفته قبل نشرها ربما كنت ستقرأ شيئا عنه، هناك طلبة بالثانوية العامة يخترعون أشياء عجيبة، كثيرون يقف واقعهم الضيق عقبة أمام تحقيق أحلامهم، منهم بطل قصة «جوجل» الذي يتمنى الوصول لفنانة هو معجب بها، يتخيل نفسه في صراع مع موقع جوجل، ويتخيل أن بوسعه عقاب محبوبته، بغلق المنصة التي تنقل أخبارها، وفي وسط هذيانه يصادف أناشيد المتطرفين، هؤلاء أيضا وقف واقعهم الضيق عقبات أمام تحقيق أحلامهم، فاختاروا طرقا غير منطقية لتحقيقها، أظن أن العبثية التي تحكم العالم هي معنى هذه القصة الذي أردت توصيله.

عالم «كمبواندس» الأغنياء ظهر أيضاً على التخوم في قصة «الطريق الدائري».. لماذا اختار البطل أن يشنق نفسه بدلاً من محاولة الدخول في صراع مع هؤلاء الأغنياء.. ومرة أخرى لماذا لجأت إلى حل الأساطير الشعبية التي تجعل من روح الميت المظلوم قوة مدمرة في تلك القصة؟

صراع بطل «الطريق الدائري» لم يكن مع أغنياء المجتمع، وروحه التي ظهرت كقوة مدمرة في القصة، هو بشكل ما الأمل الذي قلت إنك لم تجده في «الرجل الذي يدخر البكاء»، صراع بطل هذه القصة مع مجتمع غابت عنه العدالة، ففي الوقت الذي يضطر أحدهم للعمل أكثر من وردية خلال اليوم، ثم يعجز في النهاية عن تسديد ديونه، هو يعيش بالتأكيد في مجتمع غير عادل، غابت عنه قيم التكافل، عالم غير رحيم، كالذي سبق وذكرته في ردي عن أسباب انتقام الدموع، نحن هنا لسنا بصدد الاعتماد على الأساطير الشعبية كخاتمة لقصة، بل نبحث عن حل غيبي، وهو أن العدالة ستتحقق يوما ما، وعلى الرغم من أنني أشك في ذلك، أشك في أن العدالة ستتحقق، لكنني أردت أن أمنح بطلة القصة انتصارا عبثيا، فالهواء الذي تنفسه ظالمو زوجها سمم خصومها بشكل ما، جاؤوا ليخوضوا في سيرة الرجل، بدلا من أن يعزُّوها، فماتوا مختنقين، لا أعمد كل مرة إلى الأساطير الشعبية لحل نهاية القصة، أعتقد أن الغيبيات تساعد الكتاب في العثور على حلول.

■ هل أنت مهموم بالتصنيف الجيلي؟.. وما الجيل الذي تنتمي إليه.. أو المجموعة التي تنتمي إليها جمالياً؟

أنا مهموم بالكتابة، بكتابتي، وهل هي فنية، أم لا؟ هذا ما يقلقني، ولست مشغولا بمسألة الجيل، وإلى أي مجموعة أنتمي، لكنني أتنافس مع الكتاب الأموات، كما يقول هيمنجواي.

■ هل ترى أنك حصلت على حقك نقدياً؟

أنا لا أشكو من قلة النقد، أظن أن كتبي نالت اهتماما نقديا معقولا، لا أشكو من تجاهل أحد لما أكتب، ولا أظن أن مشكلتي الكبرى الآن هي قلة النقد، أظن أن المشكلة الحقيقية تكمن في ضعف التسويق لما يتم نشره من مقاربات نقدية عن الكتابة، لم أحصل على حقي تسويقيا، ربما تكون هذه هي الصيغة الملائمة، والتسويق أمر عجيب لا أجيده.

■ وما الذي تضيفه الجوائز إلى الكاتب؟

تضيف الكثير، أولاً تسلط الضوء على أعماله بشكل كبير، وتجعله مطروحا، تطرحه أيضا على مائدة النقاد، بعد فوز إيقاع بجائزة الفكر العربي، دارت عجلة المقالات النقدية مرة أخرى عليها، فتذكرها كتاب بعد نشرها بعامين، وكتب عنها كثيرون مطلع هذا العام، الجوائز تضيف بالتأكيد للكاتب.

■ من هم كتابك المفضلون على المستوى المحلي والعربي وأيضاً على المستوى العالمي؟

على المستوى المحلى، أقرأ أبناء جيلي جيدا، أو الكتاب الذين تصدر أعمالهم حاليا في مصر، لأننا من قبل اتفقنا على أنني لست مهموما بمسألة الجيل، قرأت في الجامعة رواية «فساد الأمكنة» وعجزت عن التخلص من تأثيرها، بالتأكيد نجيب محفوظ لا يزال يؤثر عليَّ حتى الآن، ومن بعده إبراهيم أصلان، من الغريب أنني قرأت رواية «وردة» للروائي الكبير صنع الله إبراهيم أكثر من مرة، وتمنيت أن أكتب رواية جميلة مثلها، لكن للغرابة، أنني لم أقرأ باقي أعمال الأستاذ صنع الله، خاصة الأحدث بنفس الاهتمام، بالتأكيد أنا مقصر في حق الأستاذ صنع الله، وإليه يرجع فضل مساعدتي في نشر عملي الأول، هناك كتاب مصريون كثيرون أثروا فيَّ، مثل خيري شلبي، ويوسف أبوريه، أحببت جدا روايته «ليلة عرس»، على المستوى العربي لم أستطع التخلص من فتنة وجمال «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، الأدب الفلسطيني له سحره العجيب، وعالميا القائمة طويلة، تعرفت على سارماجو من روايته «الطوف الحجري»، قرأت أورهان باموق كثيرا، وحتى الآن أحرص على قراءته، لم أقرأ أبدا أليف شافاق، لأنها تحولت لأيقونة «بيست سيللر» مما نفرني من كتابتها بلا سبب، الكتاب الأمريكيون فرضوا أنفسهم على قائمة قراءتي، قرأت لجون فانتي، وتشارلز بوكوفسكي، وأقرأ حاليا «أوراق العشب» لويتمان، لكنني أعود كثيرا لقراءة عمل ساراماجو «انقطاعات الموت».

■ أخيراً.. ما الذي تعمل عليه حالياً؟

انتهيت من رواية، أتمنى أن تصدر قريباً، أعتقد أنك ستصنفها على أنها «ديستوبيا»، لأنها سوداوية للغاية.