abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش...ومتون : رفقا بالكائنات!

19 أغسطس 2017
19 أغسطس 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

هل حان الوقت لوضع حدّ لـ(ديكتاتورية) الإنسان على كوكبنا، بعد أن تسيّده منذ ظهور الحياة على وجه البسيطة، عندما حمل الأمانة، و« إنّه كان ظلوما جهولا»؟

سؤال دار برأسي، وأنا أرى غطرستنا، وتنكيلنا بالكائنات الأخرى التي تشاركنا الحياة على ظهر هذا الكوكب، التي لم يسلم منها حتى الأسد الضرغام، ملك الغابة الهمام! فـقد «انخفضت أعداد الأسود الإفريقية في البرية بأكثر من 40 في المائة لتصل إلى حوالي 20 ألف حيوان في العقدين الأخيرين، بحسب التقديرات»، كما جاء في خبر بثّته (سكاي نيوز)، ليس من باب اتّقاء شرّه، وهو مهما بلغ لن يصل إلى شرّ بعض بني البشر!، ولكن بسبب الحاجة إلى أجزاء من أجسادها كالأسنان، والمخالب، والعظام التي لها استخدامات متعدّدة في الثقافة التقليدية بإفريقيا.

ولنا أن نتخيّل كيف يكون حال الحيوانات الأليفة، والكائنات الضعيفة، فهل لها مهرب من بطش الإنسان؟

لقد وصل الحال بالبعض إلى اعتبار الرفق بالحيوان نوعا من رومانسيات الشعراء التي انقرضت في عصرنا، فلم يعد أيّ مكان للمعري الذي يدعو إلى الشفقة بالكائنات، ليس بالامتناع عن أكلها فقط، كونه أمضى الشطر الأكبر من حياته نباتيّا، بل لأنّه يمتلك من الشعور الإنساني ما يجعله يشفق على برغوث حرمه النوم، داعيا إلى إطلاق سراحه، عادّا هذا العمل يفوق إنفاق صدقة، تعطى لمحتاج:

تسريح كفك برغوثا ظفرت به

أبرّ من درهم تعطيه محتاجا

فيما يرأف حاتم الطائي بالناقة الضعيفة عند ركوبها، فإذا كانت كذلك، فليركب واحد من الرفيقين، إن مضيا معا في رحلة، ويمشي الآخر، إلا إذا كانت قوية قادرة على حمل الإثنين:

إذا كنت ربا للقلوص فلا تدع

رفيقك يمشي خلفها غير راكب

أنخها فأردفه فإن حملتكما

فذاك وإن كان العقاب فعاقبِ

ومؤخّرا لفتت نظري حكاية المصرية سلوى أبو النجا، شقيقة الفنان خالد أبو النجا، التي كانت مولعة بتربية القطط بعد التقاطها من الشارع، وإطعامها، والاهتمام بها، وحين تعرّضت شقتها إلى حادث حريق، لم تهرب، بل فكّرت بقططها التي تبلغ أكثر من (30) قطة، ولم تتركها وحدها في مواجهة قدرها، فحاولت إنقاذها، وتمكنت بالفعل من إنقاذ 18 قطة، بعد ذلك توفيت اختناقا، فضربتْ مثلا في الإنسانية، حتّى أنّ الصحف المصرية أطلقت عليها لقب «شهيدة الرحمة»، وذلك جزء من تربيتنا الدينية، التي تحثّ على الرفق بالحيوان، ويدلّ عليها حديث الرجل الذي كان «يمشي بطريق إذِ اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى منَ العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب منَ العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئرَ فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفِيه حتى رقى، فسقى الكلب، فشكر الله تعالى له، فغَفَرَ له»، قالوا: يا رسول الله: وإنَّ لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: «في كل ذات كبدٍ رطبة».

ولأننا نعيش اليوم في عالم كثير القسوة التي لم ينج منها الإنسان، لذا وجب سنّ القوانين، والتشريعات حماية لهذه الكائنات، وخصوصا النادر منها، من الانقراض، ونشر الوعي للحدّ من ذلك، وقد وُضعت في محميّات طبيعيّة، حفاظا عليها، وضمن هذا السياق، جاء قرار وزارة البيئة والشؤون المناخية المرقّم 64/‏‏‏‏2017، الذي منع «القيام بأيّ أفعال، أو أعمال من شأنها الإضرار بالسلاحف المعشّشة داخل المحمية، أو إزعاجها بلمسها، أو الاقتراب منها أثناء تحركها على الشواطئ، أو لمس بيضها، أو تحريكه، أو جمعه»، كما منع إزعاج الحيوانات الفطرية، والطيور، أو قطع الأشجار، والأعشاب داخل المحمية بأيّ وسيلة، أو التسبب في ذلك ، وأشار القرار إلى معاقبة مخالفي أحكام اللائحة التنفيذيّة لقانون المحميّات الطبيعية، وصون الأحياء الفطرية بغرامة مالية مع مضاعفتها عند تكرارها.

وحين يصل الأمر إلى فرض عقوبة على من يزعج حيوانا فطريا، أو يقطع شجرة، أو عشبا، أو يلمس بيوض السلاحف، أو يمارس أيّ ألعاب جماعية على شواطئ تعشيشها، أو الغوص إلا في الأماكن المخصّصة لذلك، أو حتى الاقتراب منها!!، فهذا يعني الكثير في ميزان الإنسانيّة التي لن تكتمل إلا بالرفق بالكائنات.