أفكار وآراء

ما بين ترامب وموسكو.. صراع مع وقف التنفيذ!

19 أغسطس 2017
19 أغسطس 2017

مروى محمد ابراهيم -

«علاقتنا مع روسيا تراجعت إلى أدنى وأسوأ مستوياتها ، بل إنها بلغت مستوى خطيرا للغاية.. والفضل للكونجرس »

بهذه التغريدة التي حملها موقع تويتر إلى العالم علق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قانون العقوبات الجديد ضد روسيا والذي تضمن أيضا عقوبات ضد إيران وكوريا الشمالية، ولكن هذا لم يمنعه من توقيعه ليسري كقانون. ربما يكشف هذا الموقف عن أسوأ انقسام تشهده واشنطن إزاء روسيا. فبقدر ما تتجه إدارة ترامب وبقوة نحو إصلاح العلاقات مع موسكو وطي صفحة الماضي، فإن الكونجرس يبذل قصارى جهده للحيلولة دون أي تقارب أمريكي- روسي. وهو ما يبرر البند الخاص بمنع الرئيس من تخفيف العقوبات ضد روسيا. ولكن السؤال الآن هل ستنجح مساعي الكونجرس في منع ترامب وإدارته من التقارب مع الجانب الروسي ؟ وهل سيقف الرئيس مكتوف اليدين في مواجهة تحركات الكونجرس التي تحمل الكثير من المساس به وبمكانته ؟.

لا يخفى على أحد الصراع العلني بين ترامب والكونجرس على الكثير من الأصعدة، فطريق ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض وحتى هذه اللحظة مليء بالعقبات والصراعات مع السياسة داخل حزبه، «الجمهوري»، ولكن أسوأها على الإطلاق ما يتعلق بعلاقته مع روسيا. فإدارة ترامب تضم مجموعة من أبرز مؤيدي موسكو، وعلى رأسهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون الرئيس السابق لواحدة من أكبر شركات البترول المتعاملة مع روسيا. وفي ظل هذا الصراع والشكوك التي تحوم حول ترامب إزاء علاقته بموسكو، كان لا بد من أن يبدي الرئيس الأمريكي حسن النوايا، وأن يوقع قانون العقوبات الذي يهدف إلى الحد من صلاحيات الرئيس فيما يتعلق بروسيا رغما عنه. ولكن هذه المناورة من جانب البيت الأبيض لا تعني بالضرورة الانصياع الكامل للكونجرس والاستجابة الكاملة لضغوطه، وهو ما بدا جليا من خلال انتقاداته العلنية والعنيفة لقانون العقوبات ضد موسكو، ووصفه له بـ«الأحمق».

وعلى الرغم من أن الجانب الروسي اعتبر العقوبات بمثابة «إعلان حرب تجارية»، إلا أن هناك أوجه تعاون بين الجانبين لا يمكن تجاهلها وعلى رأسها الملف السوري. فالتعاون الأمريكي – الروسي لحل الأزمة السورية تحول إلى أمر واقع خلال الأشهر الماضية، بغض النظر عن تضارب المصالح فيما بينهما في بعض الأحيان إلا أن هناك اعترافا ضمنيا بضرورة التنسيق بين الجانبين لتجنب تصاعد الخسائر خاصة في الصفوف الأمريكية. فقد نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تقريرا الشهر الماضي نقلت فيه عن مصادر مقربة من وزير الخارجية الأمريكي تأكيدها أن تيلرسون أبلغ أنطونيو جوتيريتش الأمين العام للأمم المتحدة أن واشنطن تركت لموسكو صلاحية تحديد مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وأن أولوية إدارة ترامب حاليا هي القضاء على تنظيم داعش الإرهابي نهائيا. وبالتالي تخلت عن إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين الجانبين.

واعتبرت المجلة الأمريكية أن تأكيدات تيلرسون لجوتيريتش تعكس رغبة الإدارة الأمريكية الحالية في إعلام الأمم المتحدة بأن روسيا تجلس في مقعد القيادة في سوريا بشكل مؤقت، لحين إتمام مهمتها الرئيسية وهي القضاء على تنظيم داعش الإرهابي واتباعه في المنطقة نهائيا. وعلى الرغم من رفض وزارة الخارجية الأمريكية التعليق رسميا على هذه الأنباء إلا أن سير العلاقات ومساعي التنسيق العسكري بين الجانبين على الصعيد الروسي تؤكد التوجهات الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بهذا الملف. وهو ما بدا جليا من إعلان البيت الأبيض عن خط ساخن بين الجانبين الروسي والأمريكي لتجنب أي صدامات غير متعمدة بين قوات الجانبين ربما تشعل التوتر بينهما فيما يتعلق بسوريا. ومن ثم ، فإن التعاون الروسي- الأمريكي في سوريا أصبح أمرا واقعا لا يمكن التراجع عنه، ولم ولن يتأثر بالعقوبات التي يفرضها الكونجرس.

