أفكار وآراء

تحديات الأمن الغذائي

19 أغسطس 2017
19 أغسطس 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

ما زالت قيمة الواردات العمانية تشكّل بندا كبيرا في الميزان التجاري السنوي، حيث بلغت قيمتها حوالي 9 مليارات ريال عماني (23.4 مليار دولار أمريكي) عام 2016، الأمر الذي يتطلب إحلال جزء من هذه الواردات سواء من خلال الاستثمارات المحلية، أو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لإقامة المصانع في السلطنة للمنتجات التي يتم استيرادها من الخارج. وتشكّل المنتجات الغذائية جزءا كبيرا من هذه الواردات بالرغم من بعض المشاريع التي تم إنشاؤها في هذا القطاع الهام لتحقيق الأمن الغذائي. وهنا يتطلب إشراك القطاع الخاص في مثل هذه المشاريع، وتسهيل مهام وأعمال الشركات العمانية والأجنبية التي تود الاستثمار في هذه المجالات الحيوية والتقليل من الأنظمة البيروقراطية التي تؤدي إلى نفور الاستثمارات بشكل أو بآخر، والتقليل من الإجراءات غير الفعالة والمطلوبة التي أدت في السنوات الماضية إلى ضياع العديد من فرص الاستثمار في مشروعات مختلفة.

اليوم يتطلب الأمر إعطاء المزيد من الاهتمام لمشاريع الأمن الغذائي التي تعد حيوية ومهمة لأي دولة في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم. وهنا نشيد بتجربة الشركة العُمانية للاستثمار الغذائي القابضة التي تعد واحدة من الشركات تساهم بتحقيق جزء من احتياجات الأمن الغذائي في السلطنة، حيث تساهم الشركة في الاستثمار في قطاع الغذاء داخل وخارج السلطنة وتحقق نسبا معينة من الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي للسلطنة وذلك من خلال الاستثمار المباشر بإدارة شركاتها التابعة لها، والمساهمة في إدارة الشركات الأخرى التي تمتلك فيها أسهما، والاستثمار بغرض توسيع واستدامة استثماراتها، التركيز على المشاريع ذات الميزة النسبية، والتركيز على مشاريع القيمة المضافة، بجانب العمل على إنشاء المشاريع المتكاملة لتوفير امكانيات النمو والتوسع فيها.

وتجربة الاستثمار العماني في مجال الأمن الغذائي تعود إلى السبعييات من القرن الماضي عندما تم تأسيس شركة المطاحن العمانية ثم شركة صلالة للمطاحن وشركة الاسماك العمانية في الثمانينات، فيما استمرت الحكومة مع القطاع الخاص في تعزيز الاستثمارات في هذا القطاع ليحتل اليوم دورا رائدا في مجال الأمن الغذائي. أما المشروعات المستقبلية في هذا القطاع فهي عديدة، الأمر الذي يساعد على تحقيق الأمن الغذائي للسلطنة مع نهاية عام 2040 وبنسبة 100%، بينما تصل النسبة حاليا بين 30 و35%، وسوف تزداد إلى ما بين 70 إلى 80% عام 2020 ليتم تحقيق بقية النسبة في ظرف السنوات الباقية لعام 2040 في المشروعات المختلفة في هذا القطاع. ولكن هنك العديد من التحديات التي تواجه هذا القطاع سواء في السلطنة أو بقية دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة لاحتياجات دولنا إلى تأمين الغذاء في هذا القطاع المهم، الأمر الذي يدفع بعض دول المجلس للاستثمار الخارجي من خلال شراء أراض زراعية في دول أخرى، حيث تم طرح مبادرات كثيرة ومتنوعة على مستوى دول المجلس، وتم الاستحواذ على أراض في افريقيا واستراليا وأمريكا اللاتينية، لكي تصبح هذه المسألة اليوم من القضايا السياسية في تلك الدول وتناقش في برلماناتها وتفرض ضرائب على المنتجات المصدرة منها إلى المنطقة. وهذا الأمر يدعو الجميع إلى ضرورة التفكير في الاستثمار الداخلي باعتباره هو الأسلم والأكثر أمانا، وفي الوقت نفسه يوفر العديد من فرص العمل للمواطنين. والسلطنة من جانبها تتمتع بوجود أراض شاسعة تصلح للزراعة ولديها إمكانيات مائية (المياه الهامشية) ورؤوس أموال وأفراد يمكن التركيز عليها في إقامة مشاريع غذائية معينة.

وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فلا توجد لديها مبادرة جماعية مشتركة وموحدة في هذا القطاع، وإنما كل دولة منها تقوم بإنشاء مشاريع خاصة لها لتعزيز أمنها الغذائي، ولكن وبفضل المشاريع التي تمت في هذا القطاع في السلطنة فانها تحتل اليوم مرتبة الـ 26 عالميا في مجال الأمن الغذائي، والثاني أو الثالث على المستوى العربي، فيما تتمتع المنتجات الغذائية العمانية بالجودة العالية ومواصفات عالمية، وعليها إقبال كبير سواء في دول مجلس التعاون الخليجي أو في بقية الدول التي تصل إليها المنتجات الغذائية العمانية. وهذا يساعد بأن تكون السلطنة مركزا إقليميا أو عالميا لإنتاج المواد الغذائية نتيجة لموقعها الجغرافي بين الدول والقارات من جهة، وإمكاناتها في مختلف المجالات الأخرى وقدراتها في المجالات اللوجستية من جهة أخرى.

تجربة الاستثمار في مجال الأمن الغذائي في السلطنة هي تجربة ناجحة واستثمار واعد في هذا القطاع، الأمر الذي يساعد على تحسن الأحوال المعيشية في السلطنة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، فيما يزداد الطلب على الأغدية وعلى وجه الخصوص البروتينات، وفي الوقت نفسه تزداد الفجوة الغذائية بشكل واضح في عدة دول في العالم، وتكبر فاتورة الواردات كبيرة كما تم ذكرها مسبقا، بينما هناك العديد من الفرص الممتازة لإحلال الواردات.

وفي السلطنة نرى أن القطاع الخاص المحلي يزداد سعيه للاستثمار في قطاع الغذاء، وقد حققت الشركات الغذائية المحلية نتائج وأرباحا جلية ومغرية، وأصبحت لديها من الخبرات العمانية المتراكمة والنجاحات المحققة التي تجذب المزيد من الاستثمارات، وهناك إقبال كبير من الصناديق الاستثمارية والمجموعات المالية نحو هذا القطاع، وهناك مبادرات نوعية ذات طبيعة استراتيجية، فيما الفرص متاحة داخل السلطنة في هذا القطاع. ففي السنوات الماضية لقيت تجربة الاستثمار في مجال الغذاء في بداية الأمر نفورا من القطاع المصرفي العماني مقارنة بقطاع التجارة والعقار والأسهم، باعتبار أن المخاطر فيه كبيرة، وأنه يحتاج إلى سنوات للحصول على العوائد، ومن هنا كان الإقبال المصرفي قليلا على قطاع الغذاء، إلا أن بعض البنوك ومنها بنك عمان العربي كان المبادر في تحمل هذه المخاطرة لتمويل هذا القطاع لتصبح المؤسسات المصرفية اليوم داعما كبيرا لقطاع الغذاء. واليوم فان مختلف المحافظات والولايات العمانية يمكن ان تتخصص في إقامة المشاريع الغذائية نتيجة لتميزها عن الأخرى. فعلى سبيل المثال يمكن لولاية بركاء أن تصبح مركزا لوجستيا عالميا وتختص بسلسلة العمليات المبردة وللمنتجات الغذائية المصنعة. أما ولاية صحار فيمكن لها أن تكون مركزا إقليميا للحبوب والخضروات والفواكه، ومركزا للتصنيع الغذائي، بينما يمكن لولاية الدقم أن تكون مركزا إقليميا لإنزال الأسماك، وتختص في مجال النشاط اللوجستي المرتبط بتخزين المنتجات السمكية والغذائية واعادة توزيعها. أما المنطقة الداخلية فيمكن لها أن تكون مركزا وطنيا لتجميع وتعبئة وتغليف وتسويق التمور ومشتقاتها، فيما يمكن لولاية صلالة أن تصبح مركزا إقليميا للحوم الحمراء والألبان واللحوم البيضاء والأعلاف الخضراء، فيما يمكن لولاية عبري وادم والمضيبي وهيماء وثمريت والمناطق الصحراوية بأن تصبح مناطق لإنتاج الدواجن والبيض والأعلاف الخضراء نتيجة لبعدها عن الرطوبة مثلما هي معروفة في محافظة الباطنة.

إن الرؤية المستقبلية في قطاع الغذاء في السلطنة تهدف إلى أن تكون الشركات العاملة في هذا القطاع من الشركات الرائدة في الاستثمارات الاستراتيجية في قطاع الأغذية للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للسلطنة، وأن تكون رسالتها هي الاستثمار منفردة او مع شركاء استراتيجيين في مختلف المشاريع الغذائية التي تهم السلطنة سواء في الداخل أو الخارج للمساهمة كلما أمكن في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي للسلطنة. فما زالت هناك فرص عديدة لاستهداف القطاعات والأنشطة في مجال اللحوم البيضاء والحمراء، والخضروات والفواكه والألبان والأعلاف والحبوب والأسماك والتسويق والمشاريع اللوجستية، والأنشطة والمشاريع المساندة في وجود مؤسسات التمويل والصناديق والمحافظ الاستثمارية في قطاع الأغذية.