أفكار وآراء

مستقبل الغاز

12 أغسطس 2017
12 أغسطس 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تبدأ السلطنة خلال الفترة القادمة تشغيل محطة لمعالجة الغاز في حقل خزان وفق ما صرح به المسؤولون في البلاد مؤخرا، حيث ستبدأ القاطرة الأولى للمحطة والتي سيتم تشغيلها نهاية العام الحالي تبلغ طاقتها الإنتاجية 500 مليون قدم مكعبة من الغاز»، فيما سيبدأ تشغيل القاطرة الثانية بنفس الطاقة الإنتاجية في أوائل العام المقبل 2018. وكانت شركة بي . بي عمان قد أشارت في بيانها العام الماضي إلى أنه تم استكمال أكثر من 80% من المرحلة الأولى من المشروع وأن بقية الأعمال تسير حسب الجدول الزمني لتوريد أول شحنة من الغاز في أواخر العام الحالي 2017، وإنتاج مليار متر مكعب من الغاز يوميا. وتعد شركة بي.بي عمان أكبر شريك في المشروع بنسبة 60% فيما تحوز شركة النفط العمانية للاستكشاف والإنتاج نسبة 40%، فيما اتفقت الشركتان في العام الماضي على تمديد اتفاقات الترخيص لتمهدان السبيل لتطوير مرحلة ثانية بحقل خزان للغاز المحكم وزيادة الإنتاج بنسبة 50%.

لقد دخلت السلطنة في مجال إنتاج الغاز منذ أكثر من عقدين. ويعد مشروع الغاز الطبيعي المسال بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية من السلطنة من بين أهم روافد الاقتصاد الوطني، بجانب الجهود المبذلة لتنمية بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى كالسياحة والزراعة والثروة السمكية والخدمية بجانب القطاع النفطي، إذ يعتبر قطاع الغاز حتى اليوم ثاني أكبر دخل للبلاد بعد النفط، إذ تساهم الشركة العُمانية للغاز الطبيعي بنسبة تتراوح ما بين 12 و15% في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. وكما هو معروف فإن هذه الشركة هي شركة مساهمة تمتلك الحكومة فيها نشبة 51% من أسهمها، فيما النسبة المتبقية يمتلكها مستثمرون أجانب، وتقوم بإدارة ثلاث قاطرات لتسييل الغاز، اثنتان تمتلكهما الشركة والثالثة تمتلكها شركة قلهات للغاز الطبيعي المسال. وقد تمكنت الشركة خلال السنوات الماضية وحتى اليوم من الإيفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين والزبائن في اليابان وكوريا الجنوبية وأسبانيا، والالتزام بجوانب العمليات الآمنة والصحية والسليمة لتشغيل المصنع وتصدير الكميات المطلوبة، في الوقت الذي تلتزم فيه الشركة بمعايير صارمة للتأكد من سلامة العاملين والسلامة البيئية وتلتزم بجميع القوانين المحددة من قبل الحكومة والمعايير الدولية وخاصة فيما يتعلق بصون البيئة والمجتمعات المجاورة للمصنع. وقد قامت الشركة بشراء غاز التغذية من الحكومة في اتفاقيات توريد الغاز، كما أبرمت الشركة اتفاقيات بيع وشراء الغاز الطبيعي المسال على أساس معادلة مرتبطة بأسعار النفط، فهي ترتفع وتنخفض مع ارتفاع وانخفاض أسعار النفط العالمية، وأن اتفاقيات بيع وشراء الغاز الطبيعي المسال التي أبرمتها الشركة تعتبر من الأفضل في هذا القطاع، كما أن أسعار الغاز العُماني تعتبر الأعلى في السوق العالمية للغاز وأن المشروع يعد حيوياً وفعالاً في جميع الحالات.

اليوم فإن الطلب على أسواق الغاز في آسيا وأمريكا اللاتينية وجنوب وشرق إفريقيا، وكذلك اتجاهات الاقتصادات المستقرة في أوروبا والصين وحتى الولايات المتحدة التي تنمو بقوة مما يدفع العديد من الخبراء والمراقبين إلى القول بتربعه على عرش الطاقة خلال العقود القادمة، خاصة مع الاتجاهات العالمية لترسيخ والتأكيد على اتفاقية باريس للمناخ، وإلى سحبه البساط من تحت منتجات الطاقة الأحفورية الأخرى، المتمثلة في الفحم والنفط. ووفق التقارير الصحفية فإن الغاز رغم كونه من المنتجات الأحفورية، فإنه يعتبر الأقل بدرجات كبيرة في التأثير على البيئة وزيادة الانبعاث الحراري الذي يسببه استخدام الفحم والنفط في إنتاج الطاقة. ويعزز اتجاه سيادة الغاز لعالم الطاقة في المستقبل نمو الاقتصادات الجديدة التي تم ذكرها مسبقا، في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة خروجها عن اتفاق باريس للمناخ مؤخرًا، وذلك نتيجة استبدالها للنفط والفحم كمصدر للطاقة بالغاز. ومع ازدياد حجم الغاز المسال في أسواق الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب فإن أهمية هذه الطاقة ستوازي النفط، بينما ستدخل بقوة بعض الدول في هذا المجال كمنتجي الغاز مثل روسيا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية وإيران. ويتوقع مراقبون أن تتشكل، خلال العقد القادم منظمة للدول المصدرة للغاز (OGEC)، وأن تنشأ سوق له على غرار أسواق النفط، وهو الأمر الذي يقض مضاجع الدول النفطية الكبرى لحسابات السياسة والاقتصاد.