أما فيما يتعلق بالملف الإيراني، فهناك تعاون ضمني بين موسكو وواشنطن فيما يتعلق بطهران على وجه التحديد. فعلى الرغم من أنه لا يوجد عداء علني بين موسكو وطهران، إلا أن موسكو لم تستخدم يوما حق الرفض أو «الفيتو» داخل مجلس الأمن الدولي ضد أي مساعي أمريكية لفرض عقوبات على إيران. بل على النقيض، كانت داعمة لها على مدار العقود الماضية وهو ما ساعد في استمرار جانب كبير من العقوبات الدولية ضد طهران حتى الآن. وهو ما يؤكد وجود أشكال كثيرة من التعاون السري بين البلدين، بل إنه يخدم المصالح الأمريكية إلى حد كبير. وهو أمر يصعب أن تستغنى عنه الولايات المتحدة في الوقت الراهن في ظل العلاقات الدولية المعقدة وتصاعد بؤر النزاع حول العالم، ومساعي ترامب لتقويض الاتفاق النووي مع إيران بشكل أو بآخر .

إن الواقع يؤكد أن العلاقات العسكرية الأمريكية– الروسية لا تعتمد بالأساس على المبادئ المشتركة ، لكنها تعتمد فعليا ، على الواقع السياسي الإقليمي والدولي إلى جانب المصالح المشتركة التي تجمع في الواقع بين دول حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، ومن بينها الولايات المتحدة، من ناحية وروسيا من الناحية الأخرى. ويؤكد مركز «كارنيجي» للأبحاث استحالة تصعيد الخلافات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم. واعتبر التقرير الذي أعده المركز حول العلاقات بين الجانبين أن الأمن الأوروبي والمصالح الروسية والأمريكية داخل القارة العجوز ربما يكون أحد العوامل الرئيسية التي ستضمن استمرار العلاقات السلمية المستقبلية بين البلدين.

وفي مواجهة قرار إدارة ترامب بخفض المخصصات المالية للناتو، فإن الدور الروسي أصبح أساسيا في حفظ التوازن مع إيران حتى تأمن أوروبا شرها، خاصة في ظل التصعيد الأمريكي المستمر ضد طهران,وهو ما يزيد من حجم مصالح أكبر قوتين نوويتين داخل أوروبا. وعلى الرغم من فرض الكونجرس لعقوبات جديدة ضد روسيا، إلا أن تقريرا لمعهد بروكينجز للأبحاث أكد أن إدارة ترامب تنتهج استراتيجية من 3 محاور في تعاملاتها مع موسكو وتعتمد على تيلرسون بوجه خاص، نظرا لما يتمتع به من علاقات قوية مع مجتمع رجال الأعمال والساسة في روسيا.

وتتضمن استراتيجية تيلرسون الرد على أي تصرف روسي يتعارض مع المصالح الأمريكية وهذا هو المحور الأول، أما المحور الثاني فهو يعتمد على إدارة المصالح المشتركة بين البلدين. أما المحور الثالث فهو ضمان استقرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين, ولقد استخدم الكونجرس الأمريكي روسيا كسلاح فتاك في حربه مع ترامب. فقانون العقوبات ضد روسيا تضمن عقوبات ضد إيران وكوريا الشمالية. وأي مسعى من قبل ترامب لرفض القرار كان سيثير ثورة داخل كابيتول هيل، تتهم الرئيس بالتقاعس عن حماية أمريكا من أعدائها ومن التهديدات الخارجية التي تحيط بها. ومن ثم لم يكن أمامه اختيارات كثيرة سوى التوقيع بالموافقة وقبول الأمر الواقع. ولكن هذا لا يعني أنه سيتراجع عن مساعيه لتحسين العلاقات مع موسكو في المستقبل القريب وخلق المزيد من أوجه التعاون معها بعيدا عن سياق العقوبات الجديدة أو السابقة لها.

لقد جمعت علاقة «الأخوة الأعداء» موسكو وواشنطن على مر العصور، وهذا الأمر لم يتغير الآن والقرائن تشير إلى أن هناك نوعا من التعاون السري بين الجانبين يتغير بشكل يتوافق مع متطلبات العصر. وقد أكد ترامب أن قانون العقوبات الجديد يثبت أنه كرجل أعمال أكثر قدرة على إبرام الصفقات من الكونجرس. وهذا تحديدا ما يعتزم القيام به في المرحلة المقبلة. فيبدو أن الرئيس الأمريكي سيعمل على فتح أبوب وآفاق جديدة للتعاون مع الدب الروسي بشكل أكثر ذكاء ، بدون صدام مباشر مع الكونجرس يتسبب في حرج جديد له، خاصة وأن الصراعات التي يخوضها ترامب على الصعيد المحلي أكثر عنفا وضراوة من تلك التي تواجهه على الصعيد الدولي.