الملف السياسي

دروس أزمة 2014 : السياسة أم الاقتصاد؟

07 أغسطس 2017
07 أغسطس 2017

د.صلاح ابونار -

في 25 مايو 2017 انتهى اجتماع  فيينا، إلى إعلان الأوبك تمديد اتفاق 30 نوفمبر 2016 بنفس شروطه الأساسية. شكل الاتفاق خطوة كبيرة في سياق معالجة الأوبك لازمة 2014 النفطية، التي هبطت بالأسعار هبوطا حادا. وفقا لحسابات الأوبك لمتوسط الأسعار السنوية، وصل متوسط 2013 إلى 105.87 دولار للبرميل، ليهبط في العام التالي الى 96.49، وتسارع الهبوط في 2015 الى 49.49 ، وفي 2016  تدنى الى 40.76.

إلا ان المتوسطات قادرة على إخفاء التفاصيل. في عام 2014 كان السعر في يونيو 104، وهبط في نوفمبر منه الى 75، وفي فبراير 2016 هبط السعر الى 26 ، بينما كان متوسط العام 40.76.

ماهي العوامل التي خلقت هذه الأزمة ؟ على مدى نصف قرن شهد النفط تقلبات سعرية حادة، في سياقها ارتفع أو تضاعف السعر، أو هبط هبوطا معتدلا أو شديدا. وخلفها يمكننا رصد منظومة عوامل قادمة من ثلاثة مصادر أساسية.

عوامل سياسية تتمثل في التدخلات الخارجية والثورات والنزاعات الإقليمية. سنجدها خلف موجه الارتفاع الأولي، الممتدة من حرب أكتوبر 73 الى الحرب العراقية - الإيرانية 1980، مرورا بالثورة الإيرانية 1979. وفي سياقها ارتفع سعر البرميل، من 2.7 دولار في أكتوبر 1973 الى 11 دولارا في أكتوبر 1974، ثم من 12.79 دولار عام 1978 الى 35.52 دولار عام 1980.

وعوامل قادمة من عالم الاقتصاد، تتمثل في حركة العرض والطلب، ومعدلات النمو، وتيارات الانتعاش والكساد، وأزمات النظام النقدي. وقفت تلك العوامل خلف انطلاقة الموجات العاصفة والمتناقضة، التي اجتاحت سنوات 2003- 2008. مع شروع الدول الآسيوية والأمريكية الكبرى في مشاريعها التنموية، اخذ الطلب النفطي في الارتفاع، ومعه ارتفعت الأسعار من 28.1 في 2003، الى 96 في يناير 2008 ، ليقفز قفزة هائلة مع انفجار الأزمة العالمية الى 144 في يوليو 2008. ولكن نفس الأزمة التي دفعته عاليا، دفعته تفاعلاتها الوراء دفعة كبيرة ليهبط الى 40 في ديسمبر 2008. ولكن امكن عكس الاتجاه ، من خلال تدخل المنتجين بتخفيض إنتاجهم، ليرتفع الى 80 دولارا للبرميل.

وهناك عوامل الإدارة الاقتصادية للنفط، سواء من جانب كتلة منتجين كما هو أمر الأوبك، أو كتلة اقتصادية تعمل في أسواق النفط المستقبلة، أي الشركات والاحتكارات الكبرى العاملة. ولدينا أمثلة عديدة . في عام 1979 قفز سعر البرميل الى 29.19، وكان في العام السابق 12.79 فقط . وحفاظا على هذا السعر، أخذت الأوبك تخفض إنتاجها بشكل متواصل، حتى هبط من 30 مليون برميل يوميا الى 16 مليون عام 1985. ونجح هذا الأسلوب، ففي عام 1980 صعد السعر الى 35.52 دولار للبرميل ، ثم اخذ في الانخفاض التدريجي حتى وصل عام 1985 الى 27.1 دولار للبرميل.

ماهو موقع أزمة 2014 من منظومة العوامل السابقة ؟ كان للعوامل السياسية دورها، لكن ليس المركزي. في مقدمتها المصالحة الأمريكية - الإيرانية، التي قادت لرفع الحصار عن طهران ومعه الحظر المفروض على النفط الإيراني. وهكذا عاد بقوة الى السوق ليساهم في فائض العرض النفطي. وتليها العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، التي انتقصت من قدرتها على إنتاج وتصدير الغاز الى أوروبا. وساهم ذلك في تسهيل الاقتحام الأمريكي لسوق الغاز الأوروبي، الذي شكل قوة محفزة للتوسع في استخراج الغاز والنفط الصخريين والتقدم التقني المصاحب. وكان ذلك احد عوامل قفزة إنتاج النفط الصخري الأمريكي: العامل الأساسي في تكوين فائض العرض.

لعبت العوامل الاقتصادية الدور الرئيسي. كان هناك - أولا - وفرة العرض. خلال عامي2014 -2015 ارتفع الفائض من مليون برميل يوميا عام 2014 الى 2.060 في 2016. ووفقا للبنك الدولي ساهمت وفرة العرض، بنسبه 60% في انخفاض الأسعار. وجاءت تلك الوفرة من تدفق النفط الصخري الأمريكي، والإنتاج خارج الأوبك، وتخطي دول الأوبك لقيود التصدير. والعودة النفطية غير المتوقعة للعراق وليبيا. بلغ إنتاج العراق 3.3 مليون برميل يوميا عام 2014، وفي الربع الثالث من نفس العام أضافت ليبيا إلى إنتاجها نصف مليون برميل يوميا. وهناك - ثانيا - تراجع الطلب الناتج عن تراجع معدلات النمو. تراجع معدل نمو العالم النامي من 7.1% عام 2010 الى 3.3% عام 2015. ووصل المعدل الصيني الى اقل نسبة عبر ربع قرن، وخلال 2015 وحده خرج من الصين 600 بليون دولار، ومنذ 2007 تضاعف الدين الصيني ثلاث مرات. وانخفض معدل النمو العالمي من 2.6 % عام 2014 الى 2.4 % عام 2015. وتقدر منظمة الطاقة الدولية ان تراجع الطلب النفطي ساهم في تراجع أسعار البترول بنسبة تتراوح بين 25% و30%.