لقد أصبح الغاز الوقود المفضل لتوليد الطاقة على مدى العقدين الماضيين. وبحسب تقرير أعدته شركة «ميد» الشهر الماضي فإن العوامل الرئيسية وراء الحثّ على تنويع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو الارتفاع الحاد في الطلب على الغاز. وبفضل كفاءته المتزايدة ومعدّل الانبعاثات الأكثر انخفاضًا مقارنة بأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، أصبح الغاز هو البديل. وبالنسبة لجميع دول مجلس التعاون الخليجي فإنها تواجه سوقًا محدودة للغاز باستثناء قطر، لاسيَّما مع الطلبات المتنافسة من قطاعات النفط والصناعة. أما خارج دول مجلس التعاون الخليجي، فقد عانى الأردن من ارتفاع فاتورة استيراد الطاقة في السنوات الأخيرة، حيث أجبر على زيادة استخدام النفط بسبب تراجع إمدادات الغاز الطبيعي من لديها من بعض الدول. وفي شمال إفريقيا، تحولت مصر أيضًا إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال، فيما يعتزم المغرب إطلاق مشروع طموح لتوليد الطاقة من الغاز بقيمة 4.6 مليار دولار أمريكي لتعزيز إمدادات الغاز وقدرات التوليد.

ووفقا للتقرير الأخير فإن اتفاق باريس للمناخ شكل لدى صدوره تحديًا جديدًا بالنسبة للصناعة النفطية حول العالم. فقد حث الاتفاق شركات النفط العالمية على الاستجابة لمناقشات قضية تغير المناخ، مع وجود حاجة ماسة للتخفيف من استهلاك العالم للوقود الأحفوري، وبالتالي وضع اتفاقيات ملزمة بضرورة خفض إنتاجه. ويشكل هذا الاتجاه ضغطًا على الدول التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على النفط وعلى رأسها السعودية، هذا إضافة للضغط الكبير الذي يضعه انخفاض أسعار النفط العالمي على أكتاف هذه الدول وعلى وضعها الاقتصادي حاليًا، وخططها المستقبلية.

الكثير من الدول المنتجة للغاز يبدو لها أن قطاع الغاز الطبيعي يعد الأكثر استقراراً في قطاعاتها الإنتاجية ومنها السلطنة بفضل التحسن في الأداء واكتشاف آبار أخرى جديدة على خارطة الإنتاج. فالغاز سوف يوفر بعض احتياجات السلطنة ويضمن لها مصدراً مهما للدخل، ويخفف من وطأة انهيار أسعار النفط الذي تعتمد عليه الحكومة بشكل رئيسي. وإنتاج عمان من المتوقع أن يرتفع خلال السنوات المقبلة من نحو 96 مليون متر مكعب يومياً من الغاز (نحو 2.75 مليار قدم مكعب يوميا) كما هو مسجل منذ عام 2015، فضلاً عن استيراد كميات أخرى من الدول المجاورة، بينما كان الإنتاج من الغاز في عام 2002 لم يتجاوز 6.3 مليار متر مكعب، ما يعكس القفزة الكبيرة التي حققتها السلطنة في هذا القطاع خلال العقد الماضي. فعملية إنتاج السلطنة من الغاز يمضي بوتيرة متسارعة ويحقق الأفق المحدد له، وهو يقدم خدمات متعددة على أكثر من صعيد سواء في الاستخدامات المحلية في الغالب في قطاع تحلية المياه، والطاقة الكهربائية اللازمة لاستخراج النفط، والصناعات المحلية، أو بيعها كغاز مسال للشركات. كما أن هذا القطاع يوفر اليوم عشرات بل مئات من فرص العمل لأبناء السلطنة والدول الأخرى، ويساهم في دعم الأعمال الاجتماعية من خلال البرامج التي يتم تبنيها في أي موقع تتخذه الشركات المعنية بهذا القطاع.