أفكار وآراء

الإنترنت الأسود «دارك نت»

09 أغسطس 2017
09 أغسطس 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

الإنترنت الأسود “دارك نت” أو الإنترنت المظلم هو نوع من الإنترنت يتم استخدامه عبر الحواسيب المرتبطة بالشبكة ولكن لا يمكن الوصول إليه في أغلب الأحوال، ولذا يسمي أيضا الإنترنت العميق “ديب انترنت”، “ديب ويب”. قد يكون السبب في عدم الوصول، أنه لا يوجد وصلات إنترنت تصل إلى محتويات تلك العناوين أو لأن تلك المحتويات تولد أو تنتج تلقائياً أو لأن محركات البحث لديها صعوبة في الفهرسة... ويمكن أيضا نعرف الإنترنت المظلم كمجموعة من ارتباطات الشبكة التي تستعمل بروتوكولات خاصة غير موجودة على الشبكة العامة بل تستخدم بين أطراف معينة في ما بينها فقط. ولذا فهي مخفية عن العامة لوجودها في مكان مظلم وعميق يصعب الوصول إليه إلا بواسطة هذه المجموعة..

استخدام الإنترنت المظلم بدأته بعض المؤسسات الأمنية حيث قاموا بتمييز شبكات مظلمة خطيرة لحجب الخدمة عن العامة. ولكن دخلت بعض الجهات الإجرامية لاستغلال هذا الوضع الجديد في ارتكاب الجرائم البشعة وتعزيز الإرهاب وغير ذلك النشاطات الإجرامية غير المشروعة. وهنا مكمن الخطر، لأن خدمة الإنترنت وبالرغم من الامتيازات العديدة التي تقدمها للعالم إلا أنها ستنقاد إلى مجاهل الإجرام والممارسات البشعة المخالفة للقانون والأخلاق والقيم، وهذا سيجعل الحياة لا تطاق وسيتبدل الحال إلى حال آخر مظلم أسود.

في واقع الأمر، إن الإنترنت الذي نستخدمه يشكل أقل من واحد في المائة من إجمالي صفحات الإنترنت الحقيقية، وأن ما نراه ليس أكثر من طبقة رقيقة شفافة من الإنترنت هي الواجهة “سيرفس” وهناك أكثر من طبقة يتم عبرها تناول جميع محتويات الشبكة العالمية.. وعبر الطبقات “العميقة” نجد الإنترنت الأسود العميق، حيث توجد الممارسات الإجرامية وكل ما هو مخالف للقانون، ومن هذا الواقع القبيح ستنقلب النعمة إلى نقمة.

وفق البيانات العلمية، فإن الإنترنت به عدة طبقات، الطبقة الأولى “الواجهة السطحية”، وتحتوي على برامج البحث (جوجل، ياهو....) ونشاهد عليها (اليوتيوب)، ونسمع (الساوند كلاود) ونتصفح فيها البريد الالكتروني، ونتفرج فيها على البرامج ونشاهد المباريات الرياضة، والدروس التعليمية، والأفلام والمسلسلات… الخ. والطبقة الثانية “البينية” وهي طبقة لا تفيد غير المتخصصين، ولا يمكن إيجادها ببساطة لأنها تحتاج إلى التعمق في البحث، غير أنها متاحة لأي شخص يبحث عنها بصبر وإصرار... وما يميز هذه الطبقة أن بها مواقع أكاديمية وتقارير وتحقيقات ولكنها مطمورة تحت مليارات الصفحات الإعلانية والدعائية. وسبب وضع هذه الطبقة في هذا العمق عدم شهرتها، وعدم اهتمام الكثيرين بها، إضافة إلى صعوبة استخدامها لفهرستها السيئة.

والطبقة الثالثة والأخيرة هي طبقة “الإنترنت الأسود المظلم”، والمعروفة بالطبقة الخطيرة، وهذه الطبقة تقريبا تمثل حوالي 99% من محتوى الإنترنت، وتسمى “الإنترنت العميق المظلم”. وهذا الإنترنت يشكل مجموعة سرية جدا من الملفات والصور والفيديوهات يتم تداولها في بيئة ومجموعة معينة ومحظور على غيرهم الولوج لها لوجود إجراءات أمنية عالية المستوى. وهذه الطبقة تضم تجار المخدرات، اللصوص، العملاء السريين، بائعي الأعضاء، آكلي لحوم البشر، مغتصبي الأطفال، القتلة المأجورين، المنحرفين...، وكل من هؤلاء الشواذ يشكل نطاقا آمنا خاصا به، ويتأكد من هوية المتعامل معه، ويتم تبادل الخدمات مقابل عملة “بتيكوين” وهي عملة إلكترونية مشفرة يتم التعامل بها بالاتفاق بين الأطراف وحدهم. ولكن لا بد من التوضيح، أن بعض المؤسسات الحكومية تستخدم هذه الطبقة للحفاظ على المعلومات بالغة السرية، وبالطبع، الغرض هنا حسن النية وللمصلحة العامة.