كما كان لعوامل الإدارة الاقتصادية دورها المؤكد. في مواجهة انخفاض الأسعار وتراجع الطلب، تنافس الأعضاء في تقديم الخصومات. وعندما جاء اجتماع نوفمبر 2014، لم تواجه المنظمة الموقف بحسم وتعلن تخفيض سقف الإنتاج، بل قررت الحفاظ عليه، لتتخلى عن دورها كمنتج مرجح للأسعار. وقالت الحجة المطروحة بإمكانية تحمل مستوى الأسعار لفترة، لأنه سيطرد منتجي النفط الصخري من السوق لارتفاع تكلفته قياسا على السعر الراهن. إلا ان الأسعار واصلت هبوطها، وبعد 75.57 دولار للبرميل في نوفمبر 2014، أصبحت 44.38 في نوفمبر 2015، لتصل في يناير 2016 الى 26.5 دولار فقط للبرميل .

ماهو مدى نجاح قرارات الأوبك الأخيرة في مواجهة الأزمة؟ لم يمض على القرارات سوى سبعة اشهر، وهي فترة قصيرة في عمر الدورات النفطية. وفي حدود هذه الفترة، تخبرنا المؤشرات ان القرارات نجحت في إيقاف تدهور الأسعار والدفع بها الى اعلى قليلا. انجاز كبير.

بدأ الفعل الإيجابي للقرارات قبل بدء تنفيذها . في عالم النفط، لا تتأثر الأسعار فقط بما يجري في السوق، بل أيضا بما يختمر داخله من نوايا وهواجس ومداولات.

وكان عالم الأوبك في النصف الثاني من 2016 زاخر بهذا. بدأ هذا في أعمال الدورة 169 لمؤتمر الأوبك في 2 يونيو، ثم تجلى في اجتماع 28 سبتمبر الاستثنائي في الجزائر.

هناك تحدد الهدف الرئيسي لاجتماع فيينا، وتكونت لجنة عليا لصياغة المقترحات التنفيذية، وانطلقت المشاورات المكثفة مع المنتجين غير الأعضاء. وكان لهذا تأثيره المؤكد السابق على تنفيذ القرارات من يناير 2017.

ولو نظرنا الى مستوى أسعار النصف الأول من 2016، سنجدها تتراوح بين 26.50 دولار للبرميل في يناير و27 في يوليو، أي أدنى مستويات أسعار الأزمة. لكن في النصف الثاني وفي سياق حركه الأوبك التي توجت بقرارات نوفمبر، اخذ السعر في الارتفاع من أغسطس حتى وصل الى 51.57 في ديسمبر، أي ضعف سعر يناير.

ومع بداية التطبيق تواصل التأثير الإيجابي. فوصل السعر إلى 52.40 في يناير 2017 وارتفع في فبراير الى 53.37، ثم اخذ ينخفض فوصل 45.21 في يونيو، لكنه في يوليو قفز الى 50.21، أي اقل قليلا من اعلى سعر وصل إليه في يناير .

ولو نظرنا الى متوسطات أسعار أعوام 2014 - 2017 سنجد تأييدا لما سبق. ففي 2014 كان المتوسط 96.29، انخفض الى 49.49 في 2015، وهبط اكثر في 2016 الى 40.68 دولار، لكنه في النصف الأول من 2017ارتفع الى 50.31 دولار للبرميل، أي اعلى بدولار من متوسط 2015 وهو عام استشراء الأزمة.

وهناك من يرى ان الإنجاز كان سيصبح افضل كثيرا ، لو ان الأعضاء التزموا تماما بمقررات الخفض. ولكن الواقع ان الأعضاء لم يلتزموا فقط بل تخطوا حدود التخفيض المقرر، ووفقا لشهادات رسمية أمريكية. وفقا لها كان من المقرر الالتزام بتخفيض 1.2 مليون برميل، لكنهم وصلوا الى 1.4. أما غير الأعضاء فقد حققوا 74% من التزامهم.

كيف يمكن مواصلة العمل لإعادة التوازن السعري؟ سيتطلب ذلك استراتيجية كلية أبعد من استعادة توازن العرض والطلب، تنطلق من قاعدة: السياسة قبل الاقتصاد. ماذا يعني ذلك؟ بناء أوسع توافق بين كتلة المنتجين، توافق يجمع بين السياسة والاقتصاد، ويراعي في تحديد الالتزامات أزمات الأعضاء والتزاماتهم الوطنية والخارجية. وتوسيع توافق المنتجين الاقتصادي، ليشمل على نحو منظم غير أعضاء الأوبك، وقد يستدعي هذا صيغة تنظيمية أوسع من الأوبك، لكنها ليست بديلا لها. والعمل لبناء أوسع مساحة توافق سياسي، داخل منطقة الشرق الأوسط باعتبارها مركز ثقل الإنتاج النفطي، وموطن بعض اهم القوي المرجحة. إذ تؤكد التجارب ان التوافق الاقتصادي لا يصمد طويلا أمام الصراعات والانقسامات الحادة. وفي النهاية الانتقال من سياسة، انتظار عودة النمو والتوازن الاقتصادي للدول المستوردة للنفط، الى سياسة المشاركة في عودة اسرع لهذا النمو، عبر سياسات مثل تكثيف التبادل التجاري والمشروعات المشتركة والامتيازات الاقتصادية.