1085587
1085587
إشراقات

إبداع ذوبته ظروف الحياة !

17 أغسطس 2017
17 أغسطس 2017

«بني» .. رسائل تربوية للأبناء.. «2»

نادية بنت سعيد الخوالدية -

بني .. سأحكي لك اليوم عن مشهد من مشاهد الحياة المتكررة .. في عالم بنات حواء يتأرجح بين الإبداع والذوبان في ظروف الحياة التي لا تنتهي .. فقد دخلت عليها يوما في مكتبة السكن الداخلي في وقت متأخر من الليل وهي تفتش عن مسائل الفقه وأصوله بين أمهات الكتب، وبعد حوار دار بيني وبينها اكتشفت عملة نادرة من النساء في حب العلم وطلبه .. في سن مبكرة تلقي بهموم الشباب ومطالبهم جانبا لتنهض بالليل تبات على رفوف المكتبات لأن مسألة أقضت مضجعها وكان لا بد لها من البحث عن إجابة شافية تأذن لها بالنوم .. وبعدما سألتها كم ساعة في اليوم تنامين قالت: اعتدت منذ سنوات أن أنام 4 ساعات في اليوم!.. قلت لها ألا تتعبين أو يؤثر ذلك على صحتك؟! قالت لا، الحمد لله بتمام صحتي وعافيتي .. تأقلم جسدي على ذلك!..وحين رأت اهتمامي وأملي أن تواصل الطريق لتكون عالمة من عالمات هذا البلد وفقيهاته.. جاءتني يوما بوابل من الأسئلة في باب الاجتهاد تحسبني أسبقها علما وفقها!.. فبدأت تطرح أسئلة لم أفهم مرادها فكيف بجوابها!.. فقلت لها هداك الله اذهبي إلى الدكتور «فلان» وسيجيبك على أسئلتك .. وهكذا مضت سنواتها الأربع في الكلية.. ليل نهار في ضيافة الكتب والمكتبات ومجالس العلم والعلماء.. وفي السنة الأخيرة وعلى مشارف التخرج .. تمنيت أن تكون معيدة في الكلية لتتم مسيرتها العلمية.. ولما لم يتم الأمر، ألححت عليها وبشدة أن تتقدم لبرنامج الدراسات العليا في الفقه وأصوله.. أعطتني وعدا وتخرجت .. وبعدها وصلني خبر زواجها .. ورويدا رويدا .. اختفى الحلم الجميل! ..

لا أدري يا بني حين تختفي مثل هذه الأحلام هل تختفي لتنضج على نار هادئة قبل أن تخرج لأرض الواقع، أم أن اختفائها إشارة تصل إلينا أنها أصبحت أضغاث أحلام لم تبعث للواقع منها حظا وافرا ونصيبا يستحق العناء للبحث عنه وتمثله حقيقة جميلة..

كان ذلك الحلم يا بني قبل سنوات من الآن ويتكرر المشهد، وتكرر الأحلام أمام ناظري على أمل ولادة إبداع نسائي في هذا المجال لتصل إحداهن إلى مرتبة الاجتهاد أو الفتيا.. ولا شك أن هناك رؤى أزهر ينعها وآتت أكلها بفضل الله في أرجاء هذا البلد الطيب من النساء الفقيهات ولكن لازال العدد أقل من أن يذكر أو يشار إليه.

يوما ما دار حوار طويل في ندوة علمية عن أسباب قلة عدد النساء الفقيهات مقارنة بأعداد العلماء والفقهاء من أشقائهن الرجال.. وفي كل مرة يرجع الحديث إلى بوابة الزواج ومسؤولية الأسرة، وكل يدلي بدلوه في الأسباب والحلول، وأنا أقول في نفسي ترى هل الزواج مولد إبداع المرأة أم مقبرته ونهاية طريقه، وهل الزوج مسؤول بصورة مباشرة عن تلاشي مثل هذه الطموحات، أم أن المرأة نفسها هي من أذابت طموحاتها ولم تهتم بحدود ذاتها وحقها وسط قائمة المسؤوليات وظروف الحياة.. نعم هي من يصنع الرجال، وهي من يربي العلماء والفقهاء.. ولكن أليس لها نصيب من العلم يرقى بها في مصاف التاريخ وصناعته..

ولدي العزيز .. إن المرأة اليوم في أوطاننا حققت نجاحات كثيرة على الأصعدة كافة، وفي مجالات علمية وغير علمية، فلم تقصر الخطى عن النجاح الذي نطمح إليه في طريق العلم الشرعي والفكري بما يوصل رسالة الدين السامية الرفيعة في عصر تضارب التيارات الفكرية والعلمية.

بني .. لم يكن الدين والشريعة يوما عبئا ثقيلا أمام نجاحات المرأة والمجتمع.. بل من يفهم هذا الدستور السماوي يدرك تماما أنه وراء كل نجاح ومجد وحضارة .. نحن نريد الطبيبة الفقيهة .. والمعلمة العالمة.. والإدارية المجتهدة .. وبذا تكتمل منظومة هذا الدين، فتصنع أجيالا راسخة الأقدام في حضارات العلم، لأنها جمعت بين خيري الدين والدنيا، فآتاها الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.