ومحتوى الإنترنت الأسود الخفي يشبهه البعض بجبل الجليد المطمور معظمه تحت الماء، ويشير إلى الجزء الظاهر منه على أنه الطبقة السطحية الواضحة والمعروفة وهي التي نتعامل معها ونعتمد عليها، أما تسعة أعشار جبل الجليد، فيرقد تحت الماء، ومن الصعب الولوج ما لم تكن مجهزًا بأدوات الغوص الخاصة. وكما نعلم، فإن الغالبية العظمى من متصفحي الإنترنت يستخدمون محركات البحث للوصول إلى صفحاتهم المرغوب فيها، بينما الجانب المظلم عبارة عن صفحات لا يمكن فهرستها، ومستندات يتم توليدها ديناميكيا واستجابة لأوامر مباشرة، وهي تمثل قواعد بيانات ومواقع تتطلب اشتراكا خاصا ونطاقات محمية، وفي العادة يستخدمها القراصنة (هاكرز) ممن يستوطنون في أعماق الإنترنت الأسود حتى لا يتم كشفهم.

ومكمن الخطر ينبع من أن هذا النطاق الالكتروني التقني الخطير يشكل بؤرة خاصة للإجرام والمجرمين بشتى أنواعهم وأشكالهم ومسمياتهم، وكل الأعمال التي يقومون بها خارج القانون ومضرة للجميع.. فهل قوانين الجرائم الإلكترونية تعرف هذه الأفعال وتضع لها تعريفات خاصة حتى تقع تحت طائلة القانون. وهل قوانين المعاملات الإلكترونية السارية تعرف هذه الممارسات لأن هناك عقودا واتفاقيات وعملات.. وهل قوانين الجرائم “السبرانية” تعرف نطاقات الإنترنت المختلفة من نطاق “السطحية الواجهة” الى نطاق “البينية” ثم الى نطاق “الإنترنت الأسود العميق”. وهل تم تحديد وتعريف الأعمال التي تتم في كل نطاق وفرز العمل الإجرامي وغير الإجرامي حسن النية، وهم تم تحديد من يقوم بالأعمال وما حدود مسؤولياته القانونية والإجرامية ومن هم الضحايا... وما هي كيفية الإثبات لكل عملية، وما هي العقوبات المفروضة... كل هذه النقاط الهامة تحتاج للمراجعة الدقيقة.. وتحتاج للكشف والمتابعة والدراسة والتحقيق لحماية العمل السليم وأيضا لمتابعة الجناة حتى لا يكون لهم عالمهم المغلق المظلم الخاص بهم ومنه يصوبون الجرائم نحو عالمنا الآمن البريء من هذه الأعمال الإجرامية..

نقول، إن قوانينا الحالية غير واسعة المواعين للدرجة الكافية، وليس لها القابلية التامة لتغطية ومتابعة الجرائم السبرانية التي ظلت تغطي الأثير والآن بدأت في العمل في الأعماق العميقة المظلمة التي شيدوا حولها الأسوار المانعة لمنع كل العالم الآخر، وهو عالمنا، من الاقتراب والولوج.. فهل نسمح لهم؟ ونتركهم يتصرفون كيف ما يشاؤون وأين ومتى يشاؤون؟ وهم يرتكبون أفظع الجرائم الضارة بالبشرية وبكل العلوم والتقنية الإلكترونية التي وصلنا لها بعد جهد جهيد للبحث عن مستقبل أفضل .. بدأ الإنترنت الأسود يغزونا يوميا، ولا بد من مواجهته بكافة التقنيات والتشريعات الحديثة ذات الكفاءة لمقابلة هذه الجرائم والممارسات السوداء.. ولنفعل الواجب وبكل قوة وحزم..